Skip to main content

Full text of "أعداد سلسلة عالم المعرفة"

See other formats




ال سلام وحقوق اذ نسان 


2 
35 
ع8 
| 
5 
5 
3 
3 
8 
2 
5 
5 


تأليف: ف . محمد عمارة 


عل [للعون:ز 


سلسلة كتب ثقافية شهرية يسدرها المبلس الوطفيٍ للثقافة والفنون والآداب الكوية 


صدرت السلسلة فى يناير 1978 بإشراف أحمد مشارى العدوانى 1923 1990 


59 
ال سلام وحفوق اذ نسان 


تأليف 
د. عزت فرشي 





] © 


2 








وج 17592229 
المواد المنشورة في هذه السلسلة تعبر عن رأي كاتبها 
ولا تعبر بالضرورة عن رأي المجلس 


المضوع 


امن ارا 


ضرورات واجبة ... وليست مجرد حقوق 


الفصل الثاني: 
ضرورة الحرية 


الفصل الثالث: 
ضرورة الشورى 


الفصل الرايع: 
ضرورة العدل 
الفصل الخامس: 
ضرورة العلم 
الفصل السادس: 


ضرورة الاشتغال بالشؤون العامة 


الفصل السابع: 


ضرورة المعارضة 


الفصل الثامن: 
والمحارضة المنظمة 


الفصل التاسع: 
شيهات علماء السوء 


29 


49 


6 


3 


79 


57 


]03 








«ولقد كرمنا بني آدم؛ وحملناهم في البر 
والبحرء؛ ورزقناهم من الطيبات» وفضلناهم على 
كثير ممن خلقنا تفضيلا»-الإسراء: 70 

#ولله العزة ولرسوله وللمؤمنين4-المنافقون: 8 

#ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في 
الأرض ونجعلهم أئمة وتجعلهم 
الوارثين#القصص:ه 

«إني حرمت الظلم على نفسي وعلى عبادي»؛ 
ألا فلا تظالموا»- حديث قدسي 

«من قتل دون دينه فهو شهيد,؛ ومن قتل دون 
أهله فهو شهيد ومن قتل دون دمه فهو شهيد؛ ومن 
قتل دون ماله فهو شهيد»-حديث شريف 

«الظلم ظالمات يوم القيامة. ومن احتكر طعاما 
أريعين ليلة فقد بريء من الله تعالى وبريء الله 
تعالى مند. وأيما أهل عرصة أصبح فيهم امرؤ جائع 
فقد برئت منهم ذمة الله تعالى. فلا يشبع رجل 
دون جاره»-حديث شريف. 

«لا تضربوا الناس فتذلوهم,؛ ولا تحرموهم 
فتكفروهم! من كم تعبدتم الناس؛ وقد ولدتهم 
أمهاتهم أحرارا؟ !»-عمر بن الخطاب(رضي) 

«إن الغنى في الغربة وطن» والفقر في الوطن 
غربة.والفقر يخرس الفطن عن حجته.والمقل 
غريب في بلدته!»-علي بن أبي طالب. (كرم) 


تقديم 


هناك سؤال. مشروع ومطروح: في الساحة 
الإسلامية: 

أين يلتمس المسلم المعاصر ذلك «السياج 
الفكري» الذي يستطيع بإقامته حماية «الحقوق 
الإنسانية»»التي تكفل له تحقيق جوهر إنسانيته؛ 
وازدهار طاقاته وملكاته. والنهوض بواقع أمته 
وحكنارته فى العضن الحديظة: : : أن يلتهين 
الكسلم العاص هذا «السياج»5.. 

وبعض الناس قد يستغرب «الحيرة» التي جعلت 
وتجعل المسلم لا يدري حتى الآن: المصدر الطبيعي 
الذي عليه أن يلتمس منه وفيه هذا «السياج».. لأن 
هذا البعض يرى أن التماس هذا «السياج» في 
الإسلام بديهة تصل-أو هكذا يجب أن تصل-عند 
الإنسان المسلم إلى حد «الفطرة» التي فطر الله 
غلبي هذا الأثنان 1ن عاتحفوق الأثببانية ضرورات 
فغطرية للانسان؛ من حيث هو إنسان؛ وإسلامنا هو 
دين الفطرة التي فطرنا الله عليهاء فمن الطبيعي 
والبديهي أن يكون الكافل لتحقيق هذه الحقوق.. 
ومن ثم أن يكون المصدر الطبيعي لمن يريد التماس 
هذا «السياج».. 

ورغم أننا نعترف ونعتقد صدق هذه المقولة 
اعتقاد المؤمن المسفيقن: إلا أننا تعخرق وتعتقد:» 
كذلكء بما يكتنف هذا الأمر من «ضباب» يبعث 
الحيرة لدى كثير من الإسلاميين وكثرة من المسلمين 
الذين يبحثون. مخلصين. عن المصدر الطبيعي 


9 


الإسلام وحقوق الانسان 


لحقوق الإنسان المسلم في العصر الذي نعيشه والطور الحضاري الذي 
يستشرفه هذا الإنسان.. 

- ذلك أن نفرا من حكام البلاد الإسلامية. الذين اغتصبوا السلطة 
والولاية في بلادهم. ثم ذهبوا يضفون على سلطانهم «غلالة الإسلام» 
ليصبح هذا السلطان «شرعيا»-هذا النفر من الحكام الذين تمتلىْ خطبهم 
وبياناتهم ومواد «الدعاية» لنظمهم في أجهزة الإعلام التي عليها يسيطرون, 
ب «الكلام» عن الإسلام. قد ذهبت وتذهب ممارساتهم شوطا بعيدا على 
درب العداء لحقوق الإنسان المسلم في البلاد التي يتحكمون فيها تحت 
ستار «شريعة الإسلام»!.. حتى لتبلغ المفارقة الهازلة إلى الحد الذي نراهم 
فيه يحرمون هذا الإنسان حقوقا لم يمنعها عنه «أذكياء» المستعمرين قبل 
أن ينتزع هذا الإنسان استقلال وطنه من هؤلاء المستعمرين.. .. 

وهذا الواقع المنسوب إلى الإسلام والمحسوب على شريعته. لا شك يلقى 
الضباب-بنظر الكثيرين-على الإسلام. كمصدر طبيعي مؤهل لآن يلتمس 
المسلم المعاصر فيه «السياج الفكري» الكافلء بإقامته. تحرير الإنسان المسلم 
بتحقيق ما له من حقوق !.. 

- ونفر من الكتاب الإسلاميين يذهبون في الحديث عن «الطابع الشمولي» 
للدولة الإسلامية-وهو طابع يكاد يجمع عليه الباحثون في طبيعة هذه الدولة- 
يذهب هذا النفر من الكتاب في الحديث عن هذا الطابع «الشمولي» فإذا 
هم يفسرون هذه (الشمولية)على النحو الذي يقترب بها من شمولية النظم 
المستبدة؛ المعادية «للتعددية» في الرأي والتنظيم والممارسة السياسية.. 
حتى ليلقون في روع قرائهم أن هذه الدولة الإسلامية-بسبب من طابعها 
«الشمولى»-هى أقرب إلى ما يمارسه أولئك الذين اغتصبوا سلطان الأمة, 
قاقد ملر قن الامكسان غاولة قري الاسافيه لد 

وفضلا عما في هذا «الفكر» من تبرير لنظم الجور والاستبداد.. وعما 
قيهن اتحراف غن الاطار الحضيى لت «الشمولية» فى الدولة الإسلامية, 
فإنه يلقى ظلالا كثيفة على صلاح الإسلام ليكون المصدر الذي يلتمس فيه 
المسلم حقوقه كإنسان !.. 

إن هذا النفر من الكتاب الإسلاميين قد غفلواء أو تغافلوا عن أن الطابع 
«الشمولي» في الدولة الإسلامية؛ قد وقف ويقف-بحكم الوسطية الإسلامية- 


تقديم 


عند ما يحقق التوازن بين المصالح المتناقضة؛ بالطبع في واقع المسلمين 
الاجتماعي والسياسي.. . «فالشمولية» الإسلامية إنما تستهدف تحقيق 
المقصد الأول للشريعة؛ وهو «العدل»؛ أي أنها «الشمولية»», التي لا تترك 
الضعفاء ليفترسهم الأقوياء.. ومن ثم فإنها آداة التحتيق والحقوق الإنساتية» 
للانسان المسلمء ولعموم الرعية؛ وليست أداة تبرير لحرمان الرعية من 
حقوق الإنسان.. إنها الشمولية التي تعبر عنهاء بدقة, كلمات أبي بكر 
الصديق: «القوي فيكم ضعيف عندي حتى آخذ الحق منه.. والضعيف 
فيكم قوي عندي حتى آخذ الحق له ! !.. 

لكن هذا النفر من الكتاب الإسلاميين: بهذا الفهم المغلوط «للشمولية 
الإسلامية» يسهمون في التشكيك بصلاح الإسلام كي يكون المصدر الطبيعي 
لالتماس «سياج الحقوق الإنسانية» للمسلمين في العصر الحديث. 

- ولقد تلقف «العلمانيون»-تلامذة الاستشراقء ودعاة التبعية للحضارة 
الغربية-تلقفوا هذه «التصورات» وتلك «الصور» المحسوبة على الإسلام 
وشريعته؛ واستندوا إليها في رفضهم القاطع لصلاح الإسلام أن يكون 
المصدر الذي نلتمس منه حقوق الإنسان.. لقد حكموا على «صفحات الفكر 
الإسلامي» ب «صفحات من التاريخ الإسلامي» سودها حكام ظلمة بسواد 
ظلمة الإستبداد . وذهبوا ينفرون المسلمين من إسلامهم بممارسات مغتصبي 
السلطة الذين يسترون اغتصابهم لها وانحرافهم بهاو ألي الإستبداد بستار 
من شريعة الإسلام.. ودعموا «حجتهم» بتلك التصورات الشوهاء التي قدمها 
بعض الكتاب الإسلاميين للشمولية الإسلامية..وخلص هؤلاء «العلمانيون» 
من كل ذلك ألي دعوتهم الأمة كي تلتمس«الدرع الفكرية» لحقوقها الإنسانية 
من حضارة الغرب, وإنجازاتها بميدان حقوق الإنسان: وليس في فكر 
الإسلام!.. 

وفي هذا القولءولا شك. حق كثير أريد به باطل أكثر.. الأمر الذي 
جعله ويجعله مصدرا لضباب كثيف يعمي رؤية الذين يبحثون عن الجواب 
الصحيح والشافي للسؤال الذي بدأنا به هذا التقديم: أين يلتمس المسلم 
المعاصر ذلك «السياج الفكري» الذي يستطيع بإقامته حماية الحقوق 
الإنسانية, التي تكفل له تحقيق جوهر إنسانيته: وازدهار طاقاته وملكاته, 
والنهوض بوافع أمته وحضارته في العصر الحديث؟. 


الإسلام وحقوق الانسان 


فلكشف الضباب الذي يعوق «الرؤية الصادقة» في هذا الميدان تأتي 
هذه الصفحات التي نتقدم بها ألي المفكرين والباحثين والقراء.. عن حقيقة 
موقف الإسلام الحق من «حقوق الإنسان» إنها «رحلة» فكرية في المنابع 
الجوهرية والنقية الأولى «للاسلام السياسي».. تستهدف تسليح المسلم 
المعاصر بما يعنيه على النهوض بتبعات النهضة الحديثة. محققا التواصل 
الحضاري.. ومجمئدا لإرادة مولاه. سبحانه وتعالى: الذي خلقه؛ وسواه. 
وعدله. وكرمه على سائر المخلوقات.. وهي كشف لما تميز به الإسلام 
وامتازء على المنظومات الفكرية الأخرىء في قضية «حقوق» الإنسان: عندما 
ارنقهيها هن رقة «التنشوق» إلى مسكري«اللصبووراك الواتعر ةوهو مف 
لخاصية إسلامية لا نعتقد-في حدود ما نعلم-أن دراسة أخرى قد سبقت 
إليه على كثرة ما كتب في هذا الموضوع !. 

وليس الهدف من ورائه مجرد «التيه والاستعلاء» على أمم وحضارات 
المنظومات الفكرية الأخرى قدر ما نهدف من ورائه إلى إنصاف الإسلام 
من أعداته الذين يوجهون إليه الطعنات المسمومة صباح مساء..وإنصافه 
أيضا من بعض أبنائه الذين يسيرون في «الركاب الفكري» لهؤلاء الأعداء 
(.. ويظل الهدف الأول والأساسىءمن وراء هذه الدراسة: 

-١‏ تسليح المسلم لماص كه موده هاتف اود ترفو نات 
الواجبة» من كل الغاصبين الذين فرضوا ويفرضون عليه وعلى أوطانه 
الكثير والخطير أن التحديات ..١‏ 

2- ووضع «لبنة» في البناء الفكري الذي يعين هذا الإنسان المسلم على 
تصور معالم مشروعه الحضاري المتميزء الكافل نهضة أمته لتعيش عصرها 
وتصنع مستقبلهاء دون أن تفقد هويتها وتتقطع تواصلها الحضاري مع إسلامها 
الحق.وأسلافها العظام.. والله من وراء القصد .. به نستعين.. وإياه ندعوه 
أن ييسر الانتفاع بما في هذه الصفحات؛ . 


دكتور محمد عمارة 


ضرورات واجيه. . ولسست 
مجرد حفوق 


الشائع في الكتابات السياسية والقانونية» وضي 
الدراسات الإجتماعية» أن عهد الإنسان بالوثائق 
والشرائع التي بلورت حقوقه الإنسانية: أو تحدثت 
عنهاء مقننة لها. ومحددة لأبعادها. قد بدأ يفكر 
الثورة الفرنسية الكبرى التي بدأت أحداثها 1789 
م.. فإبان هذه الثورة وضع «إمانول جوزيف 
سييس»7481 -١‏ 1836 م] وثيقة حقوق الإنسان: تلك 
التي أقرتها«الجمعيةالتأسيسية» 
وأصدرتها«كإعلان تاريخي».ووثيقة سياسية 
واجتماعية ثورية؛ في 26 أغسطس 1789 م.. ولقد 
كانت المصادر الأساسية لفكر هذه الوثيقة هى: 
نظريات النع الفركبي يجان جاك روسو 
تنقء155اوخل» [1778- 712ام].. انان حقوق 
الاستقلال الأمريكي» الصادر في 4 يوليو سنة 1776 
م؛ ذلك الذي كتبه «توماس جيفرسون:»17431- 
6ام].. 

ولقد نصت هذه الوثيقة الفرنسية على حقوق 
الإنسان «الطبيعية». مثل حقه فى «الحرية»». وحقه 
فى «الأمن». وعلى «سيادة الشعب: كمصدر 


الإسلام وحقوق الانسان 


للسلطات في المجتمع»: وعلى «سيادة القانون كمظهر لإرادة الأمة».وعلى 
«المساواة بين جميع المواطنين» أمام الشرائع والقوانين....الخ.....ولقد فعلت 
هذه الوثيقة فعل السحر في الحركات الثورية والإصلاحية؛ سواء في أوربا 
أو خارجهاء منذ ذلك التاريخ.. حتى جاء دور تدويلها. فدخلت مضامينها 
في ميثاق «عصبة الأمم» سنة 1920 م.. ثم في ميثاق الأمم المتحدة سنة945! 
م.. ثم أفردت: دولياء بوثيقة خاصة هي [الإعلان العالمي لحقوق الإنسان]: 
الذي أقرته الأمم المتحدة وفي ١0‏ ديسمبر .948ام.. 

ذلك هو التاريخ الشائع لنشأة مواثيق حقوق الإنسان.. وهو تاريخ: إذا 
تأملناه وجدناه: «التاريخ الأوربي» لحقوق الإنسان ! !.. فليس فيه قليل أو 
كثير عن «الفكر» أو «الشرائع» التي عرفتها حضارات قديمة وكثيرة. غير 
أوربية. عن حقوق الإنسان !.. 

ولقد شهدناء فى العقود الأخيرة. وكمظهر من مظاهر «الصحوة 
الإسلامية» ويج اما الإسلامية عن هويتها الحضارية المكميزة وذاتيتها 
القومية الخاصة في تراتها الفكري والحضاريء وفي فكريتها الإسلامية 
على وجه الخصوص.. شهدنا كتابات طيبة وجيدة تبرز حديث الإسلام 
وسبقه في التقنين «لحقوق» الإنسان.. وهو ميدان خصب وهام.: ما زال 
ينتظر الكثير من الجهود التي يمكن أن تسلح إنساننا العربي المسلم ضد 
الإستبداد والقهر والاستلاب. من جهة: وتشرى الفكر الإنساني الخاص 
بهذه القضية المحورية؛ من جهة أخرى, وتنصف حضارتنا العربية الإسلامية 
وفكرنا الإسلامي وديننا الحنيف. من جهة ثالثة.. إنه ميدان هام من ميادين 
البحث والإجتهاد.. ومن الضروري أن يتنافس فيه المتنافسون !.. 

لكن.. . يبدو أن هذه الجهود الفكرية الإسلامية التي بذلت وتبذل في 
دراسة وبلورة «حقوق» الإنسان في الإسلام. رغم تحليها بفضيلة إبراز 
الذاتية الإسلامية المتميزة في هذا الميدان-وهذا ما نعتقده ونعتقد أهميته- 
نراها قد تبنت ذات المصطلح الذي وضعه الأوربيون لهذا المبحث.. مصطلح 
«الحقوق».. على حين أننا نجد الإسلام قد بلغ في الإيمان بالإنسان» و ضفي 
تقديس «حقوقه» إلى الحد الذي تجاوز بها مرتبة «الحقوق» عندما اعتبرها 
«ضرورات» ومن ثم إدخالها في إطار «الواجبات» ! !.. فالمأكل والملبس 
والمسكن.. والآمن.. والحرية في الفكر والإعتقاد والتعبير.. والعلم والتعليم.. 


1“ 


ضرورات واجبه.. وليست مجرد حقوق 


والمشاركة في صياغة النظام العام للمجتمع والمراقبة والمحاسبة لأولياء 
الأمور.. والثورة لتغيير نظم الضعف أو الجور والفسق والفساد ..الخ.. كل 
هذه الآمور. هي في نظر الإسلام ليست فقط «حقوقا» للانسان من حقه 
أن يطلبها ويسعى في سبيلها ويتمسك بالحصول عليهاء ويحرم صده عن 
طلبها .. وإنما هي «ضرورات واجبة» لهذا الإنسان.. بل إنها «واجبات» عليه 
الف ل 7 

إنها ليست مجرد «حقوق»».من حق الفرد أو الجماعة أن يتنازل عنها أو 
عن بعضها.. وإنما هي لمر ا كانت أو اجتماعية-ولا 
سبيل إلى «حياة» الإنسان بدونهاء حياة تستحق معنى «الحياة».. ومن ثم 
فإن الحفاظ عليها مجرد «حق» للانسان بل هو «واجب» عليه أيضا ..١!‏ يأثم 
هو ذاته-فردا أو جماعة-إذا هو فرط فيه؛ وذلك فضلا عن الإثم الذي يلحق 
كل من يحول بين الإنسان وبين تحقيق هذه «الضرورات» !.. إنها حيرات 
لا بد من وجودها ومن تمتع الإنسان بها. وممارسته لهاء كي يتحقق له 
المعنى الحقيقي «للحياة».. وإذا كان العدوان على «الحياة» من صاحبها- 
بالإنتحار-أو من الآخرين-بالقتل-جريمة كاملة ومؤثمة؛ فكذلك العدوان على 
أي من «الضرورات» اللازمة لتحقيق جوهر هذه «الحياة».. 

بل إن الإسلام ليبلغ في تقديس هذه «الضرورات الإنسانية الواجبة» 
إلى الحد الذي يراها الأساس الذي يستحيل قيام «الدين» بدون توفرها 
للانسان.. فعليها يتوقف «الإيمان» ومن ثم «التدين» بالدين!.. 

ففي شريعتنا: إن صحة الأبدان مقدمة على صحة الأديان.. لآن صحة 
الأبدان مناط للتكليف وموضوع للتدين والإيمان.. ومن هنا كانت إباحة 
«الضرورات الإنسانية» للمحظورات الدينية !.. 

والألوهية الموحدة وعبودية الإنسان لله-وهي جوهر الدين ومحور التدين- 
وأولى عقائد الإسلام والمدخل إلى رحابه.. هذه العقيدة الدينية العظمى؛ 
على أهميتها هذه. نجد الإسلام قد اعتبرها الحق الذي استوجبه الله 
سبحانه على الإنسان لقاء إنعامه عليه بضرورات الحياة: المادية والمعنوية.. 
فلقاء النعم المادية ولقاء نعمة «الأمن».. استحق الله سبحانه من الإنسان أن 
يفرده بالألوهية والعبادة.. فالتدين إنما قام لقاء استمتاع الإنسان بهذه 
الضرورات الإنسانية.. إنه شكر على النعم الإلهية.. شكر على هذا الفيض 


الإسلام وحقوق الانسان 


الإلهي من هذه «الضرورات».. فكأنما تمتع الإنسان بهذه «الضرورات» هو 
مناط تكليفه بالتدين والإيمان بجوهر الدين.. .. وصدق الله العظيم إذ 
يقول «الإيلاف قريش . إيلافهم رحلة الشتاء والصيف. فليعبدوا رب هذا 
البيت. الذي أطعمهم من جوع وآمنهم من خوف» .!") 

وصلاح أمر«الدين» موقوف ومترتب على صلاح أمر«الدنيا».. ويستحيل 
أن يصلح أمر «الدين» إلا إذا صلح أمر «الدنيا», أي إلا إذا تمتع الإنسان 
بهذه «الضرورات» التي أوجبها الإسلام.. والإمام الفغزالي [450- 555 / 
١98‏ -!!!ام] يعبر عن هذه الحقيقة الإسلامية عندما يقول:«إن نظام الدين 
لا يحصل إلا بنظام الدنيا.. فنظام الدين:؛ بالمعرفة والعبادة؛ لا يتوصل 
إليهما إلا بصحة البدنء وبقاء الحياة. وسلامة قدر الحاجات من الكسوة 
والمسكن والأقوات والأمن.. فلا ينتظم الدين إلا بتحقيق الأمن على هذه. 
المهمات الضرورية.. وإلا فمن كان جميع أوقاته مستغرقا بحراسة نفسه 
من سيوف الظلمة وطلب قوته من وجوه الغلبة. متى يتفرغ للعلم والعمل؛ 
وهما وسيلتاه إلى سعادة الآخرة؟ فإذن: إن نظام الدنياء أعني مقادير 
الحاجة شرط لنظام الدين.»!*') 

إن اقتقاد «الضرورات الإنسانية يحرم الإنسان من مناط التكليف 
وإمكاناته ومن هنا كان اتفاق الفقهاء على أن صلاة الجائع والخائف لا 
تجوزء لأنها لا تصح ولا يمكن أن تستكمل حقيقة الصلاة... هكذا أعلى 
الإسلام من قدر الإنسان: حتى لقد بلغ يما جعلته الحضارات الأخرى» 
حقوقا «لهذا الإنسانء مرتبة الضرورات الإنسانية-الواجبة»... ولم يقف 
يها-كما صنعت تلك الحضارات-عند مرتبة «الحقوق»!.. 


.4-|١ قريش:‎ )*( 


106 





ضرورة الحريه 


والحرية الإنسانية-بالمعنى الفردي والجماعي 
والإجتماعي-في عرف الإسلام-واحدة من أهم 
«الخبرورات هوليس فقظ «الحقوق > اللازمة اتحميق 
إنسانية الإنسان.. بل إننا لا نغالي إذا قلنا: إن 
الإسلام يرى في «الحرية» الشيء الذي يحقق معنى 
«الحياة» للانسان.. فيها حياته الحقيقية؛ و بفقدها 
يموت. حتى ولو عاش يأكل ويشرب ويسعى في 
الأرض كما هو حال الدواب و الأنعام !! 

والذين يتأملون اهتمام الإسلام بالتحرير 
التدريجي للأرقاء في المجتمع الذي ظهر فيه؛ 
يدركون «الإنجاز الإحيائي» الذي صنعه هذا 
التحرير. الذي كان مصرفا من مصارف الأموال 
العامة للدولة الإسلامية. فضلا عن كونه قربة إلى 
الله. وكفارة لذنوب من يذنب من المسلمين.. 

لقد ظهر الإسلام في مجتمع تعددت فيه 
جنسيات الأرقاء. زنجا وروما وفرسا.. الخ. وأهم 
من ذلك تعددت فيه المصادر والروافد التي تمد 
«نهر الرقيق» بالمزيد والمزيد من الأرقاء والتي تجعل 
هذا النهر دائم الفيضان...فلما جاء الإسلام اتخذ 
من هذا «النظام العبودي» الموقف «الشورى-الممكن». 
الضامن إلغاء الرق. ولكن بالتدريج... لقد وجد 


17 


الإسلام وحقوق الانسان 


الحروب القبلية التي لا تنتهي مصدرا من مصادر الإسترقاق...والعادات 
القبلية والفردية مصدرا ثانيا.. والفقر المتفشي الذي يلجي إلى الإستدانة 
مصدرا ثالثا. عندما يعجز المدين عن سداد المال الذي استدان. وكان الرباء 
الذي يقرضه المرابون أضعافا مضاعفة؛ في مجتمع فقير اختلت فيه موازين 
العدل الإجتماعي إخلالا فاحشاء كان هذا الربا باعثا على ازدياد حدة 
الفقر الذي يفضي بالبعض إلى السقوط في «نهر الرقيق»... أما البؤس 
الذي كان عليه حال هؤلاء الأرقاء فلقد كان شديدا وبشعا.... 

جاء الإسلام فواجه هذا «الواقع» بالإجراء «الثوري-الممكن».فأغلق كل 
المصادر والروافد التي تمد «نهر الرقيق» بالمزيد والجديد من الأرقاء.. ولم 
يبق منها سوى الحرب المشروعة.. . بل وحتى أرقاء هذه الحرب وأسراها 
شرع لهم الفداء سبيلا لحريتهم.. ثم ذهب فوسع المصاب التي تؤدي إلى 
تجفيف «نهر الرفيق» بالعتق والتحرير... 

لقد رغب الإسلام المسلمين في عتق الأرقاء؛ بأن جعله قربة يتقربون 
بها إلى الله فمن أعتق رقيقا أعتق الله بكل عضو منه عضوا من أعضاء 
معتقه من عذاب النار !..والعديد من الذنوب الصغيرة: الكثيرة الوقوع, 
كفارتها عتق رقبة من الاسترقاق!... والأرقاء؛ الذين تسابقوا إلى اعتناق 
الإسلام. قد جر ذلك عليهم العذاب الذي صبه عليهم السادة المشركون, 
الأمرالذي جعل الإسلام يشرع لتحرير الرقيق تشريعا جعله مصرفا دائما 
من مصارف الصدقات وبيت المال العام.. «إنما الصدقات للفقراء والمسكين 
والعاملين عليها والمؤلفة قلوبهم وفي الرقاب والغارمين وفي سبيل الله 
وابن السبيل فريضة من الله والله عليم حكيم74... فهي «فريضة واجبة» 
غرضها الله سبحانه وتعالى: في القرآن الكريم.. .كما كانت إعانته «للغارمين» 
على سداد ديونهم.. وكذلك تكافله الإجتماعي السياج الوقائي الحامي 
لعامة الناس من الوقوع في هاوية الإسترقاق. بل لقد ذهب القرآن الكريم 
ليعلم المسلمين أن «البر الحقيقي» ليس في استقبال المشرق أو المغرب 
للدعاء والصلاة...ولكنه في أمور وأعمال أكثر من ذلك من بينها تحرير 
الأرقاء بشرائهم من مالكيهم وإعتاقهم من الإسترقاق.. . إليس البر أن 
تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر: من آمن بالله واليوم الآخر 
والملائكة والكتاب والنبيين؛ وآتى المال على حبه؛ ذوي القربى واليتامى 


ضرورة الحريه 


والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب؛ وأقام الصلاة وآتى الزكاة, 
والموفون بعهدهم إذا عاهدواء والصابرين في البأساء والضراء وحين البأس 
أولئك الذين صدقوا وأولئك هم المتقون»"1) 

والذين ينظرون في آيات القرآن الكريم لابد أن يلفت بصيرتهم أن 
المصطلح القرآني الذي تناول الرقيق هو مصطلح «الرقبة»-وليس «العبد»- 
وأن هذا المصطلح مقترن دائما في القرآن بالتحرير..إوما كان لمؤمن أن 
يقتل مؤمنا إلا خطأء ومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة ودية مسلمة 
إلى أهله إلا أن يصدقواء فإن كان من قوم عدو لكم وهو مؤمن فتحرير رقبة 
مؤمنة: وإن كان من قوم بينكم وبينهم ميثاق فدية مسلمة إلى أهله وتحرير 
رقبة مؤمنة» فمن لم يجد فصيام شهرين متتابعين توية من الله؛ وكان الله 
عليما حكيما4”*.. «لا يؤاخذكم الله باللغو في أيمانكم ولكن يؤاخذكم 
بما عقدتم الأيمان فكفارته إطعام عشرة مسكين من أوسط ما تطعمون 
أهليكم أو كستوهم أو تحرير رقبة» فمن لم يجد فصيام ثلاثة أيام؛ ذلك 
كفارة أيمانكم إذا حلفتم؛ واحفظوا أيمانكم كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم 
تشكرون4*” .. «والذين يظاهرون من نسائهم ثم يعودون لما قالوا فتحرير 
رقبة من قبل أن يتماساء ذلكم توعظون به؛ والله بما تعملون خبير»* . 
. إوهديناه النجدين.فلا اقتحم العقبة. وما أدراك ماالعقبة. فك 
رقبة)14*"... 

وبالإضافة إلى إلغاء أغلب روافد «نهر الرقيق». وتوسيع مصابه.. مضى 
الإسلام. على درب الحرية والتحرير فجعل احتفاظ المسلمين مالكي الأرقاء 
بأرقائهم عبئا اقتصاديا على هؤلاء المالكين؛ بعد أن كانت هذه الملكية مصدرا 
للثراء!...فلقد شرع الإسلام للأرقاء حقوقاء ورفع عن كاهلهم التكليف بما 
لا يطيقون, حتى لقد أوشك أن يساويهم بسادتهم كل المساواة؛ الأمر الذي 
جعل تحريرهم قربة إسلامية لا تمثل خسارة مادية ذات بال.. فالرسولككلة 
يقول:(للمملوك طعامه وكسوتهءولا تكلفونه من العمل ما لا يطيق)7*.. 
بل لقد ذهب إلى حد التشريع لإلغاء كلمة «عبد» و «أمة» من مصطلحات 
الحياة الإجتماعية,فقال.عليه الصلاة والسلام: «لا يقل أحدكم: عبدي 
وأمتي» وليقل فتاي وفتاتي»!*!..كذلك جعل الإسلام من «المكاتبة». أي 
شراء الرقيق لحريته. شراء منجما ميسوراء يعينه عليه مالكه..ومن زواج 


ناا 


الإسلام وحقوق الانسان 


المالك بفتاته-[أي أمته]-إذا هي أنجبت منه. وصارت «أم ولد».. جعل من 
ذلك. وغيره. مصابا جديدة لتحرير الأرقاء. أكدت الإنحياز «الشورى» 
للاسلام في السعي إلى حرية الذين أصابتهم لعنة الإسترقاق.. 

بل إننا إذا تأملنا تشريع القرآن الكريم «تحرير رقيق» ككفارة عن «القتل 
الخطأ». أدركنا كيف تساوت «الحرية»؛ في هذا التشريع: «بالحياة»!.. يقول 
الله. سبحانه وتعالى: «إومن قتل مؤمنا خطأ فتحرير رقبة مؤمنة)!*9.. 
غفي مقابل «إعدام حياة» إنسان-بالقتل يكون «إحياء ذات» رفيق-بالحرية-.. 
. لأن رقه يساوي موته؛ بينما تحريره هو الحياة ولقد لحظ الإمام النسفي 
[7101 ه-310ام] هذا الملحظ. فقال في تفسيره لهذه الآية القرآنية معللا 
حكمها:«.. . إنه-«أي القاتل]-لما أخرج نفسا مؤمنة من جملة الأحياء, 
لزمه أن يدخل نفسا مثلها في جملة الأحرارء لأن إطلاقها من قيد الرق 
كإحيائهاء من قبل أن الرقيق ملحق بالأموات» إذ الرق أثر من آثار الكفرء 
والكفر موت حكما «أو من كان ميتا فأحييناه2192,..7*!4.. . فالإسلام 
عندما يهدي إنما يحرر. وعندما يحرر فإنه يحقق للإنسان الضرورة المحققة 
لمعنى «الحياة».. 

والقرآن الكريم عندما يتحدث عن جماع غايات الرسالة النبوية». في 
شئون الحياة الدنياء نلمح تركيزه على غايات: 

أ-إشتغال الإنسان بشئون أمته ومجتمعه العامة. متمثلا فى «الأمر 
بالعروف والنهي عن المتكر». ش 

ب-وتنظيم علاقة الإنسان بالأشياء. ما هو جلال منها وما هو حرام... 

ج-وتحرير هذا الإنسان من القيود والأغلال.... 

إنه يقول عن جماع الرسالة.. رسالة محمدوَكةٌ: «الذين يتبعون الرسول 
النبي الأمي الذي يجدونه مكتوبا عندهم في التوراة والإنجيل؛ يأمرهم 
بالمعروف وينهاهم عن المنكر؛ ويحل لهم الطيبات»؛ ويحرم عليهم الخبائث) 
ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم»9!!... 

ولقد بلغ تقديس الإسلام للحرية الإنسانية إلى الحد الذي جعل السبيل 
إلى إدراك وجود الذات الإلهية هو العقل الإنساني. فحرر سبيل الإيمان من 
تأثير الخوارق والمعجزات المادية ومن سلطان النصوص والمآثورات: بل ومن 
سيطرة الرسل والأنبياء !.. فحجية النصوص المقدسة مترتبة على صدق 


ضرورة الحريه 


الرسول الذي يشعر بها.. وصدق الرسول مترتب على صدق وجود الذات 
الإلهية التي أرسلته وأوحت إليه هذه النصوص.. فلابد من سبق الإيمان 
بهذه الذات على التصديق بالرسالة؛ والنصوص...ولا سبل إلى ذلك سوى 
العقل المتحرر من سيطرة الرسل وتآثير الخوارق وسلطان المأثورات...وهنا 
قمة التحرير ونفي الإكراه في التدين بالدين.. . «لا إكراه. في الدين قد 
تبين الرشد من الغي2'*74.... «قال: يا قوم أرأيتم إن كنت على بينة من 
ربي وآتاني رحمة من عنده فعميت عليكم؛ أنلزمكموها وأنتم لها 
كارهون2”*74.. إولو شاء ريك لآمن من في الأرض كلهم جميعاء أفأنت 
تكره. الناس حتى يكونوا مؤمنين142054'... 

لقد بعث الله. سبحانه وتعالى: رسولهيَيكةِ هدى ورحمة؛ وحدد أن هدرف 
التبليغ هو أن يكون «بشيرا» للمؤمنين بالنعيم؛ و «نذيرا» للمشركين 
بالعذاب..ولم يبعثه الله «جبارا» ولا «متسلطاء ولا «مسيطرا» ولا «وكيلا».. 
«يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا1"*4).. «فذكر إنما أنت 
مذكر لست عليهم بمسيطر74*؟"2.. إنحن أعلم بما يقولون وما أنت عليهم 
بجبار فذكر بالقرآن من يخاف وعيد27*4.. «وكذب به قومك وهو الحق, 
قل: لست عليكم بوكيل4**'', . «ولو شاء الله ما أشركواء وما جعلناك 
عليهم حفيظاء وما أنت عليهم بوكيل2*74..«إقل: يا أيها الناس؛ قد جاءكم 
الحق من ريكم؛ فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه؛ ومن ضل فإنما يضل 
عليها وما أنا عليكم بوكيل20”74 ..«آنا أنزئنا عليك الكتاب للناس بالحق 
فمن اهتدى فلنفسه ومن ضل فإنما يضل عليها وما أنت عليهم بوكيل704 . 

وإذا كانت الحضارة الغربية قد ألفت-في فكرها المدني-«منهج الشك», 
منذ فيلسوفها ديكارت «وعاتهءوء12» [1596- 650ام].. على حين ظل هذا 
المنهج منبوذا ومحرما في لاهوت تلك الحضارة. فلابد أن نتأمل ونعي 
احتضان «الدين» الإسلامي. فضلا عن «الحضارة» الإسلامية. للشك 
المنهجيء باعتباره الطريق المأمون لتحصل! اليقين: الذي هو «الإيمان»....إن 
القرآن الكريم لم ينح باللائمة على إبراهيم الخليل؛ عليه السلام. عندما 
شكء فسأل. طلبا للاطمئنان.. «وإذ قال إبراهيم: رب أرني كيف تحيي 
الموتى؛ قال: أولم تؤمن؟ قال: بلى؛ ولكن ليطمئن قلبي؛ قال: فخن أربعة من 
الطيرفصرهن إليك ثم اجعل على كل جبل منهن جزءا ثم ادعهن يأتينك 


الإسلام وحقوق الانسان 


سعياء وأعلم أن الله عزيز حكيم14**".. والرسولء (كلِِ) لم ينهر الصحابة 
الذين شكوا-بسبب الوسوسة-في وجود الذات الإلهية: إلى الحد الذي تعذبت 
فيه ضمائرهم من القلق الفكريء حتى نفذ ذهبوا إلى النبي يسآلونه؛ 
مستعظمين التصريح بالألفاظ المعبرة عن القضية التي كنيا يشكون, 
لقد قالوا للنبي-فيما رواه أبو هريرة-: «يا رسول الله إن أحدنا يحدث نفسه 
بالشيء ما يحب أن يتكلم به وإن له ما على الأرض من شيء... وإنا نجد 
في أنفسنا ما يتعاظم أحدنا أن يتكلم به!!.» فكان جواب رسول الله رائد 
الحرية: التساؤل عن هذا الشك الذي يعتريهم؛ قال: «وقد وجدتموه 4.. 
قالوا:نعم.. فقال:«ذاك صريح الإيمان... ذاك محض الإيمان»207.. ولذلك.. 
وبسبب من مكان هذا النهج في فكر الإسلام.. فلقد كان الجاحظ [163- 
5 ه / 869-780 م] الإبن البار للاسلام الدين؛ بقدر ما كان الإبن البار 
للحضارة الإسلامية؛ عندما انطلق من هذا الميراث الديني ليتحدث عن 
الشك المنهجي كالسبيل الأوحد لتحصيل اليقين-بالنسبة للعلماء-حتى لقد 
رأى هذا الشك علما لابد من السعى إلى تعلمه والبراعة فيه! تقول 
الجالففك اكاموة راوها ركه برب قاقر ممواظم الشلء. وعالاق] الموجبة له 
لتعرف بها مواضع اليقين الحالات الموجبة له؛ وتعلم الشك في المشكوك 
فيه تعلماء فلو لم يكن في ذلك إلا تعرف التوقف, ثم التثبتء لقد كان ذلك 
مما يحتاج إليه.. فإنه لم يكن يقين قط حتى كان قبله شكء ولم ينتقل أحد 
عن اعتقاد إلى اعتقاد غيره حتى يكون بينهما حال شك.. . وعندما قال 
ابن الجهم للمكي: 

- أنا لا أكاد أشك!.. 

- قال المكي: وأنا لا أكاد أوقن !.. 

ففخر عليه المكي بالشك في مواضع الشك كما فخر عليه ابن الجهم 
باليقين في مواضع اليقين..2*00 ! 

وبعد الجاحظ... رأينا الذين يعرضون للحديث عن «الواجب الأول» في 
التكليفات المفروضة على الإنسان؛ وجدناهم يختلفون.. فالبعض-ومنهم 
الإمام أبو علي الجبائي[351- 303 ه / 984- 916 م]-يرى أن الواجب الآول 
على الإنسان هو «النظر»يما يعنيه ويستلزمه من حرية-لآن «النظر» هو 
السبيل إلى اليقين.. . على حين يرى البعض الآخر-ومنم الإمام أبو هاشم 


ضرورة الحريه 


الجبائي [247- 321 ه -١/‏ 933 م]-أن الواجب الأول على الإنسان هو: 
«الشك» لأنه هو السبل إلى «النظر» والطريق إلى اليقين (:25) 

وإذا كان فكر الجاحظ والجبائيين هو النموذج لهذه القضية في فكر 
المعتزلة» فرسان العقلانية الإسلامية: فإن هذا الفكر لم يكن خاصية انفرد 
بها أئمة الإعتزال.. فنهج الإمام الغزالي[450- 505ه / 1058- ١١١ام]‏ في 
«الشك المنهجي». بل وتجربته الذاتية التي جسدت-بمسيرته الفكرية-هذا 
النهج؛ وهي تلك التي سجلها في كتابه[المنقذ من الضلال] كان ذلك نموذجا 
على مكانة هذا النهج في فكر إمام من أبرز أئمة الأشعرية.. ودليلا على أن 
هذا النهج المنحاز إلى حرية الفكر والتفكير إنما هو خاصية إسلامية؛ رسخ 
في الإسلام الدين؛ ثم ترك بصماته في الفكر الحضاري الذي أبدعه أئمة 
الإسلام. من مختلف الفرق والتيارات: باستثناء «السلفيين-النصوصيين».... 

وإذا كانت الأدلة على هذه الحقيقة أكثر من أن تحصى وترصد في هذا 
المقام... فيكفي أن نشيرء هناء إلى بعض الحقائق التي يمكن استخلاصها 
من القرآن الكريم .. 

إن الآيات القرآنية التي تتحدث باللفظ الصريح عن «النظر». وتفترضه. 
وتحث عليه. تزيد على الخمسين...وهي تستخدم فعل الأمر لتؤكد أن هذا 
«النظر» هو فريضة إلهية فرضها الله. سبحانه وتعالى؛ على الإنسان.. . 
«فسيروا في الأرض فانظروا كيف كان عاقبة المكذبين)22**74.. . إقل انظروا 
ماذا في السموات والأرض7”14).. إقل سيروا في الأرض فانظروا كيف بدأ 
الخلق2*”74..«فانظر إلى آثار رحمة الله كيف يحيي الأرض بعد 
موتها2”74.. الخ ْ 

والآيات القرآنية التي تحدثت عن «التدبر»-بمعنى التأمل والتفكر-تطلب 
ذلك من الناس وتستدعيه وتحث عليه؛ ولا تقف عند مجرد إباحته-كما هو 
الحال مع «الحقوق»..وأكثر من ذلك فإن آيات «التدبر» هذه توجب على 
الناس التدبر في ج القرآن الكريم».. أي أن «التدبر» مطلوب في «النص 
والنقل» الموحي به من السماء؛ وليس مطلوبا فقط في «كتاب الطبيعة 
والكون»... ففريضة إلهية على الإنسان أن يحكم «النقل» إلى «العقل»»لأنه 
هو الحكم؛ وهو مناط التكليف في أمور الدين وشئون الدنيا على السواء!.. 
#«أفلا يتدبرون القرآن ولو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا 


الإسلام وحقوق الانسان 


كثيرا4*”.. «أفلا يتدبرون القرآنء أم على قلوب أقفالها01*!4)؟!.. «أفلم 
يدبروا القول؛ أم جاءهم ما لم يأتآباءهم الأولين2**14..«اكتاب أنزلناه 
إليك مبارك ليدبروا آياته وليتذكر أولوا الألباب» .. [*03) 

وإذا كان القرآن الكريم قد تحدث عن «الحكمة» في تسع عشرة آية من 
آياته.. وعن العقلء في تسع وأربعين آية.. وعن «اللب»-أي العقل-باعتباره 
«جوهر الإنسان وحقيقته»-في ست عشرة آية. وعن هذا العقل؛ بلفظ «النهى»؛ 
في آيتين.. فإنه قد تحدث عن «التفكر» كفريضة واجبة افترضها الله 
سبحانه وتعالى. على الإنسان!..«كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم 
تتفكرون74*"..«أولم يتفكروا في أنفسهم؛ ما خلق الله السماوات والأرض 
وما بينهما إلا بالحق وأجل مسمىء وإن كثيرا من الناس يلقاء ربيهم 
لكافرون74***.«إن في خلق السماوات والأرض واختلاف الليل والنهارلآيات 
لآولي الالباب. الذين يذكرون الله قياما وقعودا وعلى جنويهم ويتفكرون 
في خلق السماوات والأرض ربنا ما خلقت هذا باطلا سبحانك فقنا عذاب 
النار]762..[فاقصص القصص لعلهم يتفكرون2””4.. «كذلك نفصل 
الآيات لقوم يتفكرون7**94..«وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما انزل 
إليهم ولعلم يتفكرون74*””..لإوتلك الأمثال نضربها للناس لعلم 
يتفكرون4*”".. فالتفكر «فريضة» وليس مجرد «حق» من الحقوق !.. 

والمطلوب من المسلم. في شؤون «الدين-فضلا عن «الدنيا»-ليس مجرد 
«التلقي».وإنما «الفقه» الذي يصل بالعقل إلى الأعماق: متجاوزا ظواهر 
النصوص والبادي من المأثورات: فهذا «الفقه والتفقه»-بالنسبة لأهله-فريضة 
عينية متعينة, وبالنسبة للأمة: فريضة اجتماعية كفائية فرضها الله سبحانه 
على أمة الإسلام..اوما كان المؤمنون لينفروا كافة» فلولا نفر من كل فرقة 
منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم لعلهم 
يحذرووي :0 

ذلك هو «واجب» المؤّمنين؛ وتلك واحدة من «صفاتهم» التي يتميزون بها 
ويمتازون ولذلك تخلفت هذه الصفة«الفقه والتفقه»-عن أهل الجاهلية 
الأولى..#حتى إذا بلغ بين السدين وجد من دونهما قوما لا يكادون يفقهون 
قولا294 ..١‏ . وتخلفت عن المنافقين.. #ولكن المنافقين لا 
يفقهون74”...وجميع هؤلاء الذين لا يفقهون مأواهم جهنم وبئكس 


24 


ضرورة الحريه 


المصير!..#ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس لهم قلوب لا يفقهون 
بها ولهم أعين لا يببصرون بها ولهم آذان لا يسمعون بهاء أولئك كالأنعام بل 
هم أضل,أولتك هم الغافلون»!*4) 


فالنهوض بحقوق فرائض «التفكرعو «التدبر» و «النظر» و «التعقل» و 
«التفقه» هو الخاصية الإنسانية: اللائقة بالإنسان المؤمن؛ وبغيرها لا فلاح 
له في الدنياء ولا نجاة له من النار في الآخرة.. بل ولا مكان له في «الدائرة 
الإنسانية»» لأنه بنكوصه عن النهوض بهذه الفريضة و «الضرورة-الواجبة» 
إنما ينتقل إلى دائرة من هم أضل من الأنعام.... ذلك هو مبلغ «الحرية» 
ومكانتها في الإسلام !....إنها «ضرورة إنسانية-واجبة»...وفريضة إلهية, 
بغيرها لن تتحقق «حياة» الإنسان كإنسان... فهي «واجبة» لتحقيق وصيانة 
«الحياة».التي هي واجبة؛ بل ومقدسة إذا ما الأيكم الوا نب إلا مف كوو بو السب 
أيضا كما استقر عليه الرأي عند مفكري الإسلام-!.. 

وإذا ما علمنا أن معنى كون الحرية «ضرورة»», بنظر الإسلام: ليس 
بمعنى أنها «حتمية-جبرية»,لا فكاك للانسان معها من أن يكون حراء كما 
هو مفهوهها عند «الجيرة أنصار الحتمية» فى يعكن المدارس الفلسهفية 
قور الاسااسيف يز وزنما مقي والشترو دنا حنمن أتينا فريشة الينية: 
وتكليف واجب عل الإنسان. يستلزم حريته واختياره؛ لا يلغيهما «بالجبر» و 
«الحتمية»... وإذا علمنا ذلك زاد تألق إنسانية الإنسان الحر المختار المريد 
بهذا المضمون الإسلامي للحرية؛ زيادة عظمىء إذا هو مارسهاء ونهض 
باذاء التكليت الألبي له يان يكون يدراه بان حارس بخريته: ويضولها بن 
مجال «الفكر التظرية إلى عالم «الممارسة والتطبيق». 


الحجواشي 


(*) التوبة:60. 

(*1) البقرة: 2*(,177) النساء: 2 9. 

(*3) الماكدة:89. 

(*4) المجادلة: 3. 

(*5) البلد: 10- 13 

(*6) رواه مسلم وابن حنبل ومالك في الموطأ. 

(*7) رواه البخاري ومسلم وأبو داوود وابن حنبل. 

(*8) النساء2 9. 

(*9) الأنعام: 122 

(*10) النسفي: تفسير [مدارك التنزيل وحقائق التأويل] ج اص 189 . طبعة القاهرة سنة 4 134 ه. 
)١1١*(‏ الأعراف: 157. 

(*12) البقرة:256 

(*13) هود :28. 

(*14) يونس :99. 

(*15) الأحزاب:45. 

(*16) الغاشية: |2, 22. 

(*17) ق 45, (*18) الأنعام:66. 

(*19) الأنعام:107. 

(*20) يونس: 108 

(*21)الزمر: 41 

(*22) البقرة:260. 

(*23) حديثان؛ روى أحدهما مسلمء؛ وروى الثاني أحمد بن حنبل!. 

(24) الجاحظ اكتاب الحيوان] ج 6 ص 35, 36.تحقيق:الأستاذ عبد السلام هارون. طبعة القاهرة. 
(*25) د .علي فهمي خشجم [الجبائبان: أبو على وأبو هاشم] ص 333. طبعة طرابلس-ليبياسنة 
8م. ١‏ 

(*26)آل عمران:137 

(*27) يونس:101 

(*28) العنكبوت:20 

(*29) الروم:50. 

(*30) النساء: 82. 


(*31) محمد :24 


20 


(*32) المؤمنون :68 
(*33) ص :29 

(*34) البقرة:219 
(*35) الروم:8 

(*36) آل عمران: 0 191,19 
(*37) الأعراف:176 
(*38) يونس: 24 
(*39) النحل :44 
(*40) الحشر:!2. 
(*41) التوبة:122 
(*42) الكهف :93 
(*43) المنافقون: 7 
(*44) الأعراف: 179. 


ضرورة الحريه 


27 


ضرورة الشورى 


في الحضارة الغربية؛ ورث أبناؤها عن أسلافهم 
اليونان؛ تراثا واضحا وغنيا في «الديمقراطية».. 
ولقد أغنوا هذا التراث وطوروه. وأضافوا إليه 
الجديد. وخاصة في ميدان «النظم» التي تقترب 
ممق قف الشوس جلسة ري مظان ا تياو بسن «اللها ون 
والتطبيق):- 

ولقد غدا الخروج على فلسفة الديمقراطية 
وتطبيقاتها موضع الإدانة والإنكار والإستنكار في 
تلك الحضارة؛ سواء أكان هذا الخروج في ميدان 
الفكر أو في مجال الممارسة والتطبيق...الأمر الذي 
جعل «الديمقراطية» قسمة من قسمات الحضارة 
الغربية. على اختلاف تياراتها.. فلليبراليين 
مفهومهم وتطبيقهم للديمقراطية. الليبرالية.. 
وللاإشتراكيين مفهومهم وتطبيقهم للإشتراكية 
الديمقراطية.. وللشيوعيين مفهومهم وتطبيقهم 
لديمقراطية الحزب الواحد والطبقة القائدة: 
البروليتاريا فالخلافات والتنويعات يحكمها إطار.. 
وهذا للاطار هو مصدر «المشروعية للفكر 
والتطبيق».. هذا عن الحضارة الغربية.. فماذا عن 
حضارتنا العربية الإسلامية ؟ !.. 

لقد كاد الإجماع ينعقد على أن «الشورى» هي 


20 


الإسلام وحقوق الانسان 


الفلسفة الإسلامية للحكم في الدولة الإسلامية وللمجتمع الإسلامي.. 
وللأسرة المسلمة.. أي «للسلطة الإسلامية».أيا كان ميدان هذه «السلطة» 
دولة: أو مجتمعا أو أسرة.. لكن الإجماع يكاد ينعقد أيضاء عل أنه بمقدار 
الحظ الوافر والغنى لمنابعنا الفكرية ولأصول مواريثنا الحضارية فى هذه 
«الشورى» كان التقشس و الحدك الذي أصاب «تاريخنا >ووتظبيقاها» فى هذا 
الميدان !.. غفي المنابع الفكرية-كما سنرى-نجد «الشورى» هي الفلسفة 
المقدسة للحكم والسلوك اجتماعيا كان أو أسريا بل وفرديا.. و في التاريخ 
نجد الفردية والإستبداد يحرمان الواقع التاريخي والإنسان الذي عاشه. 
من ثمرات هذه الفلسفة المقدسة.. بل ويصيبان الفكر الذي عبر عن هذا 
«الواقع التاريخي» بالفقر الشديد إذا ما كان البحث في فلسفة الحكم 
وضوابط السلطة والسلطان ..١‏ 

صحيح أن «الفردية والإستبداد» قد عرفهما تاريخ الإنسانية كلها وعلى 
اختلاف المواطن والقوميات والحضارات. لعنة اكتوت بنارها كل الشعوب.. 
لكنهماء في ظروف أمتنا العربية الإسلامية تبرز عوراتهما أكثر. ويبدو 
شذوذهما أقبح لأن الشورى في تراث هذه الأمة فلسفة دينية مقدسة, 
وليست مجرد ميراث فكريكما هو حال الغرب-عن «جاهلية اليونان» 
الوثنيين.. 

ولهذه القضية أهميتها.. لا في نقد الممارسات التاريخية وحسبء بل 
وفي التفكير للحاضر والمستقبلءفإذا كان هذا هو مقام «الشورى» وطبيعتها 
في منابعنا الفكرية؛ فإن هذا المقام يجب أن يعلو أكثر فأكثر في فكرنا 
المعاصرء الذي يجب أن يوضع في الممارسة والتطبيق.. . وهنا يكون التطبيق 
الخلاق المنهج العلمي في استلهام التراث والإغادة منه في مواجهة التحديات: 
منهج العودة للمنابع النقية تستلهم خير ما فيها .. وتطوير هذا الخير وتحديثه 
كي يلائم مستحدثات الأمور والجديد الذي طرحته وتطرحه الحياة, 
والتجاوز-بعد الإستيعاب والنقد-لانحرافات التاريخ عن هذا النهج الذي 
استقر كثوابت. في منابع الأسلاف العظام !.. إنناء فيما يتعلق بالشورى, 
أمام أكثر من «موروث».. غلدينا ذلك الميراث الغني-الذي سنعرض لطرف 
منه-والذي جعل الشورى: «الفلسفة المقدسة» للحكم والحياة والسلوك.. 
وهو ميراث قد عرف طريقه إلى التطبيق في الفترات الزاهرة من تاريخنا 


ضرورة الشورى 


ولدينا ذلك «الميراث التاريخي» الذي استبدل الفردية والإستبداد 
بالشورى.. فسادت فيه مقولات «الشرعية لمن غلب» !.. و «الإمامة-فى 
الشيرينة واالصافة دان ادلب رب وزسا هلي الأرعية 9 وسمهر سكم رد 
عدل؛ وتصبر عليه إن هو جار وظلم» !(*") 

لدينا المنابع الفكرية؛ الغنية بالحديث عن الشورىء كمنهج للسلوك وفلسفة 
في الحكم.. ولدينا الفكر التاريخي الشديد الفقر في الإهتمام بأمر هذه 
الشورى.. حتى لقد وجدنا «إبن منظور» «630- 7١١‏ ه / 1232- 131١‏ م» 
صاحب موسوعة #لسان العرب4 يعكس مناخ عصره. عصر المماليك؛ فيفرد 
لمادة الشورى-«شور»-في موسوعته هذه مائتي سطر واثنين وثلاثين سطراء 
لا تظفر منهم الشورى-كمنهج للسلوكء ولا نقول الحكم-باكثر من أسطر 
خلاثة !.. 28) 

فإذا كنا جادين حقا في البحث عن «هوية» الأمة وذاتيتها الحضارية 
المتميزة.. وإذا كنا جادين حقا في تحرير إنساننا المعاصر من القيود التي 
تشل:فعالياته وتمجزة غنخ موااجية التحدياتة الفتاكة المفروضنة على حاكتره 
ومستقبله.. فعلينا أن نتجاوز «بؤس التاريخ»-بعد استيعابه ونقده-لنستلهم 
المنابع النقية والغنية فنطورها ونجددهاء ونجعل منها الإطار الذي نبدع 
فيه والفلسفة التي تهتدي بها مؤسساتنا المعاصرة؛ والمقاصد والمثل والغايات 
التي نناضل من أجل وضعها في الممارسة والتطبيق.. وبهذا المنهج؛ ولهذه 
الغاية.. نبحث عن الشورى في موروتثنا الإسلامي.. 


فى الضرآن الكريم: 

لم يقف الإسلام من «الشورىء عند حد اعتبارها» «حقا» من حقوق 
الإنسان.. وإنما ذهب فيها-كما هي عادته مع ما اعتبر في الحضارات 
الأخرى مجرد «حقوق»ذهب فيها إلى الحد الذي جعلها «فريضة شرعية 
واجبة»على كافة الأمة. حكاما ومحكومينء في الدولة وفي المجتمع: وضي 
الأسرة وفي كل مناحي السلوك الإنساني. 

فهو يتحدث عنها كفريضة واجبة على رسول الله. صلى الله عليه وسلم؛ 
في شؤون الحكم والسياسة والعمران الدنيوي؛ لأنه في هذا الميدان كان 
مجتهدا غير معصوم-قما بالنا بالحاكم إذا لم يكن نبيا ولا رسولا يستدركه 


الإسلام وحقوق الانسان 


الوحي بالترشيد إذا هو اجتهد غلم يصب مواطن الحق والصواب. يتحدث 
القرآن الكريم عن الشورى كفريضة شرعية واجبة. حتى على الرسول 
فيقول الله سبحانه. مخاطبا رسوله: #فبما رحمة.من الله لنت لهم ولو 
كنت فظا غليظ القلب لانفضوا من حولك فاعف عنهم واستغفر لهم 
وشاورهم في الأمر؛ فإذا عزمت فتوكل على الله؛ إن الله يحب المتوكلين»(*0) 
وهذا الحسم والوضوح اللذين تآلقت بهما الشورى-كفريضة شرعية واجبة- 
في قرآننا الكريم؛ ووحي الله لرسوله. وفي كتاب العرب الأول.. قد وعاه 
جيدا أسلافنا العظام: الذين كتبوا في تفسير هذه الآية يقولون: «إن الشورى 
من قواعد الشريعة وعزائم الأحكام. ومن لا يستشير أهل العلم والدين 
فعزله واجب.. وهذا ما لا خلاف فيه.., إ*48) 

لكن مظالم التفرد والفردية والإستبداد التي جنحت بعيدا عن هذه 
الفلسفة للحكم. قد أثمرت عصورها المظلمة وتطبيقاتها الظالمة فكرا هزيل, 
حاول أصحابه تزوير نسبه إلى الإسلام؛. ليضفوا عليه شرعية الدين 
ومشروعيته.. فزعموا أن الشورى غير ملزمة للحاكم.. فعليه أن يستشير, 
ثم بعد ذلك يمضي ما رآهء حتى لو خالف الأمة جمعاء !.. ولقد تجاهل هذا 
النفر من فقهاء الملوك والأمراء والسلاطين ما عناه ويعنيه قول الرسول؛ 
صلى الله عليه وسلم: «إن أمتي لا تجتمع على ضلالة».!*" ما يعنيه هذا 
الحديث من «عصمة الأمة»» التى يتجسد اجتهادها ويتمثل فى الصفوة 
الجامعة لتو وان االشورة وإتكاناتالاجنهاد رز ظرانناهم فر ون عفلةاوالفره 
الحكم» على كفة «المشيرين» !.. 

ولقد حاول هذا النفر من فقهاء السلاطين تزوير نسب هذا الفكر 
الشائه إلى الإسلام.. فقالوا إن هذا هو ما يعنيه قول الله سبحانه في هذه 
الآية: «فإذا عزمت فتوكل على الله».. فإذا استشار الحاكم كان قد أدى ما 
عليه.. وله بعد ذلك أن يعزمء أي يقرر ما يشاء.. ونسوا أن هذا «العزم»- 
القرار-هو-في سياق الآية-ثمرة الشورى.. فالشورى إذا جردت من ثمرتهاء 
وهو القرار-العزم- كانت عقيما.. بل كانت «مسرحية عبثية» يجب أن يتنزه 
عنها الفكر الذي يعرض لآيات الله. سبحانه بالنظر والتفسير.. 

ونحن نقرأ في «#صحيح البخاري#هذا التفسير الدقيق لهذه الآية.. 
نقرأً فيه أن المراد هو تحديد «أن المشاورة قبل العزم والتبين».. أي أنها هي 


ضرورة الشورى 


المقدمات التي تفضي إلى القرار وتحدد طبيعة هذا «العزم والتبين». والمثل 
الذي ضربه البخاري لهذه القضية-وهو «سبب النزول» في هذه الآية. أي 
ملابسات الوحي ومذكرة تفسيره-هو أن الرسول (صلى الله عليه وسلم) قد 
استشار أصحابه في مكان لقاء المشركين «يوم أحد».. وكان رأي الرسول- 
مع قلة من الصحابة-البقاء في المدينة. والإستفادة بموقعها وتحصيناتها 
في قتال المشركين الغزاة.. لكن الأغلبية رأت الخروج لملاقاة الأعداء عند 
«أحد» فنزل الرسول على رأي الأغلبية: وألهمته رحمة الله أن يلين لهذه 
الأغلبية كي لا يكون فظا غليظا ينفرد برأيه ويستبد به. فيفضي ذلك إلى 
انفضاضهم من حوله.. فاتخذ قرار الخروج, كثمرة لمشورة الأغلبية. ودخل 
منزله فلبس «لامته»-عدة الحرب والقتال-وخرج مع أصحابه وقد استعدوا 
ونفروا جميعا للخروج.. لكن نفرا من الذين أشاروا على الرسول بالخروج, 
ظنوا أن مشورتهم بخلاف ما كان يرى الرسول ربما تكون قد ساءته. فعرضوا 
عليه التراجع والبقاء بالمدينة.. فرفض (صلى الله عليه وسلم) التراجع في 
القرار الذي جاء ثمرة للمشورة: والذي كان قد وضع في التطبيق بالإستعداد 
للقتال والتحرك بالخروج للقاء المشركين.. ذلك هو سياق الآية.. وهذا هو 
معنى العزم. الذي يقول فيه البخاري: 

«لقد شاور النبي أصحابه يوم أحد في المقام والخروج فلما لبس لامته 
وعزم.. بعد المشاورة التي سبقت العزم والتبين.. قالوا له: أقم. فلم يمل 
إليهم بعد العزم: وقال: لا ينبغي لنبي لبس لامته فيضعها حتى يحكم الله».. 

لكن نفرا من علماء السوء؛-غفر الله لهم-قد ذهبوا يلوون عنق الحقيقة 
القرآنية. فجعلوا من الشورى «مسرحية عبثية» يقيمها الحكم الفرد إستكمالا 
«لشكل إسلامي» يخضع به قلوب العامة؛ ويستانس به قواهم: ثم يممضي 
فيما قرر لنفسه دون اعتبار لثمرة الشورى والمشيرين !... وذلك هو الفارق 
الجوهري والكيفي بين «منابع تراثنا» وبين «صورته التاريخية الشوهاع»!.. 
ثم.. إن هذه الشورىء التي جعلها القرآن «فريضة واجبة» كفلسفة للحكم 
وسياسة الرعية وتنظيم علاقات الحاكم بالمحكوم.. نراه قد جعلها فلسفة 
سياسة ذلك المجتمع المصغرء الذي يمثل اللبنة الأولى في بناء الآمة والرعية.. 
مجتمع «الأسرة»...فالشورى هي سبيل سياسة الأسرة؛ في شريعة الإسلام.. 
فالتراضي في الأسرة والوفاق لا بد أن يكون مؤسسا على التشاورء كما أن 


الإسلام وحقوق الانسان 


التشاور وليس على الإستسلام والإذعان... يقول الله سبحانه؛ في معرض 
التشريع لمشكلات الأسرة: والسبيل إلى التراضي بين الأطراف حولها: 
#والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة:؛ وعلى 
المولود له رزقهن وكسوتهن بالمعروف لا تكلف نفس إلا وسعهاء لا تضاروالدة 
بولدها ولا مولود له بيولده؛ وعلى الوارث مثل ذلكء فإن أرادا فصالا عن 
تراض منهما وتشاور فلا جناح عليهماء وإن أردتم أن تسترضعوا أولادكم فلا 
جناح عليكم إذا سلمتم ما آتيتم بالمعروف, واتقوا الله واعلموا أن الله بما 
تعملون بصير74”*) وإذا كان القرآن الكريم قد جعل للشورى هذا العموم 
في المجتمع المؤمن.. فهي فلسفة سياسة الأسرة الصغيرة.. وفلسفة سياسة 
الرعية والدولة.. فلا غرابة أن رأيناه قد جعل منها واحدة من الصفات 
عند الله خير وأبقى للذين آمنوا وعلى ريهم يتوكلون. والذين يجتنيبون 
كبائر الإثم والفواحش وإذا ما غضبوا هم يغفرون. والذين استجابوا لريهم 
وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون. والذين إذا 
أصابهم البغي هم ينتصرون74.. فهذه الآيات: وهي تعدد صفات المؤمنين 
تجعل من بين هذه الصفات أن يكون «أمرهم شورى بينهم»وليس حكرا 
لفرد أو فئة تستبد به وتنفرد من دون الناس !.. 

وإذا كان هذا هو صريح المعنى القرآني في المواطن التي ورد فيها 
ذا دلالة: نلتقى به فى كتاب الله يزكى هذا المعنى الذى ينحوا إليه القرآن 
الكريم.. معنى: وجوب أن تكون سياسة الآمة الإسلامية شورى. وحكمها 
شورى وكل أمرها شورى.. فالقرآن الكريم قد تحدث عن #أولى الأمرة في 
موطنين اثنين في سورة النساء.. طلب في أحدهما من الرعية طاعتهم: 
بعد طاعة الله. وطاعة الرسولجكة.. وشرع في الثاني لضرورة الرجوع 
وأيها هو مصدر الخوف5.. فقال فى الآية الأولى. مخاطبا الرعية: «أطيعوا 
الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم74”*).. وقال في الثانية؛ ناعيا على 
البعض سلوكهم غير الرشيد» عندما يسارعون في اللغط وتناول الأمور دون 


5“ 


ضرورة الشورى 


علم؛ بدلا من ردها إلى أهل الذكر من #أوتي الأمر» :وإذا جاءهم أمر من 
الأمن أو الخوف أذاعوا به ولوردوه إلى الرسول وإلى أولي الأمرمنهم لعلمه 
الذين يستنبطونه منهم, ولولا فضل الله عليكم ورحمته لاتبعتم الشيطان 
إلا قليلد»4!**) 

والملحظان اللذان نلفت إليهما الفكر والنظر في هاتين الآيتين الكريمتين 
هما: 

الأول: أن القرآن لم يتحدث عن «ولي الأمر» بصيغة المفرد؛ وإنما تحدث 
عن «أولي الأمر». بصيغة الجميع.. وفي ذلك تزكية للجماعية وللقيادة 
الشورية. وعدول عن سبيل التفرد والإنفراد بآمر المسلمين !.. 

والثاني:أن القرآن قد اشترط لطاعة #أولي الأمر4, ولاختصاصهم بما 
اختصهم به؛ أن يكونوا من الأمة.. بمعنى أن يكونوا موضع اختيارها ومصدرا 
لثقتهاء وأهلا لقيادة حياتها .. وفي هذه الدلالات القرآنية تأكيد على وجوب: 
اشتراك الرعية؛ بالشورى في اختيار #أولي الأمر» وإلا لما جاز وصفهم 
بأنهم من هذه الرعية.. فليس منا من هو مفروض علينا بالغلبة والقهر 
والإستبداد.. وتأكيد عل وجوب أن تكون سياسة الرعية. من قبل حكامها. 
بالشورىء لأن وجود مقاليد الأمور بيد الجماعة لا يستقيم بغير إعتماد 
الشورى سبيلا لإنضاج رأي هذه الجماعة-«أولي الأمر4-ووصولها إلى مرحلة 
القرار الصالح للتنفين !.. 

ذلك هو مكان «الشورى» الإسلامية؛ في القرآن الكريم: فريضة شرعية 
واجبة. شرعها الله سبحانه لتكون فلسفة السياسة الإسلامية؛ سواء أكان 
الأمرفي نطاق الأسرة, أو المجتمع أو الدولة التي تسوس الرعية بشريعة 
الإسلام.. فريضة شرعية واجبة؛ وليست مجرد «حق» من «حقوق الإنسان»!.. 

بلعلقد ذهب القرآن الكريم. في سبيل التزكية لهذا السبيل في الفكر 
والسياسة-سبيل الشورى-إلى أن ضرب لنا الآمثال على أن هذا السبيل 
قديم قد اهتدت إليه-إن بالفطرة السليمة أو باستلهام رسالات سماوية 
سابقة-أمم وشعوب قبلغت به الإرتقاء في أساليب التفكير وصنع القرار.. 
ففي مصر القديمة سلك#«الملأً من قوم فرعون*4 سبل التشاور والائتمار وهم 
يبحثون الموقف من موسىء؛ عليه السلام؛ ومن المعجزة التي أدهشهم بها #قال 
الملأ من قوم فرعون: إن هذا لساحر عليم. يريد أن يخرجكم من أرضكم 


الإسلام وحقوق الانسان 


فماذا تأمرون؟. قالوا أرجه وأخاه وأرسل في المدائن حاشرين؛ يأتوك يكل 
ساحر عليم2'"*0..4 ولقد واعدوا موسى على اللقاء في يوم عيدهم-يوم 
الزينة-ليتم التحدي على مشهد من الناس.. «فجمع السحرة لميقات يوم 
معلوم. وقل للناس هل أنتم مجتمعون. لعلنا نتبع السحرة إن كانوا هم 
الغالبين» 11) 

كذلك كان هذا هو نهج الحكم والسياسة والسبيل إلى صنع القرار في 
مملكة سباً كما حكي القرآن الكريم» على عهد ملكتها بلقيس.. #قالت يا 
أيها الملأ إني ألقى إلى كتاب كريم. إنه من سليمان وإنه بسم الله الرحمن 
الرحيم. ألا تعلو علي وأتوني مسلمين. قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري 
ما كنت قاطعة أمرا حتى تشهدون» .!12) 

هكذا تحدث القرآن الكريم عن «الشورى»... فهي فريضة شرعية واجبة 
لسياسة المجتمع والدولة... ولابد لها من الجماعة والجماعية؛ دون الفردية 
والإستبداد بصنع القرار... وهي إسلامية مقدار هذا المقام الجديد الذي 
وضعها فيه الإسلام: مقام الفريضة الواجبة؛ الذي فاق ويفوق مقام «الحق» 
الذي يجوز لصاحبه التنازل عنه... وإلا فإنها ميراث إنساني وتراث للإنسانية 
الراشدة منذ أن عرفت الإنسانية على الرشاد في السياسة والسلوك وصنع 


القرار. 
وفس السنة النبو يدة : 


ولقى كد للسنة الثبوية الشريقة ببق الشررح الكريم سفان«اتبيان 
والتفصيل والتجسيد»... «وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم 
ولعلهم يتفكرون4*"'"....«وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي 
اختلفوا فيه274.. فجاءت هذه السنة النبوية؛ في الشورى. بيانا وتفصيلا 
وتجسيدا لما حواه القرآن الكريم في هذا المجال... ونحن عندما نتأمل 
معنى الحديث الشريف الذي وصفت به عائشة: أم المؤمنين؛ رضي الله 
عنهاء رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقالت: «إن خلق نبي الله صلى 
الله عليه وسلم؛ كان القرآن»215*7... عندما نتأمل هذا الحديث؛ ندرك كيف 
كانت سياسة الرسول للدولة» وسياسته لبيته. وسلوكه بين أصحابه التزاما 
كاملا بهذه الفلسفة التي شرعها الله في القرآن الكريم.. 


56 


ضرورة الشورى 


فالرسولء صلى الله عليه وسلم؛ يعلم المسلمين. من خلال أحاديثه؛ أن 
الشورى «تكليف» و «فريضة» وليست مجرد «حق» «يجوز» الإلتزام بها أو 
التنازل عنهاء فيستخدم فعل الأمر و «لام» الأمرلا يجاب «المشورة» على من 
«استشي»«إذا استشار أحدكم أخاه فليشر عليه»2"*0... وهذه الاستشارة 
مسئولية تتطلب من هو أهل لها ولتبعاتهاء لأن «المستشار مؤتمن»79"... 
«ومن استشاره أخوه المسلم فأشار غلية بغين رشد شعن خانه ...80لا 

وهذا التشريع النبوي لم يكن خاصا بالمؤمنين دون النبي, ذلك أن عصمة 
النبي واختصاصه بالوحيء إنما كانا فيما يبلغ عن الله من أمر «الدين»...أما 
الكثير من شئون الدنيا فإنها كانت موضع شوراه مع المسلمين؛ بل كانت 
الشورى فريضة الإسلام. حتى على الرسولء لسياسة هذه الشئون.. . ومن 
ثم فلقد وجدنا السنة النبوية شاهدة على التزام الرسول؛ صلى الله عليه 
وسلم.؛ بالشورى والتشاور في سياسة الدولة» وفي سياسة بيته؛ وفي سلوكه 
البشري بين الناس.... حتى لقد روي عن أبي هريرة؛ رضي الله عنه؛ أنه 
قال: «ما رأيت أحدا أكثر مشورة لأصحايه من رسول الله. صلى الله عليه 
ع 

بل إن من الأحاديث النبوية أحاديث تقطع-فوق سلوك النبي طريق 
الشورى-قطع بالتزامه. صلى الله عليه وسلم: بمشورة الأغلبية ورأيهاء حتى 
لو كان رأيه هو في الأقلية. مادامت القضية من شئون الدنياء الخاضعة 
للشورىء. وخارجة عن نطاق التبليغ عن الله لما هو دين خالص... ونحن نجد 
هذا المبدأ صريحا في قول الرسول لأبي بكر الصديق وعمر بن الخطاب: 
الو الحتمهكها شو مشيرة ما خالفتكيها !60 (... وضي الحديث الذي يرويه 
الإمام علي (كرم الله وجهه) ابن أبي طالب عن الرسول؛ نجده. صلى الله 
عليه وسلمء يقطع بأنه لم يكن لينفرد-وهو رئيس الدولة وقائد الحكومة- 
بتعيين الأمراء والولاة: دون استشارة: وإنما كان يستشير في ذلك المؤمنين. 
فكانت القاعدة المستقرة هي أن الشورى هي السبيل لتعيين الأمراء والولاة 
في دولة الإسلام... يقول عليه السلام في هذا الحديث: «لو كنت مؤمرا 
أحدا دون مشورة المؤمنين لأمرت ابن أم عبد»27)-«عبد الله بن مسعود».. 
فثقة الرسول في جدارة عبد الله بن مسعود بالإمارة كاملة لكنه لا يؤمره 
دوق مكورة اللامنيع لأن الشورى هن شيل الإببلام ومين إلى تبوئ 


37 


الإسلام وحقوق الانسان 


مثل هذه المسؤوليات !.. 

وفي سياسة الرسول وقيادته لشئون الحرب ومعارك القتال-وهي مظنة 
التفرد بالرأي من رسول يأتيه نبا السماء-كانت شجاعته القتالية تجعله 
الحمى الذي يحتمي به أصحابه إذا حمى الوطيس واشتد القتال... لكننا 
نجد الشورى فريضة متبعة. ونهجا يلتزمه النبي. صلى الله عليه وسلم؛ في 
كل شئون الحرب والقتال.. . ففي اختيار موقع نزول الجيش بغزوة بدر: 
عدل الرسول عن رأيه؛ وأخذ برأي الصحابي الحباب بن المنذر بن عمرو بن 
الجموح.. 2" وضي قتال المشركين يوم بدرء ولقائهم خارج المدينة. سلك 
الرسول سبيل الشورىء لأن هذا اللقاء كان يتطلب تطوير التعاقد السياسي 
الذي تم بينه وبين الأنصار في بيعة العقبة... فلقد عاهدوه يومئذ على 
حمايته بمدينتهم؛ ولم يعاهدوه على الخروج للحرب فيما وراء المدينة, ولذلك- 
كما يروي أنس بن مالك-«لما سار رسول الله. صلى الله عليه وسلم؛ إلى بدر. 
خرج فاستشان الناس» فأشار غليه أبو بكر ثم استشارهم: كأشارزعلية 
عمرء فسكت,. فقال رجل من الأنصار:إنما يريدكم ١‏ فقالوا: يا رسول الله, 
والله لا نكون كما قالت بنو إسرائيل لموسى عليه السلام: إذهب أنت وربك 
فقاتلا إنا ههنا قاعدون. ولكن: والله لو ضربت أكباد الإبل حتى تبلغ برك 
الغماد”*" لكنا معك»!*" ! فبالشورى تم صنع قرار القتال؛ من حيث 
المبدأ ... وبالشورى تطور نطاق التعاقد الذي سبق إبرامه في بيعة العقبة 
بين الرسول وبين الأنصار !.. . 

وفي أسرى هذه الغزوة-غزوة بدر-«استشار رسول الله. صلى الله عليه 
وسلمء أبا بكر وعليا وعمر» في أسرى المشركين الذين بلغت عددهم سبعين 
أسيرا**).. وفي غزوة الأحزاب-الخندق-فاوض الرسول. صلى الله عليه 
وسلم؛ قادة «غطفان» و«نجد» في التخلي عن مساندتهم لقريش وانسحابهم 
من حصار المدينة لقاء ثلث ثمارها... وقبل إبرام المعاهدة: استشار زعماء 
الأنصار ممثلين في سعد بن عبادة وسعد بن معاذء فلما أشارا بغير ذلك, 
نزل على رأيهما ومزق مشروع المعاهدة 2*7 )... ويوم الحديبية: عندما خرج 
الرسول في أصحابه معتمرين: فجاءته أنباء استعداد قريش لصدهم عن 
البيت الحرام بالقكال:.. جمع الرسول أضعاية وقال لهم:«اشيروا 
علي.../*7 وهكذا كانت الشورى فريضة واجبة ونهجا التزمه الرسول 


ضرورة الشورى 


صلى الله عليه وسلم في شئون؛ الحرب وسياسة أمرها وقيادة الجيش في 
الغزوات وفى تعيين أمراء السرايا... 

وكما كان هذا هو موقف الرسول من الشورى في شئون الحرب والقتال... 
الذي رميت به أم المؤمنين عائشة «دعا رسول الله صلى الله عليه وسلم: 
علي بن أبي طالب وأسامة بن زيد حين استلبث الوحي #تأخر بنباً براءة 
عائشة» ليستشيرهما فى فراق أهله..28*8) ! وكان هذا السلوك النبوى 
المستشير عاما في التشريع للأسرة المسلمة وفي سياسة شئونها... فهو 
يطلب أن يكون زواج النساء ثمرة لمشاورتهن: ويقول «أشيروا على النساء في 
أنفسين !"27 رولقل قدت الشورى سنة مضيقة فى نياسة 'الأسرة فقرانا 
في كتب السنة حديث أسماء بنت عميسء قالت: «أول ما أشتكي رسول الله 
؛ صلى الله عليه وسلم-»مرض الموت «-في بيت ميمونة-» إحدى زوجاته «- 
فاشتد عليه مرضه حتى أغمى عليه. فتشاور نساؤه. فى 
60 «قخلدوه 3000 ان 03 

وإذا كانت عقاتد الدين وأحكام شريعته وشعائر عباداته هي وحي يبلغه 
الرسول عن ربه ويبينها للأمة؛ التي تستجيب وتطيع مسلمة الوجه في كل 
البشر ورأي الناس... إذا كان ذلك أمرا مستقرا في فكر الإسلام والمسلمين... 
فإن رسول الله. صلى الله عليه وسلم» قد جعل بعضا من«سيل» هذه الأمور 
الدينية الخالصة موضوعا لشورى المسلمين... فالصلاة: دين خالصء وليست 
بموضوع للشورى... لكن سبيل تنبيه المسلمين إلى أوقات الصلاة ومواقيتها 
وتحريك همتهم للصلاة4-فذكروا البوق؛ فكرهه من أجل اليهود . ثم ذكروا 
الناقوسء فكرهه من أجل النصارى. فأرى النداء تلك الليلة رجل من الأنصار 
يقال له عبد الله بن زيد؛ وعمر بن الخطاب. فطرق الأنصاري رسول الله 
ليلاء فأمر رسول الله بلالا به. فأذن...»20)... فكان سبيل الإعلام بمواقيت 
الصلاة موضوعا للشورى بين المسلمين. 

ولقد كان التزام الرسول بمشاورة أصحابه-إلى الحد الذي جعل أبا 


56 


الإسلام وحقوق الانسان 


هريرة يقول: «ما رأيت أحدا قط أكثر مشورة لأصحابه من رسول اللهوة- 
كان هذا السلوك منارة تشع على صحابته فكرا يعلمهم هذا السلوك ويدعوهم 
إلى هذا الخلق صباح مساء.. . كذلك كانت أوامره. صلى الله عليه وسلم, 
صريحة في وجوب سلوك هذا السبيل.. ففي «غزوة مؤتة» كانت عدة جيش 
المسلمين ثلاثة آلاف. وكان أمير الجيش زيد بن حارثة... وأوصاهم الرسول 
«إن أصيب زيدء فأميركم جعفر بن أبي طالبء فإن أصيب فأميركم عبد 
الله بن رواحة الأنصاري» فإن أصيبء كان عليهم أن يختاروا بالشورى لهم 
أميرا جديدا. ولقد سلك جيش مؤتة هذا السبيلء فاختارواء بالشورى, 
خالد بن الوليد أميرا عليهم؛ بعد استشهاد الأمراء الثلاثة. فقادهم إلى 
النصر في أولى معارك الإسلام مع الروم البيزنطيين.../*03) 

كذلك علم الرسولء صلى الله عليه وسلم, أمته أن الشورى هي السبيل 
إلى الصلاح والإصلاح.. . فقال: «إن كان أمراؤكم خياركم: وأغنياؤكم 
سمحاءكم: وأموركم شورى بينكم فظهر الأرض خير لكم من بطنهاء وإذا 
كان أمراؤكم شراركم: وأغنياؤكم بخلاء كم؛ وأموركم إلى نسائكم فبطن 
الأرض خير لكم من ظهرهاء!”**).. وضي حديث آخر يقطع؛ صلى الله عليه 
وسلم: يأن الشورى هي سبيل السعادة, ويان الإستبداد بالرآاي والتقرة 
بالقرار هو طريق الشقاء فيقول: «ما شقي قط عبد بمشورة؛ وما سعد 
باستغناء رأي*05, ١‏ 

هكذا كانت شورى الرسولء صلى الله عليه وسلم؛ سنة متبعة, ونهجا 
الثزامة في سياسنة الدولة«سلما:وحرياء وق سياسنة النامن» أسدرة:وامة ... 
مجاح سلركه وحاءت تطبيقاتة وكانت ستلتهوريانا وفتصبيلا وتحسيدا لاجاء 
عن الشورى في القرآن الكريم. 


وفى د ولة الخلافة الراهدة: 

وهذه الشورى الإسلامية» التي استقرت في القرآن الكريم وفي السنة 
الفبوية الشريدة اسحة للحكم وسبزالا لسياسة الرعية ويكلها للسلركه لم 
تامييوبا لقال ردول تسيل الله كالياه وساتم إلى جغزا ل ويام عل الف 
استمرت في دولة الخلافة الراشدة وازداد نموها بازدياد الحاجة إليها... 
فقيادة الرسول للذولة وإن لم حكن لهممعلة فى شبريت ارقي الدقوية 


420 


ضرورة الشورى 


إلا أن الوحي الإلهي كان يصحح الخطأً ويعاتب على اختيار ما ليس بأفضل 
ولا أولى.. . أما بعد قيام دولة الخلافة وسلطتها المدنية الخالصة:؛ فإن 
الحاجة إلى الشورى لضمان الإقتراب قدر الإمكان من الحق والصواب-قد 
زادت ضروراتها واشتد إلحاحها.. . فرأينا الشورى الفلسفة المتبعة والنهج 
الذي التزمته هذه الدولة في مختلف ميادين الحكم وسياسة الناس وصنع 
القوازيب: 

فلقد تأسست هذه الدولة بالشورى؛ التي كانت سبيل الإختيار والبيعة 
لآأبي بكر خليفة أول على المسلمين: بعد وفاة الرسول عليه السلام.. 

وكانت الشورى سبيل اجتماع الكلمة على القرار العبقري الذي اتخذه 
الخليفة الأول بمحاربة الذين ارتدوا عن «التوحيد الديني» والذين ارتدوا 
عن «وحدة الدولة» باعتبارهما وجهي عملة واحدة. هي «عملة التوحيد 
الإسلامي» في الدين والدولة. 

ولقد سن أبو بكر الصديق سنة استشارة الناس في التشريع وفي القضاء 
لمواجهة الأمور المستحدثة التي ليس لها في القرآن ولا في السنة أحكام.. 
«فعن ميمون بن مهران قال: كان أبو بكر إذا ورد عليه الخصم. نظر في 
كتاب الله. فإن وجد فيه ما يقضي بينهم قضىء وإن لم يكن في الكتاب 
وعلم من رسول الله؛ صلى الله عليه وسلم؛ في ذلك الأمر سنة قضى به فإن 
أعياه خرج فسأل المسلمين: وقال: أتاني كذا وكذاء فهل علمتم أن رسول 
الله صلى الله عليه وسلم؛ قضى في ذلك بقضاء #فريما اجتمع إليه النفر 
كلهم يذكر من رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ فيه قضاءء فيقول أبو بكر: 
الحمد لله الذي جل فينا من يحفظ على نبينا . فإن أعياه أن يجد فيه سنة 
من رسول الله. صلى الله عليه وسلمء؛ جمع رؤوس الناس وخيارهم 
فاستشارهم: فإذا اجتمع رأيهم على أمر قضى به!04) 

وكذلك استمرت سنة الشورى في عهد عمر بن الخطاب.. . 

فهو قد استشار الناس في تطوير جهاز الدولة على النحو الذي يلاثم 
اتساعها بعد فتح ما فتح الله عليهم من البلاد .. .. فدونت الدواوين؛ وأصبح 
للدولة جيش نظامي... .672 

وهو يحدث تلك التغييرات الجذرية والعميقة الآثر في الأوضاع 
الإقتصادية للدولة؛ بجعل الأرض الزراعية في البلاد المفتوحة ملكا للأمة 


اله 


الإسلام وحقوق الانسان 


جمعاء. الحاضر من أجيالها والقادم؛ ورفض توزيعها على الجند الفاتحين.. 
ويجعل ما كان للرسول. صلى الله عليه وسلمء ولذوي قرابته من سهام 
الغناتم خاصا لبيت مال المسلمين؛ ويرفض تخصيصه للخليفة وذوي قرباه.. 
. يصنع ذلك التحول الهائل بالشورى التي اتخذت أشكالا وسبلا عديدة 
منها التتحكيو ةا 

وإذا كانت «حدود» الشريعة وأحكامها دينا خالصاء لا شورى فيها.. . 
فإن «سبل» إقامة هذه الحدود؛ ومقاديرها- ا حيانا-قد كانت موضوعا للشورى 
على عهد الراشد الفاروق.. . فعن أنس بن مالك قال: «كان رسول الله؛ 
صلى الله عليه وسلم؛ يعزر في الخمر بالنعال والجريد. ثم ضرب أبو بكر 
أربعين. فلما كان زمن عمرء ودنا الناس من الريف والقرى استشار في ذلك 
الناس؛ وفشا ذلك في الناس؛ فقال عبد الرحمن بن عوف: أرى أن تجعله 
كأخف الحدود؛. فضرب عمر ثمانين»/*”” وفي رواية ثور بن زيد الديلي: 
«إن غمر بن الخطاب استشار في الخمر يشريها الرجل. شقال له علي بن 
أبي طالب: نرى أن تجلده ثمانين؛ فإنه إذا شرب سكرء وإذا سكر هذىء وإذا 
هذى افترى.. . فجلد عمر في الخمر ثمانين»!*40) 

وفي «الفراكض» «المواريث» حيثما لم يكن نص قطعي الدلالة والثبوت- 
رأينا الشورى السبيل لصباغة حكم الإسلام... غفي ميراث الجد ... وجدنا 
أبا بكر قد :وجل الجد آبا)"'*) من حيث نصيبة فى الميراث... قلما جاء 
عمر اجتهد في ذلك اجتهاده «فكان يقاسم بالجد 2 الأخ والأخوين: فإذا 
زادوا أعطاه الثلث. وكان يعطيه مع الولد السدس..*2 فلما اقترب من 
الموت و«دطعن استشارهم في الجد, فقال: إني كنت رأيت في الجد رأياء فإن 
رأيتم أن تتبعوه فاتبعوه. فقال له عثمان: إن نتبع رأيك فإنه رشدء وإن نتبع 
رأي الشيخ-«أبي بكر»-ظلنعم ذو الرأي كان.. ., 428) 

وكذلك كان شأن عمر في القضاء إذا لم يكن يعلم أن هناك تشريعا في 
القرآن أو سنة الرسولء عليه الصلاة والسلام... «فعن المغيرة بن شعبة عن 
عمر أنه استشارهم في أملاص 7" المرأة... فقال له المغيرة: قضى فيه 
رسول الله صلى الله عليه وسلم بالغرة. *) فقال له عمر: إن كنت صادقا 
فائت بأحد يعلم ذلك. فشهد محمد بن مسلمة أن رسول الله. صلى الله 
عليه وسلم قضى به...*6) سلك سبيل الشورىء أيضاء في القضاء بين 


412 


ضرورة الشورى 


«رجلين استبا... فقال أحدهما للآخر: والله ما أبي بزان؛ ولا أمي بزانية 
فاستشار في ذلك عمر بن الخطاب .فقال قائل: مدح أباه وأمه. وقال آخرون: 
قد كان لأبيه وأمه مدح غير هذاء نرى أن تجلده الحد. فجلده عمر الحد, 
ثمانين..,0*”/) فهو هنا قد استشار في الحكم «القضاء».. . وأخذ برأي 
الجمع دون الفرد وبالأغلبية دون الأقلية. 

وضي شؤون الصحة والمرض.. بل وتحديد حدود ومعاني «القضاء والقدر» 
كانت الشورى هي سبيل المسلمين لصياغة الفكر وصنع القرار !«فعن عبد 
الله بن عباس أن عمر بن الخطاب خرج إلى الشام حتى إذا كان بسرع (48) 
لقيه أمراء الأجناد. أبو عبيدة بن الجراح وأصحابه؛ فأخبروه أن الوباء قد 
وقع بأرض الشام. فقال عمر: أدع لي المهاجر ين الأولين؛ فدعاهم 
فاستشارهم: وأخبرهم أن الوباء قد وقع بالشامء فاختلفوا. فقال بعضهم: 
قد خرجت لأمرء ولا نرى أن ترجع عنه. وقال بعضهم: معك بقية الناس 
وأصحاب رسول الله. صلى الله عليه وسلمء ولا نرى أن تقدمهم على هذا 
الوباء. فقال عمر: ارتفعوا عني «أي انفضوا» ثم قال: أدع لي الأنصار.. . 
فاستشارهم: فسلكوا سبيل المهاجرين: واختلفوا كاختلافهم. فقال: ارتفعوا 
عني. ثم قال: أدع لي من كان ها هنا من مشيخة قريش من مهاجرة 
الفتح... فلم يختلف منهم عليه رجلان: فقالوا: ثرى أن ترجع بالناس ولا 
تقدمهم على هذا الوباء. فنادى عمر في الناس: إني مصبح على ظهر 
فأصبحوا عليه. فقال أبو عبيدة بن الجراح: أفرار من قدر الله 5 فقال 
عمر: لو غيرك قالها يا أبا عبيدة ! نعم؛ نفر من قدر الله إلى قدر الله!... 
أرأيت لو كانت لك إبل هبطت واديا له عدوتان: إحداهما خصبة؛ والأخرى 
جدبة؛ أليس إن رعيت الخصبة رعيتها بقدر الله» وإن رعيت الجدبة رعيتها 
بقدر الله 5 !..!”*) فمهاجرة الفتح باجتماعهم على الرجوع رجحوا كفة 
الذين رأوا ذلك من المهاجرين والأنصارء فصاروا أغلبية.. 

كذلك كان الحال في شئون معارك الفتح في ذلك التاريخ.. وعياض 
الأشعري يروي فيقول: «شهدت اليرموكء؛ وعلينا خمسة أمراء... فأصبنا 
أموالاء فتشاوروا» في كيفية التصرف في هذه الأموال!”**6 !.. 

بل إننا واجدون في مأثورات عصر الخلافة الراشدة: زمن الفاروق عمر 
بن الخطاب» سياقات فكرية جددت ما سبق للسنة النبوية أن حسمته 


4253 


الإسلام وحقوق الانسان 


وأوضحته؛ عندما حصرت سبيل الإمارة في طريق الشورى وحده.. . فلقد 
قال عمر بن الخطاب: «من بايع أميرا عن غير مشورة المسلمين فلا بيعة له 
ولا بيعة للذي بايعه...0؟ !... غلا مشروعية لبيعة ولا لمبايعة إلا إذا تمت 
عن طريق «شورى المسلمين»!.. 

ولم يقف عمر بهذا المبدأ وهذا القانون عند الإمارات الفرعية على 
الولايات والأقاليم: وإنما نبه على أن الخلافة العامة وإمارة المؤمنين محصورة 
هي الأخرى في هذا الإطار وذلك السبيل!... غفي أواخر عهده. خطب 
فقال: «إن قوما يأمرونني أن أسخط. وإن الله لم يكن ليضيع دينه ولا 
خلافته. والذي بعث به نبيهيكِة. فإن عجل بي أمر فالخلافة شورى في 
مؤلاة السعق 197 يقية المهاجرين الأولين. هلما انتقل الفاروق إلى خوار 
ربه وضع المسلمون هذا القانون في التطبيق... «فاجتمع الرهط الذين 
ولاهم عمرء فتشاوروا»... وقبل عبد الرحمن بن عوف أن يتنازل عن سعيه 
للخلافة؛ على أن ينهض بإدارة «عملية الشورى», فلم يترك أحدا من الناس 
إلا استشاره...إستشار كل من بالمدينة. من وجوه الناس وعامتهم: مهاجرين 
كانوا أم أنصارا.. وأرسل إلى أمراء الأجناد. من أهل الولايات والأقاليم. 
وكانوا قد حضروا للحج مع عمر بن الخطاب في تلك السنة؛ فاستشارهم 
وأفضت هذه العملية إلى اختيار عثمان بن عفان للخلافة«قبايعه الناس: 
المهاحرون: والأنصان وأمراء الأجنادء والمسلموة. .30 

تلك هي الشورى الإسلامية... 

الأمة فيها وبها هي مصدر السلطات وصاحبة السلطان في سياسة 
الدولة وتنظيم المجتمع وتنمية العمران. 

وهذه الأمة تختار ممثليها العارفين «بالواقع» و ب «الشريعة» معا.. وهم 
أهل الإختيارء الذين يختارون رأس الدولة الإسلامية.. وكذلك أهل الحل 
والعقد. الذين يحفظون اتساق «الواقع» مع «الشريعة» و يطورون«التشريع» 
ليلائم الواقع ا لجديد. 

وهذه الأمة.من وراء ممثليهاء عليها وعليهم فريضة مراقبة حكومتها ... 
ومحاسبتها..والأخن على يديها.. ولها-بل عليها-فريضة تغيير هذه الحكومة 
إن هي فسقت أو جارت أو ضعفت عن النهوض بما فوضت إليها الآمة من 
مهام (تصتع ذلك بالسلم إن امكن... وبالثورة إن لم يكن بد من ذللف 1.. 


441 


ضرورة الشورى 


أما حدود الشريعة والأطر التي حددها الدين ورسمهاء فإنها لا تمثل 
انتقاصا من حق الأمة فى أن تكونء: فى شئون دنياها. مصدرا للسلطة 
والسلطان.. لأن هذه التحدود والأظ زهي الثواببك الكافلة لتحقيق مصالح 
مجموع الأمة وأفرادها.. ومن ثم فإن حرية الأمة-بواسطة ممثليها-في 
التشريع عندما تقف عند الحدود التي لا يجوز تجاوزها. وهي إبقاء الحرام 
حراما والحلال حلالا. فليس فى ذلك انتقاص من حرية الأمة؛ وإنما هو 
التزام بالأطر الدينية اللإعققة الصنادة الأمة كما رآها الشارع سبحانه وتعالى.. 

وهكذا.. جعل الإسلام. ويجعل. من الشورى فلسفة الحكم الإسلامي. 
ومنهج سياسة الرعية. وطريق السلوك السوي للفرد والأسرة والمجتمع... 
فريضة إلهية وضرورة شرعية... وليست مجرد «حق» من «حقوق 
الإنسان»..إنها «ديمقراطية» الإسلام والمسلمين... جعلها الله فلسفة الحكم 
في الإسلام.. وترك للآمة كامل الحق وكل الحرية في إبداع «النظم 
والتنظيمات والسبل.. . والوسائل» إلى تقترب بغايات الشورى ومقاصدها 
من الفعل والعطاء عندما توضع في الممارسة والتطبيق !. 


425 


الحجواشي 


(*1) هذه الآراء-التي جاءت ثمرة لواقع تاريخي استثنائي-منسوبة إلى أئمة وفقهاء مثل أحمد بن 
حنبلء وابن تيمية والغزالي؛ وابن جماعة.أنظر كتابنا [الإسلام والثورة] ص 234- 238 طبعة بيروت 
سنة 1980 م. 

(*2) أنظر طيعة دار المعارف. مادة «شور». 

(*3) آل عمران: 159. 

(4) القرطبي [الجامع لأحكام القرآن] ج 4 ص 249.طبعة دار الكتب المصرية. 

(*5) رواه إبن ماجة. 

(*6) البقرة:233 . 

(*7) الشورى: 36- 39, (*8) النساء:59. 

(*9)النساء: 83. 

١12 -١١ (*10)الأعراف:.‎ 

40 -38 الشعراء:‎ )١١*( 

(*12) النمل: 29- 32. 

(*13) النحل :44 

(*14) النحل:64 

(*15) رواه مسلم. 

(*16) رواه ابن ماجة. 

(*17) رواه أبو داود والترمذي وابن ماجة والدارمي وابن حنيل. 

(*18) رواه البخاري ومسلم وابن حنبل. 

(*19) رواه والترمذي 

(*20) رواه ابن حنيل. 

(*21) رواه الترمذي وابن ماجة وابن حنبل. 

(*22) ابن عبد البرأ الدرر في اختصار المفازي والسير! ص ١١3‏ طبعة القاهرة سنة 966ام. 
(*23) برك الغماد: موضع باليمن... وقيل: مكان وراء مكة بمسافة مسير خمس ليال بمقاييس 
ذلك العصر. وضبط «برك» بكسر الراء وسكون الراء. أنظر [لسان العرب]لابن منظور. و [مراصد 
الإطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع]-مختصر معجم البلدان-لياقوت الحموي-لصفي الدين عبد 
المؤمن البغدادي. طبعة القاهرة سنة 1954 م. 

(*24) رواه ابن حنيل. 

(*25) رواه ابن حنيل. 

(*26) [الدرر في اختصار المغازي والسير] ص 184 

(*27) رواه البخاري ومسلم والترمذي وابن حنبل. 

(*28) رواه البخاري ومسلم وابن حنبل. 


410 


ضرورة الشورى 


(*29) رواه ابن حنبل!. 

(*30) اللد :هو صب دواء اللدود في إحدى شقي الفم ليمر على اللديدين: صفحتا العنق تحت 
الأذنين. 

(*031) رواه اين حنيل. 

(*32) رواه ابن ماجة. 

(*33) رفاعة الطهطاوي [الأعمال الكاملة] ج 4 ص 33. دراسة وتحقيق: د . محمد عمارة. طبعة 
بيروت سنة 977ام. 

(*34) رواه الترمذي. 

(*35) القرطبي[الجامع لإحكام القرآن] 4 ص ١25.طيعة‏ دار الكتب المصرية. 

(*36) رواه الدارمي. 

(*37) إبن سعد [الطبقات الكبرى] ج 2 ق ا ص 216.22 طبعة دار التحرير. القاهرة. 

(*38) أبو يوسف [الخراج] ص ,2١‏ 23- 27, 35 طبعة القاهرة سنة 1352 ه وأبو عبيد القاسم بن 
سلام [الأموال] ص 57. 58 طبعة القاهرة سنة 353اه. 

(*239) رواه النسائي ومسلم والترمذي والدارمي وابن حنيل. 

(*40) رواه مالك فى الموطأً. 

(*41) رواه الدارمي. (*42) رواه الدارمي. 

(*43) رواه الدارمى. (*44) سقط الحمل. 

(*45) الطلعة. 

(*46) رواه البخاري ومسلم وابن ماجة وابن حنبل. 

(*47) رواه مالك فى الموطأً. 

(*48) مكان هو أول الحجاز وآخر الشام, بين المفيثة وتبوك-ويضبط بفتح السين وسكون الراء- 
أنظر [مراصد الإطلاع على أسماء الأمكنة والبقاع]. 

(*49) رواه البخاري. 

(*50) رواه ايبن حنيل. 

)5١*(‏ رواه البخاري وابن حثيل. 

(*52) رواه مسلم وابن حنيل. 

(*53) رواه البخاري. 


417 


ضرورة العدل 


في الإسلام نجد «قيمة» العدل عالية متألقة, 
تتصدر كل «القيم» الثوابت التي يدعو إليها الدين.. 
فهو المقصد الأول للشريعة؛ وكل السبل التي تكفل 
تحقيقه هي سبل إسلامية شرعية: حتى لولم ينص 
عليها الوحي أو ترد في المأثورات. بل إننا واجدون 
«العدل» اسما من أسماء الله الحسنىء: وصفة من 
صفاته سبحانه وتعالى.. وكفى بذلك دليلا على 
المكان الأرفع للعدل في فكر الإسلام. والعدل؛ في 
العرف الإسلامي. ضد «الجور والظلم» وهو يعني 
جماع مزاج الإسلام وخاصية حضارته؛ أي الوسطية 
والتوازن» المدرك بالبصيرة؛ والذي يحقق إنصاف 
بإعطاء كل إنسان ما له وأخذ ما عليه منه.. ومن 
هنا كان حديث الرسولء صلى الله عليه وسلم, الذي 
عرف به الوسطية بالعدل؛ والعدل بالوسطية؛ عندما 
قال: «الوسطية: العدل: جعلناكم أمة وسطاء.!*' 

وإذا كان «العدل» هو «الحق».. فإن مجاورة 
«الحق» هي الظلم والجور.. وإذا وقع هذا الظلم 
فى علاقة الإنسان بعقيدة الألوهية كان كفرا أو 
شركا أو ثفاقا «إن الشرك لظلم عظيه604., وإذا 
وقع هذا التجاوز في علاقة الإنسان بأخيه الإنسان 
سمي ظلما..«إنما السبيل على الذين يظلمون 


49 


الإسلام وحقوق الانسان 


الناس4*).. وكذلك تكون تسميتة عندما يكون التجاوز للحق واقعا فخ 
الإنسان في حق نفسه وذاته..«إفمنهم ظالم لنفسه»9” .. وإذا كان «الظلم» 
مفسدا لشئون الدين والدنياء فإنه «ظلما ت يوم القيامة»7**) كما قال الرسول, 
عليه الصلاة والسلام.. 

والعدل» فى شرعة الإسلام: فريضة واجية وليس مجرد «حق» من 
الحقوق التى باستطاعة صاحبها التنازل عنها إذا هو أرادء أو التفريط فيها 
دون وذزر وتأثيم!. إنه فريضة واجية. فرضها الله. سيحانه وتعالى. على 
الكافة دون استثناء.. فرضها على رسوله. صلى الله عليه وسلم. وأمره 
بها.. #فلذلك فادع واستقم كما أمرت» ولا تتبع أهواءهم» وقل آمنت يما 
أنزل الله من كتاب» وأمرت لأعدل بينكم» الله ربنا وربكم؛ لنا أعمائلنا ولكم 
أعمالكم: لا حجة بيننا وبينكم؛ الله يجمع بيننا وإليه المصير». *6) 

وهو فريضة واجبة على أولياء الأمورء من الولاة والحكام؛ تجاه الرعية 
والمتحاكمين..#إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين 
الناس أن تحكموا بالعدلء؛ إن الله نعما يعظكم به إن الله كان سميعا 
بصيرا..4”" بل لقد أنجانا الله سبحانه وتعالى؛ أن هذه «الأمانة»التى 
فرض على الإنسان حملها وأداءهاء كانت هي المعيار الذي تميز به الإنسان 
وامتاز على غيره من المخلوقات..#إنا عرضنا الأمانة على السموات والأرض 
والجبال فأبين أن يحملنها وأشفقن منها وحملها الإنسان إنه كان ظلوما 
جهولا4”.. ومن المفسرين من قالوا إنها أمانات الأموال والعدل بين الناس 
يهار 62 
الله صلى الله عليه و سلمء عندما يدعو الأباء إلى العدل بين أبنائهم.. 
«اعدلوا بين أبناتكم»*"2.. وعندما ينهى الولاة عن غش الرعية.. «ما من 
عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله 
غلية الجدق 19" ,يوغتدما يحدث الولاة عن تكافوٌ «العقد» بينهم وبين رعيتهم,» 
ويحذرهم من التفريط بما عليهم تجاه الرعية. فيتحدث إلى الرعية عن 
علاقتهم بالأئمة فيقول: «إن لهم «الأثمة» عليكم حقاء ولكم عليهم حقا مثل 
ذلكء. ما إن ارحموا فرحمواء وإن عاهدوا وفوا. وإن حكموا عدلوا. فمن لم 
يفعل ذلك منهم فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين)2*9). وعندما 


ضرورة العدل 


يتحدث عن وجوب شمول العدل لكل الميادين.. عدل الولاة في الرعية.. 
وعدل القضاة في الأحكام.. وعدل الإنسان في أهل بيته-الفرد» والأسرة, 
والمجتمع-فيقول صلى الله عليه وسلم «المقسطون عند الله يوم القيامة على 
منابر من نور عن يمين الرحمنء؛ عزل وجلء وكلتا يديه يمين» الذين يعدلون 
في حكمهم وأهليهم وما ولوا»...(*13) 

كذلك يستوي. في وجوب العدلء أن يكون تجاه الغير أو حيال النفسي.. 
وهذا ما يزيد المعنى الذي نلح عليه تأكيدا .. فلو كان العدل مجرد «حق» 
لجاز للإنسان أن يتنازل عن نصيبه منه. ولكان ظلمه لنفسه مما لا يدخل 
في دائرة الإثم والتجريم.. لكن الإسلام: الذي جعل العدل «فريضة إنسانية- 
واجبة».قد جعل ظلم الإنسان لنفسه جريمة كبرى وظلما عظيما... إن 
الذين توفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم قالوا: فيم كنتم ؟ قالوا: كنا 
مستضعفين في الأرضء قالوا: ألم تكن أرض الله واسعة فتهاجروا فيها ؟! 
فأولتك مأواهم جهنم وساءت مصيرا. إلا المستضعفين من الرجال والنساء 
والولدان لا يستطيعون حيلة ولا يهتدون سبيلا. فأولئك عسى الله أن 
يعفو عنهم؛ وكان الله عفوا غفورا ...2" بل إن القرآن الكريم يعلن الرفض 
لمنطق أولئك الذين ظنوا أن ظلمهم لأنفسهم-دون غيرهم-لا يدخل في «كل 
السوء».. فيذكر. صراحة؛ أن مصير هؤلاء الظالمي أنفسهم إلى النار 
0 لدين تتوفاهم الملائكة ظالمي أنفسهم فأ لقَوا السلم ما كنا نعمل من 
سؤ بلى إن الله عليم بما كنتم تعملون. فادخلوا أبواب جهنم خالدين فيها 
فلبأس مثوى المتكبرين» !158) 

بل إن وجوب فريضة العدل الإسلامية على الكافة. وعمومها وشمولهاء 
يتعدى بها نطاق «الأولياء» فنجدها واجبة العموم. بصرف النظر عن العقائد 
والشرائع الدينية التي يتدين بها من لهم الحق فيهاء الأمر الذي يجعلها 
فريضة إنسانية وضرورة بشرية؛ تجب على الإنسان للانسان. من حيث هو 
إنسان!.. فهي فريضة واجبة سواء أكان الأمر تجاه المؤمنين أو الكفارء تجاه 
الأصدقاء أو الأعداء..««يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين لله شهداء 
بالقسطء ولا يجرمنكم شنئان قوم على ألا تعد لواء اعدلوا هو أقرب للتقوى» 
واتقوا الله إن الله خبير بما تعملون»../*4') كذلك, نجدها واجبة حتى لو 
صادمت «الميل والهوى». بسبب تناقضها مع المصلحة الذاتية أو مصلحة من 


الإسلام وحقوق الانسان 


يميل إليه الإنسان.. يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله 
ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربيين؛ إن يكن غنيا أو فقيرا فالله أولى 
بهما فلا تتبعوا الهوى أن تعدلواء وإن تلووا أو تعرضوا فإن الله كان بما 
تعملون خبير ه070 

ونحن عندما نتأمل الوصايا العشر التي أوصى الله بها الإنسان؛ في 
القرآن الكريم؛ نبصر ميزان العدل-كضرورة وفريضة إنسانية-معيارا للحل 
والحرمة في هذه الوصايا.. يقول الله سبحانه وتعالى: «إقل تعالوا اتل ما 
حرم ريكم عليكم: 

ألا تشركوا به شيا 

وبالوالدين إحسانا 

ولا تقتلوا أولادكم من إملاق؛ نحن نرزقكم وإياهم 

ولا تقريوا الفواحش ما ظهر منها وما بطن 

ولا تقتلوا النفس التي حرم الله إلا بالحقء ذلكم وصاكم به لعلكم 
تعقلون. 

ولا تقريوا مال اليتيم إلا بالتي هي أحسن حتى يبلغ أشده 

وأوفوا الكيل والميزان بالقسطء لا نكلف نفسا إلا وسعها 

وإذا قلتم فاع دلوا ولو كان ذا قريبى 

وبعهد الله أوفواء ذلكم وصاكم به لعلكم تذكرون. 

وأن هذا صراطي مستقيما فاتبعوه؛ ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن 
سبيله؛ ذلكم وصاكم به لعلكم تتقون» ...!/*1) 

وإذا كان هذا هو شأن «فريضة العدل» في الإسلام.. فلقد كان طبيعيا 
أن نرى موقفه الواضح ضد الظلم متسماء هو الآخر بالشمول. . فالعدل 
واجب على الكافة تجاه الكافة.. ومن ثم كان الظلم حراما على الجميع إزاء 
الجميع.. وإذا كان الله سبحانه هو «العدل» المطلق. فلقد شاء سبحانه أن 
يعلمنا أن فعله لما يريدء وكونه لا يسأل عما يفعل لا يعني جواز الظلم في 
حقه. حتى ولو كان قاضيا في ملكه. كمالك مطلق ووحيد .. ووجدناهء سبحانه. 
يذهب إلى تعليمنا كراهية الظلم بأن يخبرنا أنه قد حرمه على نفسه. 
وعلينا التشبه والتأسي والإقتداء؛ فيقول: في الحديث القدس: «إني حرمت 
على نفس الظلم وعلى عباديء ألا فلا تظالموا.. .».. 7" ويشيع هذا المعنى 


ضرورة العدل 


في القرآن الكريم...«وما الله يريد ظلما للعباد20*/..4)«ا... وما الله يريد 
ظلما للعالمين» 2*7 8ا.. وأن الله ليس بظلام للعبيد2274...لا.. إن ائله لا 
يظلم الناس شيئا ولكن الناس أنفسهم يظلمون7**74 «إن الله لا يظلم 
مثقال ذرة..2*94 «.. ولا يظلم ربك أحداي!*25) 

وبعد أن ضرب الله لنا المثل على بشاعة الظلم عندما أخبرنا أنه قد 
حرمه على نفسه؛ وأحال وقوع مثقال ذرة من الظلم من قبله سبحانه؛ نهانا 
عنه؛ وحذرنا من اقترافه. فرسول الله. صلى الله عليه وسلم؛ يقول: «المسلم 
أخو المسام: لا يظلمه ولا يسلمه..» 69 .. وعندما مر الرسولء مع صحابته: 
بمساكن الذين هلكواء لأنهم اقترفوا الظلم: نبه أصحابهلمزيد تحذيرهم 
من الظلم-كيلا يدخلون مسكن هؤلاء الظالمين البائدين !..«لا تدخلوا مسكن 
الذين ظلمواء إلا أن تكونوا باكين: أن يصيبكم ما أصابهم» *27..أما القرآن 
الكريم فإنه يعلمنا أن عقاب الظالم على ظلمه يهون بجانبه كل شيء في 
الأرض..ث# ولوأن لكل نفس ظلمت ما في الأرض لافتدت به وأسروا الندامة 
لما رأوا العذاب؛ وقضى بينهم بالقسط وهم لا يظلمون78*14...لا.. ولو أن 
للذين ظلموا ما في الأرض جميعا ومثله معه لافتدوا به من سوء العذاب 
يوم القيامة؛ وبدا لهم من الله ما لم يكونوا يحتسبون2”4.. ذلك أن الله 
قد كتب الهلاك على الظالمين...«ولقد أهلكنا القرون من قبلكم لما 
ظلمو...0*94.. وحكم بصيرورتهم إلى عذاب النار..ا.. ومن يظلم منكم 
نذقه عذابا كبيرا14©.. وفي الحديث الشريف: «من اقتطع أرضا ظاما 
لقي الله. عز وجل يوم القيامة وهو عليه غضبان» **).. و«من أعان قومه 
على ظلم فهو كالبعير المتردي ينزع بذنبه»7*”.. !.. إلى آخر صور التحذير 
والتخويف من الظلم ومصير الظالمي.. 

على أن الإسلام لا يقف من الظلم عند هذه الحدود.. حدود 
التحريم..والتحذير.. والتخويف.. بل يذهب فيوجب على المسلم التتصدي 
للظلم بالمنع والإزالة-كمنكر-.. والتصدي للظلمة بالمقاومة. حتى يتطهر مجتمع 
الإسلام من دثمن الظلم والظالمين.. 

فالجهر بالسو: .وإعلان السلبيات وكغف ما لا يسن كشفه يتظر 
الإسلام-منكر يجب أن يبرأ منه لسان المؤمن وتعف عنه أجهزة إعلامه.. 
لكن إذا تعلق الأمر بالسوءات والسلبيات والمظالم والجرائم التي يرتكبها 


الإسلام وحقوق الانسان 


الظلمة وأهل الجورء فلا حرمة لهم في هذا المجال.. ففضحهم واجب. 
وإثارة الأمة ضد جرائمهم ومخازيهم مطلوبة؛ بنظر الإسلام...«لا يحب 
الله الجهر بالسوء من القول إلا ظلم؛ وكان الله سميعا عليما» ...040 

والإسلام دين سلام ومسالمة.. لكنه يدعو المظلومين إلى العدول عن 
السلم إذا كانت المواجهة بينهم وبين الظالمين.. فالظلم حرب معلنة وعدوانية 
وغير مشروعة يشنها الظالمون ضد الأمة؛ ومن ثم غلا بد من مواجهتهم بما 
يردعهم من أساليب المقاومة؛ ومنها «القتال»...9أذن تلدين يقاتلون بأنهم 
ظلموا وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير حق 
إلا أن يقولوا رينا الله؛ ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع 
وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراء ولينصرن الله من ينصره» 
إن الله لقوي عزيز» . 050 

والقرآن الكريم عندما تحدث عن «الشعراء»كانت إدانته لذلك الفريق 
الذي سخر شعره لدعم مظالم الجاهلية فكريتها .. واستثنى من هذه الإدانة 
وذلك النقد الشعراء الثوار الذين أسهموا بشعرهم في مجابهة المظالم 
الجاهلية؛ بدعمهم الروح القتالية للمستضعفين ضد الطفغاة...«والشعراء 
يتبعهم الغاوون. ألم ترأنهم في كل واد يهيمون. وأنهم يقولون ما لا يفعلون. 
إلا الذين آمنوا وعملوا الصالحات وذكروا الله كثيرا وانتصروا من بعد ما 
ظلمواء وسيعلم الذين ظلموا أي منقلب ينقلبون62..4© فالذين «انتصروا»» 
أي «ثاروا» في وجه الظلم مستثنون من هذه الإدانة التي وجهها القرآن إلى 
الشعراء.. 

ولقد أنبأنا رسول الله. صلى الله عليه سلم؛ أن الصراع بين «العدل» 
وبين «الظلم». في هذه الحياة الدنيا صراع دائم أبدا.. ومن ثم فلا بد من 
اليقظة لمظاهر الظلم وجرائم الظلمة أنى ظهرت وفي أي مكان نجمت.. 
يقول الرسول: «لا يلبث الجور بعدي إلا قليلا حتى يطلع؛ فكما طلع من 
الجور شيء ذهب من العدل مثله. حتى يولد في الجور من لا يعرف غيره!.. 
ثم يأتي الله؛ تبارك وتعالى: بالعدل: فكلما جاء من العدل شيء ذهب من 
الخور مه نحت يولك نط العد هق ل يعرف غبيرم إنم13”*1 وفي مجر 
هذا الصراع الدائر والدائم رفع الله الحرج عن المظلومين إن هم هبوا 
لمقاومة الظالمين؛ خلا سبيل عليهم في ذلك؛ بل هم مأجورون.. فالذين 


5/1 


ضرورة العدل 


يثورون «ينتصرون» في وجه الظلم ليس عليهم من سبيل.. #ولمن انتصر بعد 
ظلمه فأولئك ما عليهم من سبيل!. إنما السبيل على الذين يظلمون الناس 
ويبغون في الأرض بغير الحقء أولئك لهم عذاب أليم) (088) 

بل إن موقف الإسلام من هذه القضية.. قضية «الإنتصار» أي الثورة- 
ضد الظلم والظلمة يتعدى «الإباحة» و «المشروعية» «إلى التحبيذ». بل و 
«الإيجاب» !. ورسول الله صلى الله عليه وسلم عندما يقول»إذا رأيتم أمتي 
تهاب الظالم أن تقول له: إنك أنت ظالم؛ فقد تودع منهم.... 079 فإنه 
يعلمنا أن التصدي للظلم بالمقاومة هو دليل «الحياة» في الأمة, أما إذا هي 
عجزت عن ذلك أو أهملته فإنها ستكون عندئن في عداد الأموات. الذين 
«تودع منهم»؛ رغم أنهم يأكلون ويشربون كما يأكل «الأحياء» ويشربون !. 
ولذلك وجدنا تراث الإسلام مزدانا بالمأثورات التي تحض على مقاومة 
الظلم ومقاتلة الفابار تسد لتر حير وات |الحرو و الايد ه.» 
ووجدنا هذه المأثورات الشريفة تبشر أهل الحق بما أعده الله لهم من رفيع 
الدرجات لقاء معاناتهم مصاعب هذا الطريق.. ف «من فتل دون ماله مظلوما 
فهو شهيد؛ ومن ظلم من الأرض شبرا طوقه من سبع أرضين» !0 فشتان 
ما بين المصيرين اللذين أعدهما الله .!١‏ 

هكذا رأى الإسلام في «الظلم» كبيرة ورذيلة اجتماعية؛ تفوق في آثارها 
الممتدة الكثير من الفواحش والكبائر التي تقف آثارها عند المقترفين 
لها..فآدانه,وحرمه..وحذر منه.. وأغرى المؤمنين بمقاومته. حتى وإن سلكوا 
إلى ذلك سبل العنف والثورة والقتال.. وهكذا رأينا «العدل»», في الإسلام 
يتجاوز نطاق «الحق» الإنساني: إلى حيث يصبح «ضرورة» من ضرورات 
قيام الملك والملكوت؛ وشرطا لا غنى عنه لانتظام حياة الإنسان الفرد.. 
وحياة الأسرة.. ومجتمع الأمة والدولة.. وعالم الإنسانية جمعاء.. لقد نظر 
الإسلام إلى «العدل» باعتباره «الميزان» الذي أمر الله. سبحانه وتعالى؛ 
حوب ا اع ال ا 
الأصدقاء ال .ف «العدل» هو«الميزان» الذي أنزله الله سبحانه مع 
الكتاب لتستقيم شتون الإنسان «الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان)417.. 
«وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط74”.. وهو أداة 
«التوازن» في مختلف ميادين الحياة.. ف «الوسط: العدل. جعلناكم أمة 


الإسلام وحقوق الانسان 


وسطا»!***-العدل خاصيتهاء به حياتها الحقيقية؛ وفي تخلفه موتهاكما 
قال عليه الصلاة والسلام !.. 

وحدود هذا «العدل» الإسلامي لا يقف بها الإسلام عند «القانون».وإنما 
هو شامل للحياة المادية والإجتماعية. فكما يجب في «الشرائع» كذلك يجب 
في «الثروات والأموال».التي خلقها الله وأودعها-بالفيض-ضي الطبيعة فالله 
هو مصدر الأموال؛ وهو وحده مالك الرقبة فيهاء والإنسان-من حيث هو 
إنسان-مستخلف عن الله في هذه الأموال؛ يستثمرها بالعل المشروع؛ ويحوز 
منها-كملكية منفعة ووظيفة اجتماعية-ما يحقق كفايته وفق العرف ودرجة 
اللجتمم وحظله من الرخاء والفنى.:. فميؤان العدل هنا هو العاضع “الانسنان 
من الهبوط إلى درك «الفقر».الذي يفقد الإنسان مقومات حريته.ويسلب 
منه مضمون الإنتماء لمجتمعه ووطنه.. وهو العاصم:؛ أيضاء لهذا الإنسان 
من الإستعلاء إلى درجة «الإستغناء». الذي يركز ثروات الآمة فتكون «دولة 
بين الأغنياء». الأمر الذي يغريهم بالطغيان بواسطة سلطان المال.. كلا إن 
الإنسان ليطغى. أن رآه استغنى440(..!4) 

إن خالق الثروات والأموال يقول: «والأرض وضعها للأنام» )...هو 
الذي خلق لكم مافي الأرض جميعا» !2 .. إوسخر لكم مافي السموات 
وما في الأرض جميعا منه4 7.. والإنسان-من حيث هو إنسان كجنس 
وكأمة وليس كفرد أو طبقة-مستخلف ووكيل ونائب عن الله في هذه الثروات 
والأموال «آمنوا بالله ورسوله؛ وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه؛ فالذين 
آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير» 79.. فإذا كان المال مال الله؛ فان 
جماع مصادره الأساسية هي لمنفعة مجموع خلق الله!.. وكما يرويء ابن 
عباسء وأبو هريرة: وعائشة؛ رض الله عنهم؛ عن رسول الله. صلى الله 
عليه وسلم: ف «المسلمون شركاء في ثلات: الماء, والكلاًء والنار. وثمنه حرام».. 
و«تلاث لا يمنعن:الماء. والكلاً. والنار».. وعندما سئل الرسول عن «الشىء» 
الذي لأ يحل مثعة 9 قال: «الماءء: والملس والنآن؛. 459) ا 

ذلك هو معيار «العدل», كضرورة إنسانية واجبة؛ بكتاب الله وسنة الرسول 
عليه الصلاة والسلام.. ولقد نعم المسلمون بهذا العدل عندما وضعت فلسفته 
فى التطبيق على عهد النبى ودولة الخلافة الراشدة؛ فكانت تلك الفترة-فى 
كاريشتاتمكانة السايقة الدستورية التي تبلورت فيها فلسفة عدل الإسلام؛ 


56 


ضرورة العدل 


وذلك يوم أن حكم عمر بن الخطاب فقال «والذي نفسي بيده ما من أحد 
إلا له في هذا المال حق.أعطيه أو منعه؛ وما أحد أحق به من أحدءوما أنا 
فيه إلا كأحدهم.. فالرجل وبلاؤه.. والرجل وقدمه.. والرجل وغناؤه..والرجل 
وحاجته.. هو ما لهم يأخذونه. ليس هو لعمر ولا لآل عمر)*”"... ويوم 
حكم علي بن أبي طالب فقال: «إن الله فرض في أموال الأغنياء أ قوات 
الفقراء؛ فما جاع فقير إلا بما متع به غني !.. إن الغنى في الغربة وطن؛ 
والفقرفي الوطن غربة.. . وإن المقل غريب في بلدته!.. أنتم عباد الله 
والمال مال الله؛ يقسم بينكم بالسوية؛ لا فضل فيه لأحد على أحد 518.1 
وأيضا عندما حكم خامس الخلفاء الراشدين عمر بن عبد العزيزء فأعاد 
نصب ميزان العدل؛ بعد أن اختل؛ ورد المظالم إلى أهلها .. وأعلن في الناس 
أن «المال نهر أعظم.. والناس شربهم #أي نصيبهم وماؤهم فيه سواى/؟!. [522) 

إن «العدل الإجتماعي: «واجب وفريضة». وليس مجرد «حق» من 
والسقر ووس مكلف ينذا العذل يهدم أركان «التعاقد» القائم بين الحكمين 
وبين المحكومين. ويلغى شرعية «السلام» المفترض بين الطبقات الإجماعية: 
لآن هذا السلام رهن ب «تكافل» هذه الطبقات في تحقيق «الضرورات 
الواجبة» لسائر أعضاء الجسد الإجتماعى-الأمة-.. ومن هنا كانت المأثورات 
الإسلامية الشريفة: «إذا جاع تومن كلل مال القحدة (..و«من احتكر طعاما 
أربعين ليلة فقد بريء من الله تعالى وبريء الله تعالى منه؛ وأيما أهل 
عرصة2* أصبح فيهم امرؤ جائع فقد برئت منهم ذمة الله تعالى»5*”7. 
فمشروعية الحيازة. وحرمة «ملكية المنفعة» في الأموال قائمة كحق من 
حقوق ذمة الله تعالى.. وتخلف قيام فريضة, تمدن الإجتماعي» يرفع 
حماية «ذمة الله» عن هذه الحيازات. ومن هنا كان عجب أبى ذر الغفاري 
وتعجبه عندما قال: «عجبت لرجل لا يجد في بيته قوت يومه. كيف لا 
يخرج على الناس شاهرا سيفه».. فالمنطلق.. والإطار هو «وجوب» العدل, 
السياسي والقانوني والإجتماعي كفريضة «إلهية-إنسانية». لا النظر إليه 
كمجرد «حق» من الحقوق.. 


57 


الحواشي 


(*1) رواه الترمذي وابن حنبل. 

(*2) لقمان: 13. 

(*3) الشورى: 42. 

(*4) فقاطر: 32. 

(*5) رواه البخاري. 

(*6) الشورى: 5١ا.‏ 

(*7) النساء: 58. 

(*8) الأحزاب: 72. 

(*9) القرطبي]الجامع لأحكام القرآن[ج ١4‏ ص 254. طبعة دار الكتب المصرية. 
(:10) رواه البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود وابن حنبل. 
(11) رواه الدارمي. 

(*12) رواه ابن حنيل. 

(*13) رواه مسلم والنسائي وابن حنبل. 
(*14) النساء: 97- 99. 

.29 ,78 النحل:‎ )١5*( 

(*16) المائدة:8 

(*17) النساء:135. 

(*18) الأنعام: اكا- 153. 

(*19) رواه مسلم وابن حنبل. 

(*20) غافر:!3. 

(*21) آل عمران:108! 

(*22) آل عمران: 182. 

(*23) يونس: 44. 

(*24)النساء:40 

(*25)الكهف:49. 

(*26) رواه البخاري. 

(*27) رواه البخاري ومسلم وابن حنبل؛ 
(*28) يونس 54, (*29) الزمر: 7 4. 
(30) يونس: ,١12‏ (*/3) الفرقان: 219 
(*32) رواه مسلم وابن حنبل؛ 

(*33) رواه ابن حنيل» 

(*34) النساء :148 


(*35) الحج: 40,39. 

(*36) الشعراء: 224- 227 

(*37)) رواه ابن حنيل!. 

(*38) الشورى:!4, 42. 

(*39) رواه ابن حنبل 

(*40) رواه البخاري ومسلم والدرامي وابن حنبل. 
(*41) الشورى: 1١7‏ 

(*42) الحديد: 25 

(*43)-رواه الترمذي وابن حنبل. 

(4#ه) العلق: 7,6. 

.١10:نمحرلا‎ )45*( 

(*46) البقرة:29. 

(*47) الجاثية:13. 

(*48) الحديد: 7 

(*49) روى هذه الأحاديث ابن حنيل وابن ماجة. 
(*50)[طبقات ابن سعد]ج 3 قا ص2!5, 216, 219. 


ضرورة العدل 


(*51) [نهج البلاغة] ص 08, 373, 366. طبقة دار الشعب القاهرة. [شرح نهج البلاغة]-لابن أبي 


الحديد-ج 7 ص 37. طبعة القاهرة سنة 1967 م. 


(*52) الأصفهاني [كتاب الأغاني]ج 9 ص 3375. طبعة دار الشعب. القاهرة. 
(*53) العرصة: الساحة. والفضاء الذي تتحلقه وتجاوره المساكن. 


9؟59 


صرورة العلم 


ليس هناك خلاف على «ضرورة العلم» لأية 
نهضة حديثة تنشدها أمة من الأمم.. وخاصة إذا 
كانت هذه الأمة تواجه تحديات كثيرة وقاسية, 
يفرضها عليها أعداء كثيرون؛ كما هو الحال مع 
أمتنا العربية الإسلامية. وليس هناك خلاف على 
أن «الفتوحات العلمية» التي ازدانت بها حضارتنا 
العربية الإسلامية في عصرها الذهبي؛ قد لعبت 
الدور المتميزفي الإزدهار الذي حققته هذه 
الحضارة...ولا على أن «الإنجازات العلمية» المتميزة 
التي صنعتها هذه الحضارة؛ في مختلف فروع 
المعرفة العلمية-بمعناها الرحب-هي التي وسعت أفق 
سذا التحكدا رق وأغطفيا الصندة السماؤنية الشى 
تميزت بهاء وجعلتها منارة العالم لعدة قرون. تلك 
حقائق امتلآت وتمتلىّ بها الأسفار التي خصصها 
أصحابها لتاريخ العلوم. عربا ومسلمين كانوا أم 
من المستشرقين*21.. 

أما القضية التي نود أن نخصص لها هذا 
الحديثء؛ فهي موقف «الإسلام الدين» من العلم 
وكيف كان هذا «الموقف الثابت-والمبدئي»هو العامل 
الأول والفاعل الأساسي وراء الإنتقال بالجماعة 
العربية من «الجاهلية» وبداوتها إلى «العلم» 


اك 


الإسلام وحقوق الانسان 


وحضارته...لآن هذا الموقف. بسحب من «ثياته» وماله من «قداسة»ءلا تزال 
له الصلاحية: اليوم وغداء لينتقل بالأمة من «التخلف» إلى «التقدم».ومن 
«الركود» إلى «النهضة» ومن «الكسل العقلي» 

إلى «التوكن اللاظلاني» ومن #الخرافة السااحة إلى «الرويم المامية 
التي طبعت فكر الإسلام ونهج المسلمين الذين وعوا خصائص هذا الدين 
الحنيف ! إن الإشارة إلى موقف الإسلام من العلم.. وهو الموقف الذي رآه 
فيه «ضرورة إنسانية ودينية واجبة» هو هدف هذا الحديث.. 

ومنن البدءء لابد أن نعي دلالة الإستهلال الذي بدأ به الوحي رسالة 
الإسلام إلى رسوله محمد بن عبد الله؛ عليه الصلاة والسلام.. . لقد كان 
استهلالا يعلن ميلاد طور جديد للانسانية؛ بلغت فيه سن الرشد والنضج. 
فكانت كلمته الأولى-في الأمة الأمية, وإلى النبي الأمي. وبصيغة الأمر 
والوجوب-هي: #اقرأ4... وحتى يوضع هذا «التكليف-الواجب»-الذي يبدو 
غريباء بل ومستحيلا على التحقيق-حتى يوضع في الإطار الذي يؤكد إمكانه؛ 
اقترن الأمر #إاقرأ» بالحديث عن قدرة الشارع؛ سبحانه وتعالى؛ وعن نعمه 
وآلاته. ومنها العلم.. والتعليم....«اقرأ باسم ربك الذي خلق. خلق الإنسان 
من علق. اقرأ وربك الأكرم. الذي علم بالقلم. علم الإنسان ما لم يعلم)!*0) 
إنه تكليف واجب. بدأت به آيات الكتاب؛ الذي سمي-لحكمة لا تخفى- 
ب«القرآن4.. وصاحب هذا التكليف: سبحانه...«الرحمن.علم القرآن. خلق 
الإنسان. علمه البيان4*© !.. والذي إذا أقسم؛ سبحانه؛ كان قسمه: «ن؛ 
والقلم وما يسطرون04 !.. 

لقد كانت هذه البداية علامة بارزة» ونقطة تحولء وتاريخ ميلاد مرحلة 
متميزة على درب مسيرة الإنسان وتطوره. لا في المحيط العربي وحده. 
وإنما-لعموم رسالة الإسلام وعالميته-بالنسبة للبشرية جمعاء!.. ولذلك؛ فلم 
تكن صدفة:؛ ولا هي بالغريبة؛ أن تسمى المرحلة التي سبقت هذه البداية- 
سودلة وز كين لزاكرا بن الساما قبن ففين و لالدفور ارين غلى 
طبيعة تلك المرحلة؛ لها كذلك؛ دلالتها على الطبيعة؛ المغايرة للمرحلة التي 
أعقبت بدء الوحيء «بوجوب العلم-وضرورته» إلى الرسول؛: عليه الصلاة 
والسلام. وبدون فهم حقيقة هذه الدلالة يستحيل علينا أن نفهم ونعي أبعاد 
التغيرات التي حدثت في «دار الإسلام» منن ذلك التاريخ... 


02 


ضرورة العلم 


فالناس قد انخلعوا من «ظلمات الجاهلية» إلى «نور الإسلام» !.. 

وأساطين الجاهلية-الذين غدوا كبار الصحابة-تعلموا الدين: وتعلموا 
القراءة والكتابة. وغدوا «حكماء» وليسوا مجرد قارتين كاتبين!.. 

والنبي الأميِجَكة. الذي كانت «أميته» واحدة من أدلة صدقه وهو يبلغ 
القرآن الذي أعجز الفصحاء من الأميين ومن أهل «الكتاب».... #وما كنت 
تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لارتاب المبطلون14*.. هذا 
النبي الأمي. قال كثير من المفسرين للقرآن: إنه هو الآخرء قرأ وكتب-يعد 
أن شهدت أميته لصدقه-كجزء من إنجاز الإسلام محو أمية الأميين !2... 

والعبيد.. والهمل.. والأعراب الجفاة الغلاظ.. أضحوا فقهاء.. بل 
وحكماء.. وتحقق الحلم الذي حلم به الفلاسفة من قبل؛ والذي تمناه أغلاطون 
[427- 347 ق. م] في «جمهوريته»: أن يحكم العلماء؛ وأن تكون السلطة في 
المجتمع والدولة للعلماء.. . نعم؛ لقد تحقق هذا الحلم في دولة الخلافة 
الراشدة؛ وظل موقفا يلتزمه المتكلمون والفقهاء الإسلاميون كلما كتبوا عن 
شروط الإمامة وصفات الإمام في دولة الإسلام.. . 

لقد حكم القراء والفقهاء والمجتهدون والحكماء.. . ووجدناهم يتحدثون 
عن ضرورة «التفقه» لمن يتولى السلطة؛ قبل أن يتولاها. لأن العلم هو حياة 
النفس الإنسانية؛ وبحكم العلماء تحيا الأمة.. أما النقيض ضفيه الهلاك.. . 
وبكلمات الخليفة الراشد عمر بين الخطاب: «تفقهوا قبل أن تسودوا .. إنه لا 
إسلام إلا بجماعة, ولا جماعة إلا بإمارة؛ ولا إمارة إلا بطاعة. فمن سوده 
قومه على الفقه كان حياة له ولهم. ومن سوده قومه على غير فقه كان 
هلاكا له ولهم»9 !.. . ولذلك فلم يكن غريبا أن نجد كل تيارات الإسلام 
الفكرية تجمع على اشتراط أن يكون الحكم للعلماء.. وأن تكون السلطة 
لأهل العقل.. وأن تكون الولاية العظمى للمجتهدين.. فالإمام يجب «أن 
يكون عالماء لا يقل عن مبلغ المجتهدين: في الأصول والفروع؛ في الحلال 
والحرام وسائر الأحكام... ذا رأي ومعرفة بالأمور.. . سائسا.. . مهتديا 
إلى وجوه التدبير في السلم والحرب.. . صاحب عقل يضمن صلاح 
التصرفات.. 9 !.. فإذا تخلف هذا الشرطء فلا شرعية للدولة والولاية 
والإمامة؛ و إنما هي ولاية «تغلب.. واغتصاب.. استبداد».. هكذا حقق 
الإسلام؛ في الممارسة والتطبيق: حلم الفلاسفة والحكماء !.. ولم يكن ذلك 


05 


الإسلام وحقوق الانسان 


بالأمر الشاذ أو الغريب.. أما كيف أن ذلك لم يكن شاذا ولا غريبا.. فإن 
عليه الآأدلة الكثيرة من موقف الإسلام إزاء «العلم»», الذى رآه «ضرورة 
الدنيا.. جميعاء وعلئ حد سواء. 

فالعلم هو نور البصر والبصيرة.. بينما الجهل هو الظلمة:؛. بل 
والعمى..#أفمن يعلم أنما أنزل إليك من ريك الحق كمن هو أعمى؛ إنما 
يتذكرأولوا الألباب274.. .. وفي الحديث الشريف يقول الرسو لوكلة: «مثل 
العلماء في الأرض كمثل النجوم في السماءء يهتدي بها في ظلمات البر 
والبحرء فإذا انطمست النجوم أوشك أن تضل الهداة,*9) ١‏ 

والعلم-مي «وجوبه» وفى «ضرورته»-يتعدى صرورة 6 ود و «النور». 
إلى حيث يراه الإسلام «قوام الحياة».. 5 وإذا كان أدينا الإجتماعي الحديث 
قد أ لف تشبيهنا للعلم. في الأهمية؛ بالماء والهواء. فإن مأثورات إسلامية 
قديمة تجعل حاجة الإنسان إليه مساوية لحاجته إلى الطعام والشراب.. 
يحتاجون إلى الطعام والشراب في دنياهم»9''' !... بل إن هذه المأثورات 
تجعل فى العلم «الحياة» وى فكقدانه «الهلاك» :ع :قلفد سأل هلال بن 
خباب سعيد بن جبير[45- 95 ه / 665- 74 م]-يا أبا عبد الله. ما علاقة 
هلاك الناس ؟-فأجاب: «إذا هلك علماؤهم,»!**'"! إنه يتعدى مرتبة «الضرورة» 
اللازمة «للحياة» ليصبح هو «الحياة». وليصبح في تخلفه هلاك الحياة 

إن العلم: بنظر القرآن الكريم: قد كان السر والسبب الذي من أجله 
استحق الإنسان شرف الخلافة؛ فى الأرضء عن الله سبحانه وتعالى.. 
ففاز بهذا الشرف دون سائر المخلوقات؛ بمن فيهم الملائكة المقربون.. «وإذا 
قال ربك للملائكة: إني جاعل في الأرض خليفة قالوا: أتجعل فيها من 
يفسد فيها ويسفك الدماء ونحن نسبح بحمدك ونقدس لك؟ قال: إني 
أعلم مالا تعلمون. وعلم آدم الأسماء كلها ثم عرضهم على الملائكة: فقال: 
أنبثوني بأسماء هؤلاء إن كنتم صادقين. قالوا: سبحانك لا علم لنا إلا ما 
علمتنا إنك أنت العليم الحكيم. قال: يا آدم أنبتهم بأسمائهم فلما أنباهم 
بأسمائهم: قال: ألم أقل لكم إني أعلم غيب السموات والأرض وأعلم ما 


4ن 


ضرورة العلم 


تبدون وما كنتم تكتمون» 27.. لقد رجح العلم كفة من في طبيعته الخطأ 
على الملائكة المقربين الذين لا يعصون الله ما أمرهم ويفعلون ما يؤمرون.!. 

والعلم؛ بنظر القرآن الكريم؛ هو جماع الوحي الإلهي.. فهذا الوحي 
هودكتاب» ودحكمة» ودكل» جديد توحيه السماء إلى المصطفين الأخيار من 
الأنبياء. ليتسلحوا به في صراعهم ضد المكذبين؛ وليوظفوه في صناعة 
هداية الإنسان..«ولولا فضل الله عليك ورحمته لهمت طائفة منهم أن 
يضلوكء وما يضلون إلا أنفسهم وما يضرونك من شيء» وأنزل الله عليك 
الكتاب والحكمة وعلمك ما لم تكن تعلم؛ وكان فضل الله عليك 
عظيما74"". بل إننا واجدون رسول اللهيكلةٍ. يحدد لنا أن التعليم هو وظيفته 
وجوهر مهمته وجماع رسالته.. إنه بشير ونذير.. وأداته هي «العلم» و«التعليم» 
فهو «الرسول المعلم» !.. وضي الحديث الذي يرويه عبد الله بن عمر يقول: 
وو ترسو كلل مساسين فى عرد دقان كلدسيلا كون والعترفهنا 
أفضل من صاحبه. أما هؤلاء- «أهل مجلس العبادة والذكر»فيدعون الله 
ويرغبون إليه؛ فإن شاء أعطاهم: وإن شاء منعهم: وأما هؤلاء-«أهل مجلس 
العلف ةو سامون التقه اداه اويداموق السام نيه فصل وإلما عط 
معلماء ثم جلس بينههم»9؟؟" !.. 

ولأن هذا هو مقام العلم في الإسلام: فلقد انتشرت في القرآن الكريم 
الآيات التي تعلن عن أن هذا الكتاب الكريم هوء في الجوهر والأساس, 
كتاب العلماء الذين أوتوا العلم: قبل أن يكون كتاب الذين لا يعلمون... إنهم 
هم المؤهلون لفقهه. وعقل الآيات التي تحدث عنها والأمثال التي ساقها .. 
أما غيرهم فلهم مرتبة «التقليد» للعلماء والفقهاء !.. «كتاب فصلت آياته 
قرآنا عربيا لقوم يعلمون74؟''..إوتلك الأمثال نضربها للناس وما يعقلها 
إلا العالمون21*74.... «بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم؛ وما 
يجحد بآياتنا إلا الظالمون74”*' ..«ومن آياته خلق السموات والأرض 
واختلاف ألسنتكم وألوانكم؛ إن في ذلك لآيات للعالمين8...21”*94«.. وتلك 
حدود الله يبينها لقوم يعلمون2””74..لإقد فصلنا اللآيات لقوم 
يعلمون74*”".. إوكذلك نصرف الآيات وليقولوا درست ولنبينه لقوم 
يعلمون22*14)...«إكذلك نفصل الآيات لقوم يعلمون2*74.. ولذلك.. ورغم 
توجه القرآن وشريعته إلى الكافة؛ ظيس يسشوي الذين يعلمون والدين لا 


05 


الإسلام وحقوق الانسان 


يعلمون.... #أمن هو قانت آناء الليل ساجدا وقائما يحذر الآخرة ويرجو 
رحمة ريه؛ قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون؟ إنما يتذكر 
أولوا الألباب214. 

ولما كان القرآن الكريم هوء في الآساسء كتاب العلماء.. . الذين أهلهم 
علمهم لتدبر آياته. وفقه مراميه؛ ووعي الأمثال التي ضربها.. كان العلم, 
بنظر القرآن؛ هو سبب الإيمان والسبيل إليه.. وتلك ميزة تميز الإسلام بها 
وامتاز على غيره من الديانات.. إن القديس المسيحي «أنسلم» «1033- 109ام» 
يحدد موقف المسيحية من هذه القضية بقوله: «يجب أن تعتقد أولا. بما 
يعرض على قلبكء بدون نظرء ثم اجتهد بعد ذلك في فهم ما اعتقدت. 
فليس الإيمان في حاجة إلى نظر عقل»!**"... أما الإسلام: فهو على النقيض 
من ذلك تماما.. فطريق معرقة الله فيه: العقل.. ومناط التكليف فيه.. 
العقل.. والحكم في نصوصه ومأتثوراته: العقل.. ووحيه «معجزة-عقلية/». لا 
تدهش العقلء وإنما ترعى وتشحذد وتنمي ما له من قدرات وملكات.. لقد 
حدد الإسلام؛ في حسم ووضوح: أن العلم هو سبب الإيمان وسبيل التصديق 
بالدين...#ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فأخرجنا به ثمرات مختلفا 
ألوانهاء ومن الجبال جدد بيض وحمر مختلف ألوانها وغرابيب سود. ومن 
الناس والدواب والأنعام مختلف ألوانه كذلكء إنما يحتسى الله من عباده 
العلماءء إن الله عزيز غفور» ....260) فالوعي بآيات «كتاب الكون»-أي العلم- 
هو الذي يجعل العلماء مؤمنين برب هذه الآيات.. بل إن ذلك كافل لأن 
يكونوا على حد الخشية لرب هذه الآيات.. 

وإذا كانت حضارات أخرى. غير حضارتنا الإسلامية.. وشرائع أخرى, 
غير شريعتنا الإسلامية؛. قد نظرت إلى العلم بريبة وحذرء ورأت فيه سبيلا 
إلى «الهرطقة» و «التجديف».. فإن حضارتنا وشريعتنا قد أبصرتا فيه 
السبيل إلى صحيح الإيمان..أي الإيمان المؤوسس على الدليل-وهو الوحيد 
الجدير بتحقيق مضمون مصطلح «الإيمان» وحتى الذين سلكوا طريق العلم؛ 
في المحيط الإسلامي؛ غير هادفين ولا مستهدفين «الإيمان الديني». قد 
قادهم هذا العلم إلى الإيمان بالدين. لا تساق الحقائق في الميدانين مع أداة 
النظر فيهما :العقل.. ولوحدة خالق الكتابين: كتاب الكون.. وكتاب الدين!.. 
وفي تأمل معاني كلمات الإمام الغزالي عبرة.. فهي تقول: «لقد طلبنا العلم 


ك4 


ضرورة العلم 


لغير الله. فأبى إلا أن يكون لله» !.. ومن قبل الغزالي قال الإمام الحسن 
البصري «21- 0١ا‏ ه / 642- 728 م»: «لقد طلب أقوام العلم ما أرادوا به 
الله ولا ما عنده.. فما زال بهم العلم حتى أرادوا به الله وما عنده» ..١‏ 279) 

ولهذه «الطبيعة الإسلامية», التي ميزت موقف الإسلام من العلم. شاعت 
في المأثورات الإسلامية-قرآنا وسنة-الآيات والأحاديث التي أحلت «العلماء» 
أرفع الدرجات...لايا أيها الذين آمنوا إذا قيل لكم تفسحوا في المجالس 
فافسحوا يفسح الله لكم؛ وإذا قيل انشزوا فانشزوا يرفع الله الذين آمنوا 
متعم والذين أوتا العلم درجات: والله بما تعملون خبير» .. 2890 
نقرأ تفسير إبن عباس «3 ق ه-68 ه /619- 437 جالينه نفس طون 
إن معناها : «يرفع الله الذين أوتوا اسم على الذين آمنوا درجات» !2720)..أما 
السنة النبوية فإنها تفيض في ذكر الأحاديث التي ترفع مكانة العلماء من 
مثل ذلك الذي يقول فيه الرسولء. صلى الله عليه وسلم: «من سلك طريقا 
يلتمس به علما سهل الله به طريقا من طرق الجنة. فإن الملائكة لتضع 
أجنحتها رضا لطالب العلم؛ وإن طالب العلم ليستغفر له من في السماء 
والأرض حتى الحيتان في الماء. وإن فضل العالم عل العابد كفضل القمر 
عل سائر النجوم:؛ إن العلماء هم ورثة الأنبياء» إن الأنبياء لم يورثوا دينارا 
ولا درهماء وإنما ورثوا العلم؛ فمن أخن به أخن بحظ وافر 000 

وإذا كان القسط والعدل هو جماع الشريعة الإسلامية وأهم مقاصدهاء 
فلقد أنبأنا الله. سبحانه وتعالى: في القرآن الكريم: أن العلماء-مع الله 
والملائكة-هم الذين شرفوا بأمانة النهوض بهذا التكليف الجسيم والعظيم 
١..إشهد‏ الله أنه لا إله إلا هو والملائكة وأولوا العلم قائما بالقسطء لا إله 
إلا هو العزيز الحكيم».. 318 

لكن الإسلام لا ينظر إلى العلماء هذه النظرة إذا هم اختصوا بمنافع 
علمهم واستأثروا بلذته من دون الناس.. فالشريعة تتوجه للجمهور ومصلحة 
مجموع الأمة هي معيار الحل والحرمة؛ والنفع والضررء والصواب والخطأ.. 
وما رآه المسلمون-كأمة-حسنا فهو عند الله حسن.. ولذلك وجدنا المأثورات 
الإسلامية لا تضفي الشرف إلا على العلم الذي ينفع الناس؛ فاقتران المبدأ 
بالغاية» والمنطلقات بالمقاصد واحدة من مميزات النظرة الشمولية و«النهج 
الجدلي» في فلسفة الإسلام.. وفي الحديث الشريف يقول الرسولئكة: 


وعندما 


07 


الإسلام وحقوق الانسان 


«إن مثل علم لا ينفع كمثل كنز لا ينفق في سبيل الله» ..222١‏ ومن الكلمات 
المأثورة عن الصحابي أبي الدر داء: «أن من أشر الناس عند الله منزلة يوم 
القيامة عالم لا ينتفع بعلمه»!7***).. وكم هي عميقة؛ ودالة؛ كلمات الصحابي 
الجليل سلمان الفارس, تلك التي كتبها إلى أبي الدرداء؛ وقال فيها: «إن 
العلم كالينابيع؛ يغشاهن الناس: فيختلجه هذا وهذاء فينفع الله به غير 
واحد . وإن حكمة لا يتكلم بها كجسد لا روح فيه؛ وإن علما لا يخرج ككنز لا 
ينفق منه . وإنما مثل العالم كمثل رجل حمل سراجا في طريق مظلم يستضيء 
به من مر به؛ وكل يدعو له بالخير»!*".. فالعلم «الحي». هو الذي يبعث 
«الحياة» في «الأحياء» !.. إنه «الفكر» الذي يجسده «العمل».. ووفق عبارة 
الصحابي الجليل معاذ بن جبل: «اعملوا ما شئتم بعد أن تعلمواء فلن يأجركم 
الله بالعلم حف تعملواء 05*(..!8 

ولا يحسين أحد أن العلم: بنظر الإسلام. هو فقط علوم الشرع والدين.. 
فالرسولء؛ صلى الله عليه وسلم؛ عندما قال: «ما كان من أمر دينكم فإلي, 
وما كان من أمر دنيكم فأنتم أعلم به...»97© قد حدد أن نطاق العلم يتجاوز 
علوم الدين. والقرآن الكريم عندما يذم الذين يقفون بعلمهم: عند «الصنائع 
الدنيوية» لا يقصد ذم «علوم الصنائع»؛ وإنما هو يدعو إلى «تكامل المعرفة», 
بربط علوم الدنيا بالغايات الروحية والإيمانية للدين.. فهو يذم الكافرين 
الذين «يعلمون ظاهرا من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون» *”".. 
لأنه هو الذي يتحدث عن نعم الله وآلاثه المتمثلة في تعليم<«النبي داود. عليه 
السلام» «الصنائع الدنيوية».. #وعلمناه صنعة لبوس لكم لتحصنكم من 
بأسكم فهل أنتم شاكرون» ***).. «إولقد آتينا داود منا فضلا يا جبال أوبي 
معه والطير وألنا له الحديد. أن أعمل سابغات وقدر في السرد واعملوا 
صالحا أني بما تعملون بصير» 7*”".. وفي الحديث النبوي الشريف: يقول 
الرسولء صلى الله عليه وسلم: «تعلموا العلم. وعلموه الناسء. وتعلموا 
الفرائضء وعلموها الناسء وتعلموا القرآن وعلموه الناس».. 9©).. فالعلم: 
بنظر الإسلام: ليس القرآن وحده. وليس علوم الوحي والشريعة فقط. بل 
إنه شامل لكل ما يحيى الجسد والروح؛ وينهض بعمارة الكون ويرقى بروح 
الإنسان.. إنه «الحياة»» كل «الحياة» ..١‏ 

ذلك هو موقف الإسلام من العلم.. لقد تجاوز به نطاق «الحق» إلى 


08 


ضرورة العلم 


حيث جعله «فريضة إلهية.. وضرورة إنسانية».. وبنص حديث الرسول» 
صلى الله عليه وسلم: «طلب العلم فريضة على كل مسلم»!*!* .. إنه ضرورة, 
«وفرض عين» على كل إنسان؛ وليس مجرد «حق» من «الحقوق»»؛ يباح لصاحبه 
التنازل عنه بالإختيار؛ دون إثم أو حرج أو تشثريب.. وحتى عندما يكون 
«تخصصاء يعز تحصيله على «الكافة والجمهور». ودرجة من التحصيل لا 
يبلغها إلا «الراسخون» في العلم, نراهء بنظر الإسلام؛ «فرض كفاية». أي 
فريضة اجتماعية واجبة على مجموع الأمة؛ يقع الإثم على الأمة جمعاء إذا 
حدث التفريط فيه !...«#وما كان المؤمنون لينفروا كافة؛ فلولا نفر من كل 
فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم 
لعلهم يحذرون4./*) إن الإسلام الذي جاء ليخرج الإنسانية من «ظلمة 
الجاهلية» إلى «نور العلم»» وليبلغ بها «مرحلة الرشد العقلي» على درب 
تطووها الشاق والطويل المي الناة: أي إفان توكل إقسان: إلا 3ااصلة 
وثيقة بالعلم.. فالإسلام قد جاء لهداية الإنسان ونجاته.. والعلم هو سبيل 
الهداية وأداة النجاة.. ومن هنا تأتي أهمية مضامين المأثورات الإسلامية 
الكثيرة.. من مثل قول الصحابى عبد الله بن مسعود : «أغد عالماء أو متعلماء 
اومسكنها ب حكن الرات تبات (*40).. فالعالم: والمتعلم: والمستمع للعلم.. 
هم السالكون سبيل النجاة: والمتعلقون بأسباب الحياة.. أما غيرهم فهالك.. 
وقول الصحابي خالد بن معدان: «الناس:عالم: ومتعلم؛ وما بين ذلك همج 
لا خير فيه».. 0*) وضي تحصيل هذه «الضرورة».. وفي أداء هذه «الفريضة». 
طلب الإسلام من المسلمين منافسة الأمم الأخرىء وحذرهم من أن يغلبهم 
الآخرون في هذا الميدان الشريف من ميادين الصراع.. ورحم الله الصحابي 
الجليل أبا ذر الغفاري.. فلقد قال: «أمرنا النبي. صل الله عليه وسلم, ألا 
يغلبونا عل ثلاث: أن نأمر بالمعروف.. وننهى عن المنكر.. ونعلم الناس 
السنن»!.52 ولقد شهدناء ولا زلنا نشهد عبرة التاريخ.. فعندما وضع 
المسلمون المبدأ الإسلامي في «ضرورة العلم» بالممارسة والتطبيق؛ غلبوا 
الأمم الأخرى وأضاءوا الدنيا بنور حضارتهم «العلمية-المؤمنة».. وعندما 
تخلفواء في هذا الميدان: غلبهم الآخرون.. إنه «قانون» عمل فنهض به 
السلف.. ولا بد من عودته للعمل إذا شئنا نهضة حديثة؛ تعيد هذه الأمة- 
صدقا لا إدعاء-خير أمة أخرجت للناس.. 


09 


الحجواشي 


(*1) أنظرء على سبيل المثال:[تاريخ العلم] لسارتون. طبعة دار المعارف. القاهرة سنة 
7ام. 

.5 -١ (*2)العلق:‎ 

(*3)الرحمن:!- 4. 

(*4)القلم:ا. 

(*5) العنكبوت:48. 

(*6) أنظر القرطبي [الجامع لأحكام القرآنآ]ج 3ا ص ا35- 353. 
(*7) رواه البخاري والدارمي.. 

(*8) د.عمارة [المعتزلة وأصول الحكم] ص 192- 206 طبعة القاهرة كتاب الهلال-984ام. 
(*9) الرعد:9١.‏ 

(*10) رواه الإمام أحمد. 

(*11) ر واه الدارمي. 

(*12) رواه الدارمي. ( 

*13) البقرة: 30- 33. 

(*14) النساء: 113. 

(*15) رواه الدارمي وابن حنبل.(*16) فصلت:3. 

(*17) العنكبوت: 43, (*18) العنكبوت: 49, (*19) الروم: 22. 
(*20) اليقرة:230, (*21) الآنعام:97. 

(*22)الأنعام :105 , (*23)الأعراف: 32. 

(*24)الزمر:9. 

(*25) [الأعمال الكاملة للامام محمد عبده] ج 3 ص 262. دراسة وتحقيق: د . محمد عمارة. طبعة 
بيروت سنة 1972 م. 

(*26) فاطر:22, 28. 

(*27) رواها الدارمي. 

(*28) المجادلة:ااء 

(*29) أنظره في سنن الدارمي. 

(*30) رواه الترمذي وابن ماجة وأبو داود والدارمي وابن حنبل!. 
(*31) آل عمران:18. 

(*32) رواه ابن حنيل. 

(*33) رواها الدارمي. 

(:34) رواها الدارمي. (*35) رواها الدارمي. 


70 


(*36) رواه مسلم وابن ماجة وابن حنيل. 


(*237 الروم:7. 

(*38) الأنبياء:80 , (*39) سباً :10 11. 
(*40) رواه الدارمى. 

(*41) رواه ابن ماجة. 

(42) التوبة:122. 

(*43) رواها الدارمي. 

(44) رواه الدارمي. 

(*45) رواه الدارمي. 


ضرورة العلم 


7 


ضرورة الإسشتغال بالشتون 
العامة 


إن ذروة ما بلغته الحضارات الأخرى. في 
الإحتفال «بحقوق» الإنسان السياسية؛ في عصرنا 
الحديث. قد تمثلت في تأثيم وتجريم حرمان 
المواطن من «حق» الاهتمام بشئون مجتمعه 
والإشتغال بهذه الشؤون.. لكن الإسلام؛ منذ ظهوره 
قبل أربعة عشر قرناء قد جعل ذلك «فريضة واجبة» 
إلى الإنسان.. بل لقد جعل الإهتمام بشئون المجتمع؛ 
والإشتغال بالقضايا العامة. والتدخل بالقول والفعل 
لتقويم شئون المجتمع وتطويرها وتغييرها.. جعل 
ذلك «فرض كفاية»,فارتفع به عن منزلة «فرض 
العين».الذي هو حال فرائض أخرى مثل الصلاة 
والصيام والحج. وما شابهها من أركان 
الإسلام ...«ففرض العين»: واجب «فردى».يقع إثم 
تركه والتخلف عن أدائه على الفرد التارك له.. أما 
«فرض الكفاية»: فإنه واجب «جماعي» و 
«اجتماعي». يقع إثم تركه على الأمة جمعاء.. 

لقد صاغ الإسلام هذه «الفريضة الإجتماعية» 
تحت عنوان: «الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر».. 
وتحدث القرآن الكريم عنها «كواجب كفائي» على 


13 


الإسلام وحقوق الانسان 


الأمة وليس كمجرد «حق» يباح لصاحبه أن يتنازل عن ممارسته؛ فقال 
مخاطبا الأمة بصيغة «أمر الوجوب»: «ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير 
ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» '2". وحدثنا عن أن النهوض بهذه 
«الفريضة الإجتماعية» هو المعيار الذي تكون به الأمة خيرة في حياتها 
الدنيا. ومتخيرة عند الله. #كنتم خيرأمة أخرجت للناس» تأمرون بالمعروف 
وتنهون عن المنكر4..** فكما كانت هذه هى صفة الأمة المتخيرة: وهذا هو 
معيار اختيارها وتخيرهاء كذلك كان الفتريط فى هف الفريضة اللجباعية 
معيار الضلال المستوجب لغضب الله؛ والمفضي إلى الشقاء في الدنيا 
والآخرة.. إنه نهج المنافقين الفسقة وديدنهم: #المنافقون والمنافقات بعضهم 
من بعضء يأمرون بالمنكر وينهون عن المعروف ويقبضون أيديهم» نسوا الله 
فنسيهم؛ إن المنافقين هم الفاسقون» *").. وهو سبب خسران بني إسرائيل- 
الذي أصبح عبرة تاريخية للمعتبرين-#العن الذين كفروا من بني إسرائيل 
على لسان داود وعيسى بن مريم» ذلك يما عصوا وكانوا يعتدون. كانوا لا 
يتناهون عن منكر فعلوه لبئس ما كانوا يفعلون».(#) 

ولقد سارت السنة النبوية الشريفة على هذا الدربء تبيانا لهذا النهج 
القرآني: فقال رسول اللديَك: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده؛ فان لم 
يستطع فبلسانه؛ فان لم يستطع فبقلبه. وذلك أضعف الإيمان 2**0.. وعلمنا 
نبينا أن التفريط في هذه «الفريضة الإجماعية» لا يفسد «دنيانا» فقطء بل 
إنه يحبط أعمالناء ويحجب الإنسان عن ربه؛ قلا تستجاب دعواته؛ رغم أن 
الله أقرب إليه من حبل الوريد؛ فقال: «لتأمرون بالمعروفء ولتنهون عن 
المنكر؛ ولتأخذن على يد الظالم؛ ولتأطرنه على الحق أطراء أو ليضربن الله 
بعضكم ببعضء ثم تدعون فلا يستجاب لكم». 47).. وقال: «إذا رأيتم الظالم 
فلم تأخذوا على يديه يوشك الله أن يعمكم بعذاب من عنده» !.. 79) 

أما سبيل المسلمين إلى النهوض بهذه «الفريضة الإجتماعية» فريضة 
الإسهام الإيجابي في شئون المجتمع والدولة-فهو السبيل السلمي في الأمر 
بالمعروف دائما وأبدا.. وهو ذات السبيل السلمي في النهي عن المنكر إن 
حقق الغاية وإلا فالقتال والثورة هي السبيل لإزالة المنكر من واقع المسلمين.. 
إن غرس «المعروف» في المحيط الإجتماعي لا سبيل له إلا السلم والموعظة 
الحسنة.. وفي غرس «المعروف». وفي اقتلاع «المنكر» لا بد من «العلم» قبل 


1 4 


ضرورة الاشتغال بالشئون العامه 


الآمر والنهي.. ولا بد من «الرفق» معهما.. ولا بد من «الصبر» يبعدهما.. 
فإن لم يثمر السلم في اقتلاع المنكر من المجتمع كانت الثورة «واجبا اجتماعيا» 
لتحقيق هذه الغاية وليست مجرد «سبيل مشروع»..#أذن للذين يقاتلون 
بأنهم ظلمواء وإن الله على نصرهم لقدير. الذين أخرجوا من ديارهم بغير 
حق إلا أن يقولوا ربنا الله ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت 
صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيراء ولينصرن الله 
من ينصره إن الله لقوي عزيز» . (:8) 

فالقتال «فريضة اجتماعية» على المظلومين ضد الظالمين.. على الذين 
أخرجوا من ديارهم ضد الذين أخرجوهم من هذه الديار.. فالصراع العنيف 
هنا هو مبضع الجراح الذي يعيد إلى المجتمع العافية والصحة والتوازن من 
جديد ..وهوء أيضاء «فريضة اجتماعية» لتحرير المستضعفين في الأرض» 
الذين عزلهم الطغاة عن امتلاك مقدرات أنفسهم وخيرات أوطانهم أوطانكم 
فآخرجوهم منها «حكما» وإن احتبسوهم فيها «فعلا».. وما لكم لا تقاتلون 
في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون 
ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل 
لنا من لدنك نصيرا09..!4*) ولنأمل دلالة الحديث النبوي: في هذا الحوار 
الذي بدأه الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان. عندما سأل رسول الله 
صلى الله عليه وسلم, قائلا: «يا رسول الله؛ أيكون بعد الخير الذي أعطينا 
شرء كما كان قبله 5» 

- قال الرسول: «نعم»! 

- قال حذيفة: «فبمن نعتصم»؟! 

- قال الرسول: «بالسيف» ..١‏ 0099 

ولذلكء كان رواد هذا المركب الصعب «شهداء».. أحياء عند ريهم يرزقون.. 
ف «من قتل دون دينه فهو شهيد؛ ومن قتل دون أهله فهو شهيد؛ ومن قتل 
دون دمه فهو شهيد؛ ومن قتل دون ماله فهو شهيد.. *1") 

وانطلاقا من تشريع القرآن والسنة لهذه «الفريضة الإجتماعية» ازداد 
فكر حضارتنا الإسلامية بقسمة «إيجاب الثورة».طريقا لتغيير مجتمعات 
الجور والفسق والضعف والفساد.. وقرأنا في فكر «المعتزلة» أنه «لا يحل 
لمسلم أن يخلي أئمة الضلالة وولاة الجور إذا وجد أعواناء وغلب على ظنه 


15 


الإسلام وحقوق الانسان 


أنه يتمكن من منعهم من الجور)..*2 وقرأنا في فكر «الأشعرية:< «إن 
الإمام إنما ينصب لإقامة الأحكام.. وهو في جميع ما يتولاه وكيل الأمة 
ونائب عنهاء وهي من ورائه في تسديده وتقويمه وإذكاره وتنبيهه وأخذ 
الحق منه إذا وجب عليه. وخلعه والإستبدال به متى اقترف ما يوجب 
خلعه»”*'' ناهيك بفكر «الخوارج» و «الزيدية» وغيرهم من الثوار.. . هكذا 
تجاوز الإسلام «بالإشتغال بالشئون العامة» نطاق «الحق الإنساني» إلى 
حيث أصبح «فريضة اجتماعية». يقع إثم التقصير فيها والتفريط بها على 
الأمة جمعاء !.. 

وإذا كانت شريعة الإسلام قد سنت القصاص عقوبة للقتل-فضلا عن 
الجروح-مستهدفة بهذا التشريع حفظ «الحياة».. «إيا أيها الذين آمنوا كتب 
عليكم القصاص في القتلى» . #ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب 
جلكي ستطون يه 1907 زز| كاي الوق نوي ساس سو الاتفافظة هلى 
«الحياة» فإن الحفاظ عليها «فريضة»» وليس مجرد «حق» بدليل تجريم 
الشريعة «للانتحار» إلى الحد الذي يجعله كفرا وقنوطا من روح الله !.. 
وهذا الحفاظ على «الحياة» ليس مجرد «فريضة فردية». بل واجتماعية 
أيضاء فالعدوان والحرب العدوانية مما يجرمه الإسلام.. بل إننا نستطيع 
أن تقول إن «حفظ التفس» الذي استهدفه الإسلام من تشريع 
«القصاصعءإنما يتجاوز حفظها حية: بالمعنى المادي, الذي يستوي فيه 
الإنسان مع الحيوان والنبياث: ويستلزم حفظ هذه النفس المحافظة على 
الضروراث والحقوق التي تجعل حياتها حياة إنسانية حقيقية ! وهذا هو ما 
يلزم من تكر يم الإسلام للإنسان على غيره من المخلوقات حتى الملائكة 
المقربين.. وما يليق ويتناسب مع هذا التكريم !.. «فحفظ النفس» فريضة 
فردية واجتماعية يلزم لقيامها الحفاظ على الضرورات التي تتوقف عليها 
الحياة الحقيقية والإنسانية المزدهرة للإنسان!.. 

ومثل ذلك تشريع الإسلام تحريم الخمرء بهدف الحفاظ على «العقل 
الإنساني».. فالحفاظ على هذا العقل قد يستلزم صيانته؛ لا من الخمر- 
بمعناها المعروف-وحدها وإنما صيانته من كل ما يغيبه عن الفعل والتأثير 
والإبداع في هذه الحياة.. إنه يستلزم حفظ الضرورات وتوفير الأسباب 
وصيانة الحقوق التي تجعل هذا العقل الإنساني عقلا فاعلا حقا !.. 


710 


الحجواشي 


(*1) آل عمران:104. 

(*2) آل عمران: ١10‏ , (*3) التوبة:67. 

(*4) المائدة: 79,78, (*5) رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن حنبل. 

(*6) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وابن حنبل. 

(*7) رواه الترمذي. 

(*8)الحج: 39, 40, (*9)النساء:75. 

(*10) رواه أبو داود وابن حنيل. 

)١1*(‏ رواه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وأبن ماجة وابن حنبل. 

(*12) القاضي عبد الجبار بن أحمد [تثبيت دلائل النبوة] ج 2 ص 574, 575. طبعة بيروت 
سنة 966ام. 

(*13) أبو بكر الباقلاني [التمهيد] ص 53 من مجموعة أ نصوص الفكر السياسي الإسلامي !- 
طبعة بيروت سنة 1966م. 

(*14) البقرة:179,178. 


717 


ضرورة اللمعارضه 


وإذا كان هذا هو مبلغ وضوح وتألق الفكر 
النظري للإسلام. حول «الضرورات الواجبة» لتلبية 
«احتياجات إنسانية الإنسان».. فهل عرف هذا 
«الفكر» الطريق يوما إلى «الممارسة والتطبيق/5 !.. 
أم أنه لم يغادر بطون الكتب ولم يعرف السبيل إلى 
الواقع والتطبيقة؟ ..١‏ 

إن مجتمعات غير إسلامية قد ذهبت على درب 
«حقوق الإنسان» إلى حيث أعطت هذا الإنسان 
«الحق» في الاختلاف مع «الدولة» و «السلطة» 
و«الولاة».. وأعطته الحق في أن يسلك سبيل 
«التنظيم» لدعم رؤيته المتميزة في شئون المجتمع 
عن رؤى الآخرين.. فأقرت حق «المعارضة الفردية» 
وحق «المعارضة الجماعية المنظمة». فسادت فيها 
«التعددية» بدلا من «الفردية والاستيداد».. 

والمثال الذي نريد أن نضريه لتجاوز فكر 
الإسلام؛ في هذه القضية: إطار «النظر» إلى ميدان 
والتختطبيية تخاصن حهذا الأو امسن 
«المعارضة»»فردية كانت هذه «المعارضة» أم منظمة.. 
أي «التعددية» في الرأي الفردي.. أو التعددية في 
«التنظيم»... وهو مثال تحتار أن يكون من عصر 
صدر الإسلام؛ لا لأنه هو العصر الذي تفرد بتطبيق 


70 


الإسلام وحقوق الانسان 


فلسفة الإسلام في «الضرورات الواجبة» لتحقيق احتياجات الإنسان: وإنما 
لأنه العصر الذي ينظر إليه الجميع على أنه «السابقة الدستورية» التي 
يجب القياس على «روحها ونهجها» في تطبيق النظريات والأفكار.. 

إننا نعلم أنه إذا كان الإتفاق في الأصول وفي الغايات والمقاصد واردا.. 
فإن الإتفاق في الفروع وفي المناهج والسبل يكاد يكون مستحيلا.. فإن كان 
موفف التطبيق الإسلامي. على عصر صدر الإسلام؛ من «المعارضة» كحق 
مشروع. بل كضرورة من الضرورات الطبيعية للإنسان 5 !.. 

واضح لمن يستقرئّ تاريخنا أن المسلمين لم يختلفوا في «الدين»»: ولم 
تنش فرقة من الفرق الإسلامية الرئيسية بسبب الخلاف حول عقيدة من 
عقائد الدين ولا أصل من أصوله وإنما كانت السياسة وفلسفة نظام الحكم.: 
ومنصب الخلافة؛ واختلاف المناهج في سياسة الأمة هي أسباب الخلاف»: 
الذي أقام الفرق» وأنشأ الأحزاب؛ وأشعل الحروب والصراعات؛ على امتداد 
التاريخ الإسلامي واختلاف أقاليم المسلمين !.. 

-١‏ فعقب وفاة الرسول؛ صلى الله عليه وسلمء: أجتمع الأنصارء من 
الأوس والخزرج. في سقيفة بني ساعدة. لاختيار من يخلف الرسول في 
سياسة الناس ورئاسة الدولة؛ واتجهت أنظارهم إلى سعد بن عبادة ١4[‏ هج 
/ 635 م] زعيم الخزرج. والمتحدث باسم الأنصارء وأحد النقباء الإثني عشر 
الذين بايعوا الرسول على تأسيس الدولة العربية الإسلامية الأولى؛ في 
بيعة العقبة؛ قبيل هجرة الرسول من مكة إلى المدينة؛ والمقاتل الذي حضر 
المشاهد والغزوات جميعها مع رسول الله. صلى الله عليه وسلم؛ تأسيسا 
للدولة وحماية لحرية الدعوة للدين الجديد .. ويقينا من الأنصار بأحقيتهم 
لهذا المنصب. لأن المدينة دارهم,؛ وسيوفهم هي التي نهضت بالنصيب الأكبر 
في تأسيس الدولة وحماية الإسلام: بايعوا سعد بن عبادة ليخلف الرسول؛ 
عليه الصلاة والسلام. في قيادة الدولة وسياسة الناس. 

لكن الخبر بلغ عمر بن الخطاب؛ فاستدعى أبا بكر الصديق؛ وصحبه 
على عجل إلى السقيفة: ولقيهما أبو عبيدة بن الجراح؛ فذهب معهما.. 
وهم قرشيون:ء ذوو مكانة قيادية في فريشء وسابقون إلى الإسلام؛ هاجروا 
إلى المدينة في سبيل الدين؛ وكانوا أعضاء في جماعة [المهاجرين الأولين]: 
التي كانت أشبه ما تكون بحكومة المدينة على عهد الرسول !.. وفي السقيفة: 


ضرورة المعارضه 


واجه أبو بكر الأنصار. وعرض الرأي القائل: إن «المهاجرين الأولين» هم 
الأحق والأجدر بمنصب الخلاقة: فهم أسبق إلى الإسلام: وأقرب إلى نبيه؛ 
وهم قرشيون: وأقدر-كان قريش ومكانتها في العرب-أن تجتمع عليهم وترض 
برئاستهم قبائل العرب. فتستمر وحدة العرب في دولة الإسلام. ! 

ولقد مالت الأوس-من الأنصار-إلى رأي المهاجرين الأولين. وتبعت عمر 
بن الخطاب في البيعة لآبي بكر الصديق خليفة على المسلمين.. وجرف 
التياو قزري هبارعواء الامسد بجعيادة كانه رفك الببعة لأبي بكر ظوال 
خلافة أبي بكر.. فلما ولي عمر بن الخطاب الخلافة؛ بعد أبي بكر. ظل 
سعد بن عبادة على رفضه لعمرء حتى توفاه الله ١4[‏ هج/ 635 م] .. ولم 
يحدث أن أكرهه أحد على البيعة» أو عاقبة على خلافة للأمة في هذا 
الأمر.. فدل ذلك على أن خلاف المسلمين واختلافهم في السياسة لا يقدح 
في عقائد الفرقاء المختلفين» ونهض هذا الموقف. منن ذلك التاريخ المبكرء 
شاهدا عل مشروعية المعارضة في فكر الإسلام السياسي والتجارب القائمة 
على أساسه.. بل إن التاريخ يحكي كيف كان سعد بن عبادة؛ عندما يشد 
رحاله حاجا إلى بيت الله الحرام؛ ينفرد بأداء مناسكه. ولا يتبع الأمير 
المعين من قبل الخليفة فى الإفاضة من عرفات!... ولقد حدث ولقى سعد 
بن كياد هجر ين المقطابه روفو اله بالديبة موكاق سفن راكيا خزمناء 
وعمر يركب بعيراء فدار بينهما حوار عنيف بدأه عمر: 

- هيهات يا سعد!.. 

- هيهات يا عمر!.. والله ما جاورني أحد هو أبغض إلي من جوارك!.. 

- إن من كره جوار رجل انتقل عنه!.. 

- إني لأرجو أن أخليها لك عاجلا إلى جوار من هو أحب إلى جوارا منك 
فق سابك فل 111 

فلم يفضب منه الخليفة عمر بن الخطاب. ولم يكرهه على البيعة له.. 
وتركه ورأيه حتى انتقل إلى جوار ربه !.. 

هنا.. نحن أمام صحابي جليل؛ عاش دون أن يبايع الصديق بالخلاقة.. 
ومات وليس في عنقه بيعة خليفة الفاروق.. . وهنا.. يثب إلى الذهن ما 
وريغ ف اللحكيدات الحرة الكاضيوة غردها نافن العراشمون على مهدب 
ركاسنة الدولة: وتتم عملية الإقتراع والإنتخاب فيفوز من يحوز ثقة الأغلبية.. 


الإسلام وحقوق الانسان 


لكن تظل الأقلية في موقع المعارضة له؛ فهي لم تبايعه. بل تواصل معارضتها 
له حتى يحين حين الترشيح والإنتخاب الجديد .. والذين يموتون من 
المعارضين لرئيس الدولة الإسلامية يموتون وليس في أعناقهم بيعة للرئيس 
أو الأمير أو الإمام !.. هنا يلح التساؤل على عقل المسلم وضميره الديني: 
ما حكم الإسلام في صلاح أمر هؤلاء المعارضين 5.. . لقد عاش الذين 
عاشوا منهم؛ ومات من مات دون أن تكون في أعناقهم بيعة للامام.. وضي 
المأثورات النبوية الشريفة أحاديث يرددها ويذيعها كثير من «أمراء» الجماعات 
الإسلامية الجديدة» تحكم بالجاهلية على من فارق الجماعة؛ وعلى من 
مات وليس في عنقه بيعة للإمام.. وهم بترديدهم هذه الأحاديث يوجبون 
الطاعة «للأمراء» على الكافة. ويحرمون «المعارضة». ويجعلونها إثما دينيا 
وخطيئة ترتد بصاحبها إلى الجاهلية بعد الإسلام؟ !.. 

فأين يقف الإسلام الحق في هذه القضية؟!.. وما هو قوله الفصل في 
هذا الإشكال؟ !.. إنه صحيح. وحق؛ وصدق أن رسول الله. صلى الله عليه 
وسلم؛ قد فال-قيما رواه عبد الله بن عمر-رضى الله عنهما: «من خلع يدا 
من طاعة؛ لقي الله يوم القيامة لا حجة له. ومن مات وليس في عنقه بيعة؛ 
مات ميتة جاهلية».#0) 

لكن الأمر الذي يغفله-أو يتغافل عنه-هؤلاء «الأمراء» أن هذه «البيعة»»التي 
يتحدث عنها الحديث النبوي الشريف كانت بيعة الذين آمنوا للرسول صلى 
الله عليه وسلمء؛ الذي دعاهم إلى الإيمان.. فهي البيعة له بالنبوة. وموضوعها : 
التوحيد والإسلام.. إنها البيعة التي خرجوا بها من الجاهلية إلى الإسلام؛ 
ومن ثم فإن خلعها والخروج من طاعتها. هي-بالقطع-عودة إلى الجاهلية 
مرة أخرى.. فهي لم تكن بيعة من «الرعية السياسية» لمحمد برئاسة الدولة 
لأن هذه الرئاسة قد جاءت تبعا. كضرورة اقتضتها «الدولة» التي تأسست 
لسياسة الرعية وحماية الدينء و إنما كانت بيعة من «المؤمنين» للنبي الرسول؛ 
عليه الصلاة والسلام.. فبيعة الرسول. هذه وحدهاء دون أية بيعة أخرى 
لآ بخليقة [وحكم أو اميرهي الت توضف ياذها هي «الإنادم )زوفي 
التدين بالدين الإسلامي.. إنهاء فى الحقيقة: بيعة الله سبحانه وتعالى؛ 
التي قال عنها لنبيه: «إن الذين يبايعونك إنما يبايعون الله».. *5) كما 
قال أيضا:...#من يطع الرسول فقد أطاع الله ومن تولى فما أرسلناك 


ضرورة المعارضه 


عليهم حفيظا4 ...7*) وليست كذلك بيعة أمراء السياسة والولاة والخلفاء 
والرؤساء في دولة الإسلام.. فمعارضة هؤلاء الأمراء. ورفض البيعة لهم. 
لاختلاف منهجهم السياسي وسبيلهم في سياسة المجتمع وحكم الأمة عن 
منهج المعارضين لهم. لا يعني الإنتقال بالمعارضين من معسكر الإسلام 
والإيمان إلى معسكر الجاهلية بأي حال من الأحوال.. 

إن الذين يرددون هذه المأثورات النبوية الشريفة. موظفين لها في غير 
موضعها وإطارهاء إنما يرتكبون خطأً سياسيا فاحشاء عندما يجتهدون 
لإسلاس قياد الأمة-كل الأمة-للأمراء. كل الأمراء.. ويرتكبون خطيئة دينية: 
عندما يذهبون فيسخرون المأثورات الدينية والأحاديث النبوية الشريفة في 
غير السياق الذي قيلت ورويت فيه.. وذلك باب واسع لشر مستطير شاع 
ويشيع في كتابات العديد من «الإسلاميين»!.. 

وإذا كان الصحابة؛ رضوان الله عليهم أجمعين قد حرصوا الحرص كله 
على التمييز بين «موضوع» البيعة السياسية و «موضوع» البيعة الدينية, 
اللتين اجتمعتا للرسول؛ صلى الله عليه وسلم وحده. فكانوا يسألونه؛ عليه 
السلام؛ في المواقف والمواطن الخاصة بالقرارات: ذلك السؤال الذي شاع 
في السيرة النبوية: يا رسول الله؛ أهو الوحي 5 أم الرأي والمشورة 5 وذلك 
ليسلموا الوجه لله؛ طاعة وإنقياداء إذا كان الأمر وحيا وديناء لأن في أ عناقهم 
هنا بيعة الإيمان والدحن لما اذا قاع انامز كاسنا بالسياسة وشكون 
الحكم وأمور الدنياء فإنهم يشيرون ويعترضون ويعارضونن دون أن يقدح 
ذلك في البيعة السياسية التي ارتضوا بها النبي. صلى الله عليه وسلم, 
حاكما للمجتمع والدولة.. إذا كان ذلك هو شأن الصحابة مع الرسول.. فكم 
هو شاذ ذلك الخلط الذي توظف به اليوم؛ هذه المأثورات النبوية» لتحرم 
الأمة من القيام «بضرورة المعارضة» عندما تقتضيها مصاحة الإسلام وحقوق 
المسلمين.. 

2- ولم يكن سعد بن عبادة وحده هو الذي تخلف عن البيعة لأبي بكر 
الصديق.. فلقد تلكأ وأبطأ نفر من بني أمية التفوا حول عثمان بن عفان.. 
ونفر من بني زهرة التفوا حول سعد بن أبي وقاص وعبد الرحمن بن 
عوف.. لكنهم بادروا إلى البيعة-بعد حين-عندما دعاهم إليها عمر بن الخطاب 
أبو عبيدة بن الجراح.. 


الإسلام وحقوق الانسان 


لكن رهطا من بني هاشم امتنعوا عن البيعة لأبي بكرء والتفوا حول علي 
بن أبي طالبء يريدونه الخليفة على المسلمين..واستمر امتناعهم هذا زمنا 
غير يسير.. ستة أشهر في رأي البعضء وأربعة في رأي البعض الآخر !.. 
وفي تلك الأثناء لم يكره أبو بكر عليا على مبايعته.. وعندما اشتد عمر بن 
الخطاب على علي كي يبايع؛ وقال له. في حضرة أبي بكر: «إنك لست 
متروكا حتى تبايع !».. تدخل أبو بكر ووجه الحديث إلى علي بن أبي 
طالب فقال له: «إن لم تبايع فلا أكرهك»! ولقد استمر علي بن أبي طالب 
على رفضه البيعة لأبي بكر حتى توفيت زوجته فاطمة الزهراء. رضي الله 
عنها.. وحتى تهدد خطر القبائل المرتدة عن وحدة الدولة المدينة ذاتهاء 
فنهض بدوره في تحصين المدينة وحراستها وحمايتهاء ثم ذهب فبايع أبا 
بكر بالخلافة والإمارة للمسلمين.. *5) 

وهكذا ثبت مرة أخرى. أن الخلاف في الرأيء والمعارضة في السياسة, 
ورفض البيعة للخليفة والإمتناع عن انتخاب الأمير واختياره؛ لا تقدح في 
العقيدة الدينية؛ ولا تقلل من ولاء الفرقاء-المختلفين-للوطن الجامع لهم 
جميعا !.. وكان ذلك شاهدا على مشروعية المعارضة السياسية في النهج 
السياسي للاسلام والمسلمين.. وإذا كان هذا هو حال الإسلام مع النظم 
العادلة» كما تمثلت في خلافة الصديق أبي بكر والفاروق عمر.. فإن موقفه 
تجاه النظم الجائرة يتعدى «مشروعية» معارضتها إلى «وجوب» المعارضة 
لهاء و «الثورة» عليها.. إنطلاقا من وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر 
عل سائر المسلمين.. ومأثورات الإسلام في هذا المقام أكثر من أن تحصى 
في هذا المقام !.. فالرسولء: صلى الله عليه وسلم-كما سبقت إشارتنا- 
يطلب منا التصدي لإزالة المنكر؛ بالفعل؛ فإن لم تستطع فبالقول. خطابة 
وكتابة وإعلاناء فإن لم تستطع فلا أقل من الرفض الواقع الجور وحكوماته 
يقولء عليه الصلاة والسلام: «من رأى منكم منكرا فليغيره بيده: فإن لم 
يستطع فبلسانه؛ فإن لم يستطع فبقلبه: وذلك أضعف الإيمان»! 60.. 
ويحذرنا صلى الله عليه وسلمء إذا نحن لم نجبر الحاكم الظالم وندخله في 
الحق قسراء كما يقسر الإطار الصورة على عدم الإنحراف فيقول: «لتأمرن 
بالمعروف ولتنهون عن المنكرء ولتأخذن على يد الظالم؛ ولتأطرنه على الحق 
أطراء أو ليضرين الله قلوب بعضكم ببعض ثم تدعون فلا يستجاب لكم»””.. 


84 


ضرورة المعارضه 
كما يعلمنا سلى اثلة هليه وسيل أن «فكيل الجهاة كلمة حق أمام سلظان 


جاطري: 69 
هو الفكر الذي وضعه المسلمون-«بالمعارضة»-في الممارسة والتطبيق.. 


الحواشي 


(*1) [ شرح نهج البلاغة] ج 6 ص 10, .1١‏ 

(*2) رواه مسلم. 

(*3) الفتح: 10 ,(4) النساء: 80. 

(*5) أنظر في خبر السقيفة وأحداث البيعة: [الإمامة والسياسة] لابن قتيبة-ج ١‏ ص 6- ١١‏ طبعة 
القاهرة سنة 1331 ه واتاريخ الطبري]ج 3 ص 207- 210.طبعة القاهرة الأولى. وأشرح نهج البلاغة 
١(ج6‏ ص 18,13- 20, 23, 39,24- 41, (*6) رواه مسلم والترمذي والنسائي وابن حنبل. 
(*7) رواه الترمذي وأبو داود وابن ماجة وابن حنبل. (*8) رواه أبو داود والترمذي والنسائي وابن 
عائعة رابن حليل, 


كن 


والمعارضة المنظمه 


وكما يسلم البعض «بوجوب الشورى». ثم يعود 
فيفرغها من جدواها بزعمه عدم إلزامها للولاة 
والحكام !.. كذلك يسلم البعض «بوجوب المعارضة» 
عند قيام أسبابها ومقتضياتهاء لكنهم يعودون 
فيحاولون تفريغها من جدواها وفاعليتها. عندما 
يبيحونها «فردية» ويحرمونها «جمعية-منظمة». في 
صورة الجمعيات والأحزاب التي نراها وتسميرهتها 
في عصرنا الحديث !.. 

وقبل أن نعرض لموقف الإسلام-كما نراه-في هذه 
القضية؛ نود أن نقول: إن الإقتصار على «المعارضة 
الفردية». في مجتمعات كمجتمعاتنا الحديثة؛ التي 
بلغت في تعقد الأمور هذا الذي بلغت. إنما يجعل 
من هذه «المعارضة»: صيحة في وادء ونفخة في 
رماد !.. إن شئون المجتمعات الحديثة قد بلغت في 
التشعب والتعقد إلى الحد الذي تتطلب فيه: 
«المؤسسات». إذا شئنا «الشورى» القادرة على جعل 
«القرار» أقرب ما يكون إلى الصواب.... و 
«الجمعيات.. والأحزاب»: إذا شئنا «المعارض» حقيقة 
وافعة. وليس مجرد زينة فارغة يتحلى بها جيد 
الإستبداد وقوائم عروش المستبدين !.. . إن الذين 
يشككون في «المشروعية الإسلامية» لقيام المعارضة 


6867 


الإسلام وحقوق الانسان 


المنظمة-مثل الأحزاب السياسية مثلا-في النظم الإسلامية ومجتمعاتهاء 
إنما يثيرون علامات الإستفهام حول مشروعية «التعددية» في الحياة 
الإجتماعية وتنظيماتها السياسية في المجتمع الإسلامي: الأمر الذي يجعل 
فكرهم هذا مكرسا-شاء أو لم يشاء؛ وعوا أولم يعوا-لخدمة نظم الإستبداد!.. 

ويزيد من أهمية جلاء وجه الإسلام الحق في هذه القضية أن الإنسان 
المسلم؛ الذي ينشأ نشأة إسلامية؛ يجد مصطلح الأحزاب مرتبطا في ذهنه 
ومخزونه التراثي بالشرك والمشركين الذين حاصروا مدينة الرسولولة. 
فى غزوة «الخندق»»ءالتى اشتهرت بغزوة «الأحزاب».. . وفى هذه الغزوة كان 
الصراع بين «المؤمنين» وبين «الأحزاب» أحزاب الشرك من قريش وحلفائها- 
.. .. وفي القرآن الكريم نقرأ: #ولما رأى المؤمنون الأحزاب قالوا هذا ما 
فغذكا اكله ورسوله وصدق الله ورسوله وما زادهم إلا إيمانا وتسليماك . .090 
ونقرأ: إجند ما هنالك مهزوم من الأحزاب. كذبت قبلهم قوم نوح وعاد 
وفرعون ذو الأوتاد. وثمود وقوم لوط وأصحاب الأيكة أولئك الأحزاب [4)198 
!.. . ونقرأ: #كذبت قبلهم قوم نوح والأحزاب من بعدهم وهمت كل أمة 
برسولهم ليأخذوه وجادلوا بالباطل ليدحضوا به الحق فأخذتهم فكيف 
كان عقاب *''4.. ونقرأ: «وقال الذي آمن يا قوم إني أخاف عليكم مثل 
يوم الأحزاب. مثل دأب قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم.؛ وما الله 
يريد ظلما للعباد4220.. 

كذلكء يردد المسلم؛ في كل عام-ولعدة أيام-عندما يذهب للمسجد أو 
يعود منه. وقبل الصلاة وبعدها في تكبيرات أيام عيد الأضحى: «لا إله إلا 
الله» وحده. صدق وعده. ونصر عبده. وأعز جنده: وهزم الأحزاب وحدى!*13) 
!١‏ كذلك يطالع المسلم في السنة النبوية: أنه قد كان من دعاء النبيككة. 
عند لقاء الأعداء: «اللهم منزل الكتاب؛. ومجرى السحاب. وهازم ا|الأحزاب؛ 
إهزمهم وانصرنا عليهم» !0" وأيضاء فمؤرخوا الفرق والملل والنحل 
الإسلاميون قد رووا ذلك الحديث النبوي الذي يتنبا بافتراق الأمة إلى 
ثنتين وسبعين فرقة؛ جميعها في النار إلا فرقة واحدة.. . الأمر الذي يوهم 
أن المشروعية قاصرة على جماعة واحدة. وحزب واحد. ومن عداه فهو في 
النار !.. . فعن أنس بن مالك قال: «قالء النبيِكةِ: إن بني إسرائيل تفرقت 
إحدى وسبعين فرقة؛ وإن أمتي ستفترق اثنتين وسبعين فرقة, فتهلك إحدى 


والمعارضه المنظمه 


وسبعين وتخلص فرقة . قالوا :يا رسول الله من تلك الفرقة ؟ قال: الجماعة, 
اللا 310 

ونحن نقول: إن هذا الحديث الذي شاع في كتب المقالات والفرق ليس 
حجة قاطعة في انحياز النهج الإسلامي ضد «التعددية» في ميدان التيارات 
السياسية والفكرية بالمجتمعات الإسلامية.. 

فالفرقة في «الدين» غير «التعددية» في السياسة.. وإذا كانت الأولى 
مذمومة. لوحدة الدين. وثبات عقائد. وأصوله. واكتمالها. ولحرمة القول 
فيها بالرأي وإخضاعها للتطور والإجتهاد .. فإن شئون سياسة الآمة. وعمران 
المجتمعات لا تستقيم: عادة, بوحدانية الفكر والفردية في الإجتهاد .. وضي 
إقرار.. وفي التنفين.. 

ثم» إن هذا الحديث-وهو من أحاديث الآحادء التي لا تلزم في العقائد- 
لم يطابق الواقع المضمون الذي أخبر عنه. ولا الذي تنبا به.. فلا فرق بني 
إسرائيل! وقفت عند إحدى وسبعين.. ولا فرق المسلمين وقفت عند اثنتين 


)1© ..١5 وسبعين‎ 


وإذا كان هذا الحديث قد تنبا بافتراق الأمة الإسلامية إلى اثنتين 
وسبعين فرقة فإن هناك حديثا ثانيا يتنب بافتراقها إلى فرقتين اثنتين.. 
فعن أبي سعيد «قال النبيِيكِة: تفترق أمتي فرقتين فيمزق بينهما مارقة 
يقتلها أولى الطائفتين بالحق».. 179 وهناك حديث ثالث يتحدث عن افتراق 
الأمة ثلاث فرق.. فعن أبي بكرة. عن أبيه قال: «ذكر النبييكةٍ. أرضا يقال 
لها البصرة, إلى جنبها نهر يقال له دجلة؛ ذو نخل كثيرء وينزل به بنو 
قنطوراء-#أي الترك4-فيتفرق الناس ثلاث فرق»؛ فرقة تلحق بأصلهاء وهلكوا . 
وفرقة تأخذ على نفسهاء وكفروا . وفرقة يجعلون ذراريهم خلف ظهورهم 
فيقاتلون؛ قتلاهم شهداءء يفتح الله تبارك وتعالى على بقيتهم)159".. 

إن أقصى ما يقال في أحاديث الآحاد هذه: إنها مأثورات قد أصابها 
تأثير الصراع بين المسلمين.. . وأقل ما يقال فيها: إنها خاصة بذم الإفتراق 
في «الدين». ولا يجب تعميم مضامينها لتشمل «التعددية» في السياسة, 
فبين المجالين تمايز أكيد .. إن الإفغتراق في الدين شر قد عصم الله منه. 
أمة الإسلام.. أما التعددية في السياسة؛ فلقد حدثت وتحدث-في تاريخنا 
وحاضرنا-ومع ذلك لم تقدح في إيمان مختلف الفرقاء بدين الإسلام !.. 


0890 


الإسلام وحقوق الانسان 


إن هذه المأثورات التي كونت وتكون المناخ الفكري الذي ينشأ المسلم في 
محيطه. قد ساعدت على تهيئّة الجو الذي أضفى قدرا من المشروعية على 
دعاوى أولئك الذين احترفوا اتهام المعارضين لنظم الجور والإستبداد بتهم 
«الخروج» على «إجماع» الأمة و «وحدتها».الأمر الذي شككء إسلامياء في 
مشروعية المعارضة المنظمة في الفكر السياسي الإسلامي وفي النظم 
السياسية الإسلامية.. ولقد أ في إفاعديذا المفهوم وترسيخة كر 
«فقهاء السلاطين».أولئك الذين منحوا المشروعية لنظم «التفلب 
والإستبداد».ودعوا إلى طاعة ولاة الجور والفسق والفساد إذا هم اغتصبوا 
السلطة بالقوةء بدعوى أن «الثورة» هي «فتنة».تعطل المصالح؛ وتجلب من 
الأضرار ما هو محققء وما يفوق المحتمل من الإيجابيات !.. مستندين في 
ذلك إلى ظواهر نصوصء عرضنا لهاء فأثبتنا ضعف حجتهم في الإستناد 
إليها والإستشهاد بها على الدعوى التي يدعون !.. 

بل إننا نستطيع أن نقول: إن الأدلة على أن المعارضة المنظمة هي «ضرورة 
إسلامية شرعية». تتجاوز كون هذه المعارضة مصلحة يقتضيها صلاح حال 
المسلمين الراهن. الأمر الذي يعطيها المشروعية الإسلامية: اليوم. حتى ولو 
لم يعرفها تاريخهم السياسي القديم.. كذلك فإن الأدلة على مشروعيتها 
تتجاوز نفى حجج الخصوم وتفنيد حقهم واتساق منطقهم عندما استندوا 
إلى بعض ظواهر النصوص ... إن الآدلة على مشروعية «التعددية» السياسية, 
في الإسلام: تتجاوز كل ذلك. عندما تجد لها شواهد أولية وصورا جنينية 
وتجارب بسيطة في الحياة السياسية والإجتماعية لمجتمع النبوة في صدر 
الإسلام !.: 

ضفي صدر الإسلام: كانت شورى المسلمين للرسوليكة. في شئون الدنيا 
لونا من ألوان المعارضة:؛ وإن لم تأخذ نظام الجماعات والأحزاب.. ففي 
المواطن الخلافية؛ وتجاه القضايا التي لم يكن الرأي فيها مستقرا معروفاء 
وعندما كان الرسول يدلي بالرأي. كان صحابته. رضي الله عنهمء يسألونه: 
يا رسول الله؛ أهو الوحي 5أم الرأي والمشورة 5.. أي أهو«الدين» جاءك فيه 
وحي السماء؛ فيجب علينا السمع والطاعة؛ وإسلام الوجه لله؛ دونما معارضة 
أو إعراض 5.. أم أن هذا الأمر «دنيا وسياسة». فهو موطن من مواطن 
الرأي والشورى والنقد والأخن والعطاء 5.. وعندما كان الرسولوكلة؛ ينبتهم 


560 


والمعارضه المنظمه 


أن هذا الأمرمما فيه للرأي والمشورة مجال.. أي أنه «سياسة». كانوا يدلون 
بآرائهم» فيتفقون ويختلفونء ويتابعون ويعارضون: دونما حرج أو تردد من 
معارضتهم لرسول الله. عليه الصلاة والسلام !.. 

ضفي غزوة بدر.اقترب الرسوليكة؛ بجيشه من مكان المعركة. وكانت 
هناك عدة آبار للمياه. فنزل الرسول عند أقرب بثر من هذه الآبار إلى 
المدينة. وكان بين المسلمين من له رأي آخر في المكان الذي يجب أن يعسكر 
فيه جيش المسلمين.. فتوجه الصحابي الحباب بن المنذر بن عمرو بن الجموح: 
ناشم هؤلاء الصبعابة إلى الرستول: ناكلا ع وطبيعة كرا زه هذا هل هو 
«دين» فله الطاعة والتسليم. لعصمته من الخطأ,. وانتفاء حق «المعارضة» 
فيه5.. أم هو «سياسة ورأي».فخضع للشورى والبحث والتعديل؛ وجواز 
«المعارضة» فيه5.. سأل الحباب رسول اللهوَككِةٌ.وقال: يا رسول الله «أرأيت 
هذا المنزل «المكان», أمنزل أنزله الله. فليس لنا أن نتقدمه أو نتأخر عنه؟ أم 
هو الرأي والحرب والمكيدة5».. فقال: عليه الصلاة والسلام: بل هو الرأي 
والحرب والمكيدة كمال الحباتةيا رسنول الله إن هذا ليس تيمدزل ١‏ 
فافانهض بناحتي نأتي القلب **'-«الآبار»-ثم نبني عليها حوضاء فنملؤه 
ماء. فنشرب ولا يشربون. فاستحسن رسول الله رأي الحباب؛ وفعله 9..! 
ففيما هو«رأي وسياسة ودنيا» رأينا الشورى والمعارضة واردة. يرحب بهاء 
ويشجع عليها ويفتح أمامها السبل-الحاكم والقائد محمد بن عبد الله؛ عليه 
الصلاة والسيلام: 

وبعد أن انجلت غزوة بدر هذه عن انتصار المسلمين على مشركي قريش؛ 
بقتل العديد من قادة الشرك وأسر عدد منهمء تشاور الرسولوقة؛ مع 
أصحابه في الموقف من الأسرىء فكان رأي عمر بن الخطاب مع قتلهم, 
وكان رأي أبي بكر مع أخذ الفداء وإطلاق سراحهم. وحبذ الرسول رأي أبي 
بكر وأمضاه.. فنزل القرآن ناقدا هذا الرأيء بعد إمضائه. ومحبذا رأي 
عمر بن الخطاب.. قال الله سبحانه: إما كان لنبي أن يكون له أسرى حتى 
يثخن في الأرض» تريدون عرض الدنيا والله يريد الآخرة:» والله عزيز 
حكيم/*”4.. واتفق مفكرو الإسلام على أن ما حدث مع أسرى بدر هو 
«خطأً» 

»بل واستدلوا بهذه الآية؛ كما يقول البيضاوي في تفسيره للقرآن؛ «على 


9 


الإسلام وحقوق الانسان 


أن الأنبياء يجتهدونء وأنه قد يكون خطأ. ولكن لا يقرون عليه»... ولكن 
أحدا من هؤلاء المفكرين لم يقل إن هذا الخطأً هو من نوع الخطأ في 
الدين-الخطيئّة الدينية-الذي يستوجب إثما دينيا لمن وقع منه. لآأن عصمة 
الرسوليكةٍ. في أمور الدين وتبليغ الرسالة وبيانها أمر اتفق عليه مفكرو 
الإسلام.. فالمجال هنا مجال «الرأي والسياسة»». وهو مما تجوزء بل تجب 
فيه «المعارضة». إذا قامت مقتضياتهاء وليس بفادح الخلاف والإختلاف 
والخطأ. في هذا المجال بالعقائد الدينية للأطراف المختلفين !.. 

وفي غزوة الخندق-«سنة5 ه»عندما «اشتد على المسلمين البلاء». بعد 
أكثر من عشرين ليلة من حصار المشركين للمدينة؛ راودت الرسولء عليه 
الصلاة والسلام. فكرة عقد معاهدة «حربية-اقتصادية» مع حلفاء قريش 
من «غطفان» وأهل «نجد». كي ينصرفوا عن حصارهم للمدينة وحلفهم مع 
قريش. وذلك في مقابل «ثلث ثمار المدينة». ففاوض في هذا الأمر قائدي 
غطفان: عيينة بن حصن الفزاري؛ والحارث بن عوف بن أبي حارثة المري.. 
واتفق وإياهماء وكتب لهما «مسودة» معاهدة بذلك.. 

ورغم أن رسول اللهيَكةٍ. كان هو الإمام الحاكم القائد وهو أولى بالمؤمنين 
من أنفسهم., إلا أنه كان في أمور السياسة هذه ينفذ أمر ربه له #وشاورهم 
في الأمر74*.. وكان الرسول يدرك ما للأنصار من خصوصية واختصاص 
في إمضاء هذه المعاهدة أو معارضتهاء فهم جزء من رعية الدولة؛ وفوق 
ذلك لهم ذاتية متميزة في إطار أمة السياسة؛ بما حملوا من عبء تكوين 
الدولة؛ وإيواء المهاجرين ونصرة الدعوة.. وأيضا باعتبارهم أصحاب الثمار 
التي سيحصل أهل «غطفان» و«نجد» على ثلثها لقاء فك حصارهم عن 
الدكة كان الأنصارء إذن؛ أصحاب مصلحة متميزة في شأن هذا الإتفاق 
فكان أن عمد الرسولويكة؛ إلى استشارة وزعيميم: سعد بن معاذ «5هج / 
6 م» وسعد بن عبادة «4اهج/ 635 م» «ققالا: يا رسول الله. هذا الآمر 
تحبه فنصنعه لك 5 أو شيء أمرك الله به فنسمع له ونطيع ؟ أو أمر تصنعه 
لنا 5 قال: بل صنعه لكمء والله ما أصنعه إلا لأنني قد رأيت العرب قد 
رمتكم عن قوس واحدة !.. . فقال له سعد بن معاذ: يا رسول الله والله لقد 
كنا نحن وهؤلاء القوم على الشرك بالله وعبادة الأوثان لا نعبد الله ولا 
نعرفه. وما طمعوا قط أن ينالوا منا ثمرة إلا بشراء أو قرى2*0 «أي 


92 


والمعارضه المنظمه 


ضيافة»-فحين أكرمنا الله بالإسلام؛ وهدانا له. وأعزنا بك نعطيهم أموالنا 
5.. والله لا نعطيهم إلا السيف. حتى يحكم الله بيننا وبينهم !..». 

وأمام هذا الإعتراض على مشروع المعاهدة؛ والمعارضة السياسية في 
هذا الشأن السياسيء نزل الرسولوكةٌ مسروراء على رأي جماعة الأنصارء 
وعدل عن الرأي الذي سبق له أن ارتآه.. «وقال لعيينة والحارث: «قائدي 
غطفان ونجد»: إنصرفاء فليس لكم عندنا إلا السيف. وتناول 
الصحيفة«مشروع المعاهدة» وليس فيها شهادة؛ فمحاها.... 2259 

لقد قامت هذه الواقعة التاريخية: وتقوم شاهدا على مشروعية المعارضة: 
بل وعلى ضرورتها. فلقد سعى الرسولء قبل إبرام المعاهدة؛ إلى مشاورة 
أصحاب المصلحة, ولم يكتف بانتظار مبادرتهم هم للمشاورة والمعارضة.. 
بل بحث عن المشورة والمعارضة فى مصادرها وفى مكانها !.. لأن هذا هو 
شان السياكدة وا لعارسية السبايسة في نهج الإسلام.. ولو كإق الأمر«دينا» 
لما كانت الشورى واردة ولا كانت المعارضة والإعتراض !.. 

وقصة الرسوليكة. مع تأثير-«تلقيح»-نخل المدينة وثمره. شاهدة هي 
الأخرى وشاهد على هذا التمييز: فى السنة النبوية الشريفة؛ بين ما هو 
«دين»ءلا شورى ولا «معارضة» فيه؛ وبين ما هود«دنيا وسياسة وحرف وزراعة. 
الخ» تجب فيه الشورى ويفرض فيه الإسلام؛ رعاية لمصلحة الأمة, الإعتراض 
والمعارضة؛ عندما تقوم دواعيها.. . فبعد هجرة الرسول إلى المدينة. وجد 
أهلها «يلقحون» نخلهاء فأشار عليهم بترك التلقيح فكانت النتيجة أن صار 
ثمر النخل «شيصا». فلما راجعوه. كان حديثه الشريف الذي حسم هذه 
القضية عندما ميز بين ما هو«دين» ثابت؛ لا تجوز المعارضة فيه؛ وبين ما 
هو «دنيا»» تمثل الشورى والمعارضة ضرورة من ضرورات انتظامه. يروي 
طلحة بن عبيد الله هذا الحديث فيقول: مررت مع رسول اللهوَة.في نخل. 
فرأى قوما يلقحون النخل. فقال: ما يصنع هؤلاء؟ قالوا : يأخذون من الذكر 
فيجعلونه في الأنثى. قال: ما أظن ذلك يغني شيئًا . فبلغهم: فتركوه. فنزلوا 
عنها-(وفي رواية عائشة لهذا الحديث: «فصار شيصا»)-غبلغ النبييكة فقال: 
إنما هو الظن:؛ إن كان يغني شيئًا فاصنعوه؛ فإنما أنا بشر مثلكم؛ وإن الظن 
يخطئ ويصيب. ولكن ما قلت لكم: قال الله. فلن أكذب عل الله-(وفي رواية 
عائشة: «فقال إن كان شيئًا من أمر دنيكم؛ فشأنكم به وإن كان من أمور 


06 


الإسلام وحقوق الانسان 


دينكم فإلى»)-(وفي رواية: «أنتم أعلم بأمر دنيكم».. )!04 

ففي الدين: عصمة؛ ووحيء ويقين» ووضع إلهيء لا مجال معه للشورى 
أو الرأي أو المعارضة والإعتراض.. أما في الدنيا والسياسة وعمران المجتمع 
ونظامه. فإن الحكم, بالغا ما بلغ» لا عصمة له.ومن ثم فإن إمضاءه الأمر 
قد يكون «بالظن» «والظن يخطىّ ويصيب»-كما قالوَلكةٌ .ومن ثم فإن السبيل 
إلى الإقتراب, أكثر فأكثر. من الصواب هو «الشورى»... وحتى تتحقق هذه 
الشورى بكفاءة وفاعلية» فلابد لها من «معارضة» مشروعة؛ تفجر في ملكات 
الناس وطاقاتهم الإهتمام بسبل الصلاح والإصلاح للمجتمعات!.. 

ولقد سبق أن أشرنا إلى أن تعقد شئون السياسة للناس والحكم 
للمجتمعات المعاصرة. قد استلزم «الشورى الجماعية» وكذلك «المعارضة 
الجمعية المنظمة».. . وإن اقتضاء «المصلحة» لهذا التطورء يمنحه المشروعية 
الإسلامية.. فمقاصد الشريعة أهمها العدل؛ ولا نعتقد أن منصفا يماري 
في أن العدلء إن في السياسة أو في الإقتصاد. قد غدا صعب المنال ما لم 
تتح لأصحاب المصلحة فيه. من جمهور الأمة. فرص الإنتظام والتنظيم في 
جماعات وأحزاب سياسية تسعىء؛ عبر الطرق المتميزة» إلى تحقيق هذا 
العدل المنشود .. 

ورغم أننا لا نميل إلى رأي الذين يبالغون فيدعون أن مجتمع المدينة: 
على عهد الرس ولوك والخلفاء الراشدين؛ قد عرف «التنظيمات» و 
«الأحزاب». على النحو الذي تعنيه هذه المصطلحات في عصرنا الراهن.. 
رغم أننا نرفض هذا الإدعاء المبالغ والمغالي في تقدير «تعددية» ذلك المجتمع 
البسيط.. إلا أننا نلمح «ملامح» جنينية لتجمعات قامت في ذلك المجتمع 
بذلك التاريخ؛ وهي وإن لم تكن «أحزابا وتنظيمات». إلا أنها كانت شكلا من 
أشكال التمايز القائم على «المصلحة ووجهة النظر». وهيء. بذلك؛ شهادة 
على قبول التجربة الإسلامية «للتعددية» في إطار وحدة نهج الإسلام 
وشريعته.. 

ففي ترجمة ابن الآثير للصحابية الجليلة أسماء بنت يزيد ببن السكن 
الأتصارية (30 هج / 650 م)-وكانت شجاعة قائدة خطيبة-ما يشير إلى 
جماعة لنساء المدينة. فامت تسعى للحصول على حقوقهن الموازية لما يبدلن 
في المجتمع الجديد من جهود !.. وكانت أسماء هذه قائدة في جماعة 


9 


والمعارضه المنظمه 


النساء تلك.. وإبن الأثير يتحدث عن ذهابها إلى الرسولوككي.ممثلة لهذه 
الجماعة. وحديثها إليه باسم من بعثنها من النساء. فيقول: لقد ذهبت إلى 
النبي.(صلعم)؛. وهو جالس إلى الصحابة: فقالت: يا رسول الله»«إني رسول 
من ورائي من جماعة نساء المسلمين؛ يقلن بقولي؛ وعلى مثل رأيي.. إن الله 
بعثك إلى الرجال والنساءء؛ فآمنا بك واتبعناك. ونحنء. معشر النساء. 
مقصورات مخدراتء؛ قواعد بيوت. وموضع شهوات الرجالء. وحاملات 
أولادكم. وإن الرجال فضلوا بالجماعات وشهود الجنائز, وإذا خرجوا للجهاد 
حفظنا لهم أموالهم, وربينا أولادهم: أفنشاركهم في الأجرء يا رسول الله 
5..غالتفت الرسول؛:(صلعم).بوجهه إلى أصحابه؛ وقال لهم: أسمعتم مقالة 
امرأة أحسن سؤالا عن دينها من هذه؟ فقالوا: لاءيا رسول الله. 
فقال:(صلعم).إنصرفي يا أسماء لموافقته تعدل كل ما ذكرت .١‏ فانصرفت؛ 
وهي تهلل وتكبر استبشارا بما قاله لها رسول الله !..7”*0) 

فنحن هنا أمام جماعة نسائية.. وبعبارة الصحابية أسماء بنت يزيد: 
«جماعة نساء المسلمين».. قامت تسعى لإنصاف النساءء بالإسلام الذي 
أتضف الرجال والتمباء !. 

وإذا كانت المعلومات قليلة جدا عن ذلك المجلس الذي اختص بتنظيم 
الشورى. على عهد الرسولككة. والذي كوو سو سين صطوي ايفان 
لدينا من المعلومات والوقائع ما يجعلنا نقول: إن عصر النبوة والخلافة 
الراشدة قد عرف هيئة(المهاجرين الأولين) تلك التي مارست كل ما يمارسه 
«التنظيم السياسي» في مثل مجتمع المدينة من اختصاصات ومهام !. 

لقد كانت هيئة (المهاجرين الآولين)ءفي المدينة» أشبه ما تكون بحكومة 
الرسول؛ (صلعم).في حياته.. وبعد ذلك. كانت هي التي استأثرت بمنصب 
الخليفة. ترشحه من بين أعضائها وتختاره هيء ثم يبايعه بعد ذلك المسلمون 
ويصدقون على قرارها ب «البيعة العامة».. بعد «البيعة الخاصة لهذه الهيئة». 
ولقد تكونت هذه الهيئة من عشرة من كبار الصحابة؛ يقود كل واحد منهم 
حيا من أحياء مهاجرة قريشء فكانت قيادة وراءها جماهير. أما العشرة 
فهم: أبو بكر الصديق.. وعمر بن الخطاب.. وعثمان بن عفان.. وعلي بن 
أبي طالب.. وطلحة بن عبيد الله.. والزبير بن العوام.. وعبد الرحمن بن 
عوف.. وسعد بن أبي وقاص.. وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.. أبو 


05 


الإسلام وحقوق الانسان 


عبيدة بن الجراح. 

ولقد ظلت سلطة دولة الخلافة الراشدة في هذه الهيئة حتى انتهت 
هذه الدولة وزال نظامها بانتقال الآمر إلى معاوية بن أبي سفيان.. . غفي 
السقيفة: قال أبو بكر: إن العرب لآ تدين إلا لهذا الحي من قريش»: أي 
الحي الذي تكون في المدينة من مهاجرة قريشء والذي تقوده هذه الهيئة 
من «المهاجرين الأولين».. وفي السقيفة. كذلك, بايع اثنان من هذه الهيئة- 
هما عمر أبو عبيدة-لثالث منها أيضا-هو أبو بكر-فتم لهم وله الأمر.. وعندما 
حضرت المنية أبا بكر استشار هذه الهيئة. وعهد إلى واحد منها بالخلافة- 
وهو عمر-ثم عقدت له البيعة العامة» أو بيعة العامة. بعد موت أبي بكر.. 
وعندما حضرت المنية عمر-بعد طعنه-كان قد بقي من أعضاء هذه الهيئة 
سبعة. هم: عثمان: وعليء. وطلحة, والزبير. وعبد الرحمن بن عوف. وسعد 
بن أبي وقاصء وسعيد بن زيد بن عمرو بن نفيل.. فكون عمر منهم مجلس 
الشورىء الذي اشتهر أمره. بعد أن أخرج منه إبن عمه سعيد بن زيدء 
ووضع في المجلس ابنه عبد الله؛ على ألا يكون له إلا المشورة فقط دون 
الولاية. حتى لا يلي الخلافة من عدي-رهط عمر-أكثر من واحد.. ولقد 
اختار هذا المجلس من بينه عثمان بن عفان؛ ثم عقدت له البيعة العامة 
فولى الخلافة بعد عمر.. 

وعندما حدثت فى السنوات الأخيرة من عهد عثمان الأحداث التى 
أغضبت غالبية السلمنة: كانت هيئة «المهاجرين الأولين» في مقادهة 
المحرضين على الخروج على عثمان.. لقد مارست المعارضة كما يمارسها 
الحزب السياسيء وسعت إلى استرداد سلطاتها عندما رأت أن بني أمية قد 
غلبوها عليها بسيطرتهم على جهاز دولة الخليفة الثالث عثمان بن عفان 
!.. وإبن قتيبة يذكر أن الرسالة التي خرجت من المدينة إلى الأمصار. تدعو 
الثوار للقدوم للعاصمة؛ والخروج على عثمان: قد خرجت باسم هذه الهيئة.. 
ونصها: «بسم الله الرحمن الرحيم. من المهاجرين الأولين: وبقية الشورى, 
إلى من بعمصر من الصحابة والتابعين.. أما بعد. أن تعالوا إليناء 
وتداركوا خلافة رسول الله قبل أن يسلبها أهلهاء فإن كتاب الله قد بدل؛ 
وسنة رسوله قد غيرتء وأحكام الخليفتين قد بدلت. فننشد الله من قرأ 
كتابناء من بقية أصحاب رسول الله والتابعين بإحسان. إلا أقبل إليناء وأخذ 


9 


والمعارضه المنظمه 


الحق لنا وأعطيناه. فأقبلوا إلينا إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخرء وأقيموا 
الحق على المنهاج الواضح الذي فارقتم عليه الخلفاء. غلبنا على حقناء 
واستولى على فيئّناءوحل بيننا وبين أمرنا. وكانت الخلافة بعد نبينا نبوة 
ورحمة؛ وهي اليوم ملكا عضودا . من غلب على شيء أكله»(*27 . 

فنحن هنا بإزاء بيان سياسيء؛ أصدرته هيئة سياسية؛ ذات اختصاصات 
دستورية وسلطات وحقوقء؛ عندما رأت أن خر وجا قد حدث عن العرف» 
واعتداء قد تم على ما تملك من سلطات وحقوق. 

وبعد مقتل عثمان. رضى الله عنه؛ أراد الثوار-الذين كانت المدينة تحت 
سلطانهم-البيعة لعلي بن أبي طالب بالخلافة. فأنبأهم أن الأمر, أولاء 
لبقية هذه الهيئة, وكانوا بالمدينة يومئذ-بالإضافة إلى علي-هم: الزبير, 
وطلحة....فذهب الثوار إليهم: فجاءوا وبايعوا عليا.. ثم دار الصراع بينهم 
بعد ذلك على الخلافة-كما هو مشهور-.. . أي أن الصراع دار بين من بقي 
من هذه الهيئة.. هيئة «المهاجرين الأولين».. وبعد موت طلحة والزبيرء بقي 
علي وحده في الميدان؛ فدار الصراع بينه وبين معاوية بن أبي سفيان.. ولما 
استشهد علي آخر أعضاء «المهاجرين الأولين». انتهت دولة الخلافة الراشدة, 
وانقضى نظامها .. . وانتقل الأمر إلى معاوية وبني أمية ملكا عضودا !.. 
9" إذن.. . فلقد عرفت التجرية السياسية الإسلامية. على عصر النبوة 
والخلافة الراشدة:؛ «مبدأ التنظيم»؛ و «الجماعات شبه المنظمة».. . بل 
وعرفت هيئة «المهاجرين الأولين» قيادة سياسية منظمة: ذات اختصاصات 
سياسية ودستورية.. .كما عرفت هذه التجرية «المعارضة المنظمة والجمعية», 
وذلك فضلا عن الشورى الفردية» ومعارضة الأفراد.. 

بل إننا إذا ذهبنا نستقرئّ أدبيات عصر النبوة ومأثوراته. وفي مقدمتها 
الأحاديث النبوية الشريفة؛ فلن نجد واف و دتري عاقيا ركه لن نجده 
منبوذا مداناء دائما وبإطلاق.. فالموقف بأدبيات ذلك العصرء من مصطلح 
«الحزب» محكوم بالمضمون والمحتوى.. فليس «الحزب» و «الحزبية» بالآمر 
المنكر في كل الأحوال!.. 

فكما كان البعض يسمى النبيِوَكة-باعتبار رئاسته للدولة«أمرا» باعتبار 
كذلك كانوا يسمونه مع صحابته «حزيا» !.. فالمؤمنون كانوا يسمون «حزب 
محمد».. . وفي ذلك يروي أنس ابن مالك. رض الله عنه. حديث الرسولء كك 


97 


الإسلام وحقوق الانسان 


الذي يقول فيه: «يقدم عليكم أقوام هم أرق منكم قلوبا» قال أنس: «فقدم 
الأشعريون: فيهم أبو موسى الأشعريء فلما دنوا من المدينة كانوا يرتجزون, 
يقولون: 

غدا نلقي الأحبة متمد | وجري 

وفي الحديث الطويل الذي يرويه البخاري في صحيحه؛ نجد مصطلح 
«الحزب» قد أطلق على كل من التجمعين اللذين تمايزاء وتمايزت مشاربهما 
ومصالحهماء بل وظهرت تناقضاتهماء في صفوف أمهات المؤمنين: زوجات 
الرسوليكل. ورضي عنهن... يروي البخاري «عن عاكشة؛ رضي الله عنهاء 
أن نساء رسول اللديَكة. كن حزبين. فحزب فيه عائشة وحفصة وصفية 
وسودة. والحزب الآخر أم سلمة وسائر نساء رسول اللديّككة. وكان المسلمون 
قد علموا حب رسول اللديَل. عائشة. فإذا كان عند أحدهم هدية يريد أن 
يهديها إلى رسول الله آخرها حتى إذا كان رسول الله في بيت غائشة بعك 
صاحب الهدية إلى رسول اللة في بيت عاقشة::فتكلم حزب أمسامة اللمة 
فقلن لها : كلمي رسول الله يكلم الناس فيقول: من أراد أن يهدي إلى رسول 
الله هدية فليهدها إليه حيث كان من بيوت نسائه. فكلمته أم سلمة بما قلن 
أقلن غلم يقل شيئا فسألنهاء فقالت: ما قال لي شيئاء فقلن لها: فكلميه: 
قالت فكلمته حين دار إليها أيضاء فلم يقل لها شيئاء فسألنهاء فقالت: ما 
قال لي شيئاء فقلن لها: كلميه حتى يكلمك؛ فدار إليهاء فكلمته؛ فقال لها: 
لا تؤذيني في عائشة؛ فإن الوحي لم يأتني وأنا في ثوب620 | 
عائشة. فقالت: أتوب إلى الله من أذاك يا رسول الله. 

ثم إنهن (أي حزب أم سامة) دعون فاطمة بنت رسول الله: فأرسلت إلى 
رسول الله تقول: إن نساء ك ينشدنك الله العدل في بنت أبي بكر.. فكلمته: 
فقال: يا بنية: ألا تحبين ما أحب #قالت: بلى؛ فرجعت إليهن فأخبرتهن؛ 
فقلن: ارجعي إليه؛ فأبت أن ترجع. فأرسلن زينب بنت جحشء فأتته. 
فأغلظت. وقالت: إن نساء ك ينشدنك الله العدل في بنت ابن أبي قحافة, 
فرفمت صوتها حتى تناولت عائشة: وهي قاعدة؛ فسبتهاء حتى إن رسول 
الله لينظر إلى عائشة هل تكلم ؟ ! قال-(الراوي)-فتكلمت عائشة ترد على 
زينب حتى أسكتتها. قالت: فنظر النبي إلى عائشة وقال: إنها بنت أبي 
بكر!..9**© والذي يعنينا في هذا الح هو افك نمطا رالخارت 


)31( 


مرأة إلا 


568 


والمعارضه المنظمه 


للدلالة على تجمع ألفت بينه روابط محددة؛ جعلته يخوض صراعا ضد 
«الحزب» الذي جمعته روابط أخرى.. ولقد بلغت حدة هذا الصراع إلى 
الحد الذي تأذى منه الرسوليَلئِة... وبعبارة القرطبي: أندمَكيةٍ «كان قد تأذى 
سعهن الزوجات. قيل:سألنه شيكا من رخن الدنيا «وقيل«زيافة فى الندعة 
وقيل: آذينه بغيرة بعضهن على بعض..2/**) حتى نزل قول الله سبحانه: 
«إيا أيها النبي قل لأزواجك إن كنتن تردن الحياة الدنيا وزينتها فتعالين 
أمتعكن وأسرحكن سراحا جميلا. وإن كنتن تردن الله ورسوله والدار الآخرة 
فإن الله أعد للمحسنات منكن أجرا عظيما4 ..!**" نزلت هذه الآيات. في 
سورة (الأحزاب) لتنهى هذين «الحزيين» عن إيذاء النبي بها بينهما من 
صراع.. فمصطلح «الحزب»بهذا المعنى-لم يكن غريبا على أدبيات عصر 
النبوة. وسنة الرسولء عليه الصلاة والسلام. 

أما القرآن الكريم: فإنه يتخذ من هذا المصطلح موقفا معياره: الفكر 
«والموقف. والهدف» الذي قامت وتسعى إليه هذه الأحزاب.. فهناك إحزب 
الشيطان» وهو«يدع وحزبه ليكونوا من أصحاب السعير4”**”.. لكن هناك 
أيضا الذين يؤمنون فيكونون «حزب الله»«اومن يتول الله ورسوله والذين 
آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون*7*”". والذين «رضي الله عنهم ورضوا 
عنه أولئك حزب الله ألا إن حزب الله هم المفلحون7*94.. فمصطلح 
«الحزب» و «الأحزاب» ليس مرفوضا- في القرآن الكريم-بإطلاق !.. 

وإذا كان القرآن الكريم قد دعا المؤمنين إلى أن يناضلواء منظمين؛ عن 
طريق إقامة جماعة (أمة) تنهض «بفروض الكفاية» بسبيله التي هي أهم 
وأخطر وأكد من «فروض العين» أتعين (الفردية).. . مثل الآمر بالمعروف 
والنهي عن المنكر وتأسيس الدولة. وسياسة الناسء. واستكمال نواقص 
العو وار وقد حياة الأمة؛ وإقامة العدل بين الناس.. . الخ-إذا كان القرآن 
قد دعا إلى ذلك فقال #ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويا مرون بالمعروف 
وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون14*”" فإنه. بهذه الدعوة؛ قد شرع 
للمؤمنين سبيل «التنظيم» الذي عليه وعلى أهله النهوض بالمراقبة والمحاسبة 
والتقويم للمعوج من شئون المجتمع العامة.. . بل وأوجب على المؤمنين 
سلوك هذا السبيل؛ وجعله «فرض كفاية» يقع الإثم على الأمة جمعاء إذا 
هي لم تسلك سبيله.... وإذا كان هذا هو موقف القرآن من «التنظيم» الذي 


99 


الإسلام وحقوق الانسان 


كلم ويكظم جماماف مزق ركباواقيم الاتكرجة والسياسية فزن 
بالاسقطامة ان مساوق ناذا إذا تسوك السرل ايا السلسية وتما دزي الطرق: 
فم الأففاق على الحاياف والأهداف كاقاموا اكثر من جماغة: واككر من 
حزب في مجتمعهم الإسلامي 5!..-وهل من حق فريق واحد أن يحتكر 
لحزيبه صفة «الشرعية» ويحجبها عن الآخرين ؟ !.. 

لا فطق ان النهج الإسلامى يعظى هذا الحق تفريق من الشرفاف. . 
فطالما كانت مصلحة المجموع-مجموع الأمة-هي الغاية. فلا بأس أن تتعدد 
الرؤى: وتتنوع السبل التي يسلكها المسلمون لتحقيق المضلحة العامة للأمة 
جمعاء.. 

إن الأسلام دين الفظرة:. + وتحن إذا الحتكمها إلى الفظرة انسن عط 
الله الناس عليهاء سنجد أن الإتفاق على المقاصد والغايات هو من الممكنات 
الطبيعية: الى تحيتها التفوس:. .وان التمددية فى السيل والمناهج والطرق 
هي الأمر الطبيعي المحقق لذاتية الإنسان: والحاغز لطاقاته على الإبداع.. 
فإذا كان انفاق الآمة على منفتروهيا اتحشارى ع اله الركيستية مرو 
من ضرورات الصراع ضد التحديات التي تواجههاء فإن إطلاق طاقات 
الإبداع لآبناء هذه الآمة, بالحرية؛ و بالتعددية والتنوع في إطار الوحدة. هو 
السبيل الأككر مشا والأدوم تفعا والأرس يناء لبلوع الآمة أهدافها القومية 
والحضارية: ولانتصارها على التحديات التي يفرضها عليها الأعداء.. !! 


الحجواشي 


(*9) الأحزاب: 22, (*10) ص:!١١-‏ 13,(*١١)غافر:‏ 5, (*12) غافر:30, 31, (*13) رواه البخاري 
ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي وابن ماجة والدارمي وابن حنبل. 

(:14) رواه البخاري ومسلم وأبو داود . وهو في ابن ماجة مع خلاف في بعض الألفاظ. (*15) رواه 
أبو داود والترمذي وابن ماجة وابن حنبل. 

(*16)أنظر كتابنا [تيارات الفكر الإسلامي] الملحق الخاص بافتراق المسلمين. طبعة دار المستقبل 
العربي. القاهرة سنة ١984‏ م.(*17) رواه ابن حنبل. (*18) رواه ابن حنبل. 

(*19) القلب-بضم القاف واللام-مفردها: قليب.. وهو البئر. (*20) إبن عبد البر الدرر في [اختصار 
المغازي والسير] ص .١١3‏ تحقيق: د . شوقي ضيف. طبعة القاهرة سنة 966ام. (*21) الأنفال: 67. 
(*22)[تفسير البيضاوي] ص 272. طبعة القاهرة سنة 1926 م. 

(*23) آل عمران: 159. 

(*24) بكسر القاف وفتح الراء. وقرى الضيف: إكرامه. (*25) [الدرر في اختصار المغازي والسير] 
ص 184. 

(*26) رواه مسلم وابن ماجة وابن حنبل. 

(*27) [أسد الغابة في معرفة الصحابة] الجزء الخاص بالنساء. طبعة دار الشعب. القاهرة. 
(*28) فان فلوتن [السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات في عهد بني أمية] ص 96. ترجمة: د . 
حسن إبراهيم حسن. ومحمد زكي إبراهيم. طبعة القاهرة سنة965! م. 

(*29) إبن قتيبة [الإمامة والسياسة] جاص32. طبعة القاهرة سنة 331اه. (*30) أنظر تفصيل 
الأسس التي تكونت على أساسها «هيئة المهاجرين الأولين» في كتابنا [الإسلام: وفلسفة الحكم] 
ص -6١‏ 65 طبعة بيروت سنة 1979 م. (*31) رواه ابن حنبل. 

(*32) المراد بالثوب: الخدر والفراش. 

(*33) رواه البخاري. في كتاب الهبة. (34) القرطبي أ الجامع لأحكام القرآن أي 4 ا ص 2 6 .١‏ 
طبعة دار الكتب المصرية. (*35) الأحزاب: 28 , 9 2 0 (*36) فاطر: 6. 


(*37) المائدة: 56, (*38) المجادلة: 22, (*39) آل عمران:104. 


9 شبهات علما السو. 


تلك هي السنة الحسنة؛ التي سنهاء بل وفرضها 
الإسلام: 

الحرية: كتدرورة ؤاخية.. تلفرد وتلجهاعة:. 
وعلى الفرد وعلى الأمة.. 

والشورى: في الأسرة.. والأمة. والدولة. 

وكنالك الغدل: :+ :قى التفسن»: والأمحرة: 
واللحتدي هم الأر كان وم للع داب 

ومثلها: العلم والتعلم.. في أمور الدين أو في 
شكون الدنيا..: 

والاستعال واتقرن :تنام الاتحيظ يرا افيه 
والآمة والإنسانية: أمرا بالمعروف ودعوة إليه ونهيا 
عن المنكر واقتلاعا له ولآثاره من الجذور !.. 

وإذا كان «تأييد» المعروف معروفا يثاب عليه 
الإنسان.. فإن «معارضة» المنكر فريضة واجبة في 
كووعة الأسعااد سواء كات مده المماريضية كردي 
وتلقائية» أم جمعية منظمة في صورة الجمعيات 
والأخزاب»: .“تلك هى السنة الحسنة الى فنتها 
الأيكاخمد.: ْ ش 

لكو قرا مو معلماء السو كوم موروغاهة 
الملوك والأمراء والسلاطين والرؤساء». ومن حولهم 
بطانة م وافوظائية النكر الس حفر سعبوا طريق 


الإسلام وحقوق الانسان 


هذه السنة الإسلامية؛ فذهبوا يحرمون ما أحله.. بل ما فرضه الله.. 
وسودوا الصفحات بما ينفر المسلمين من مصطلح «المعارضة» الإسلامية 
على وجه التحديد.... فالبعض منهم يبشر بعدم إلزام «الشورى» للحاكم,؛ 
مجردين: بذلك؛ «الشورى» الإسلامية-وهي فلسفة الحكم الإسلامي-من 
جدواها.. ومدعمين. بذلك. سلطات الإستبداد وسلطان المستبيدين !.. 

أما البعض الآخر فإنه لا يستحي عندما يزعم أن الإسلام يوجب على 
الرعية طاعة الحكامء. هكذا بإطلاق: وفي كل الأحوال.. . وأنه يطلب من 
الآأمة شكر الحكم إذا عدل. والصبر على ظلمه إن هو كان ظالما.. . وهم 
يحسبون أنهم يخدعون الأمة عندما لا يميزون بين «الإستسلام»والضعف 
والإستكانة للظلم والمنكر-وهي مما حرمها ونهى عنها الإسلام-وبين «الصبر 
الإسلامي». الذي هو شجاعة واحتمال في مواجهة الشدائد على درب 
النضال من أجل تطبيق فرائض الإسلام؛ وفي مقدمتها مقاومة الجور 
ومغالبة الظالمين.. . 

إن هذا النفر؛ من «علماء السوء». لا يستحون عندما يصورون الإسلام- 
الذي رأينا انحيازه إلى الحرية-على النحو الذي لا يليق !.. ولا يخجلون من 
القصور العقلي أو التقصير الفكري أو النفاق السياسي الذي يقف بهم عند 
ظواهر بعض النصوص.ء محاولين استخدامها-كشبهات-في تسخير «دين 
الحرية» ليكون سبيل الظلمة والمستبدين لإحكام قبضة ظلمهم واستبدادهم 
على رقاب أمة محمدء عليه الصلاة والسلام.. . وذلك بعد أن تفعل هذه 
«الشبهات» فعلها في إسلاس قياد الأمة وإلانة قناتها لاستبداد المستبدين!.. 

وإذا كانت الحكمة الشعبية المأثورة تقول: «إن من يآكل عيش الكافر 
يحارب يسيقة».: :فاتها تفلمتا لكاذا بيحارت :هذا التفرمن أشباه «العلمايئ 
بسيوف الظلمة والمستبدين ؟ !.. لكن.. . وحتى لا ينخدع أحد «بشبهاتهم» 
و «بمنطقهم». وحتى لا تجوز دعاواهم على بسطاء الناس.. . قلابد من 
تأمل نصوص الأحاديث النبوية؛ التي تمثل جماع «الشبهات» التي يتحصنون 
بهاء عندما يقفون عند ظواهرها.. لنرى وجه الحق والحقيقة في هذه 
النصوص.. فذلك هو السبيل لتحرير العقل المسلم والأمة المسلمة من القيود 
التي احترف ويحترف صنعها هذا النفر من «علماء السوء».. .. بل ولرفع 
الظلم الذي يلحقونه بسنة رسول الله؛ عليه الصلاة والسلام !.. وفي البدء؛ 


104 


شيهات علماء السوء 

نقول: 

إن جميع هذه النصوص هي «أحاديث آحاد»/”*'".. . وأحاديث الآحاد إذا 
كانت ملزمة في «الأمور العملية». فهي غير ملزمة في ج العقائد دء غلا 
حرج عل من لم يقتنع بمراميها في تكوين عقيدته السياسية. وفي علاقة 
المسلم بالسلطة والسلطان.. 

ثم إن هذه الأحاديث قد رويت في شئون السياسة وعلاقة الحكم 
بالمحكوم؛ فهي ليست من «السنة التشريعية» المتعلقة «بالدين» وتبليغ الرسالة, 
وتفصيل وتبيان ما أجمله الوحي إلى الرسولء؛ عليه الصلاة والسلام.. . أي 
أنها ليست متعلقة بالأصول والأركان والعقائد الدينية, التي هي «ثوابت 
الدين».. ومن ثم فلابد من عرض هذه المأثورات السياسية على معيار 
«المصلحة» مصلحة الأمة؛ الذي توزن به كل المأثورات التي رويت في غير 
«الدين» وتبليغ الوحي وعلوم الغيب والشعائر والعبادات.. 

إن الأحاديث النبوية التي رويت وصحت روايتها ووضحت دلالتها فيما 
هو من «الثوابت الدينية»هي «سنة تشريعية»,الواجب معهاهو 
«الإتباع».والوقوف عندما لألفاظها من دلالات في العصر الذي قيلت فيه.. 
. أما تلك الأحاديث التى رويت فى «المتغيرات الدنيوية»-ومنها كل شئون 
الدولة والسياسة والعمراة الاحكبافويكين ليست من«السنة 
التشريعية».والواجب فيها-كي نكون مقتدين ومتأسين بصاحبهاء عليه الصلاة 
والسلام-هو عرضها على المعيار الذي حكم إنشاءهاء وهو «مصلحة 
الأمة»»التي كانت هدف الرسول وهو يسوس الجماعة المحددة في الواقع 
المحدد بهذه الأحاديث.. . 

إن تنظيم الرسولوكة, للجيش الإسلامي في القتالء أثناء الغزوات. هو 
«سنة»استهدفت «المصلحة»-#النصر».. . فإذا اقتضت «المصلحة»وشروط 
النصر-اليوم وغدا-تغيير تنظيم الجيوش الإسلامية الحديثة عن تلك النظم 
والتنظيمات النبوية لم يصح لأحد-بدعوى التأسي والإقتداء-أن يطلب منا 
«الإتباع»لسنة تنظيم ونظام الجيش النبوي في غزوات الرسول؛ عليه الصلاة 
والسلام.. . لأن هذه «السنة»ليست من «السنن التشريعية»المتعلقة ب«ثوابت 
الدين»وإنما هي «سنة غير تشريعية»تتعلق «بالمتغيرات الدنيوية»... فمراعاة 
المصلحة المتفيرة والمتجددة هي المحققة للمعنى الحقيقي المستهدف من 


الإسلام وحقوق الانسان 


الاقتداء والتأسى بالرسول5!ة. فى هذا الميدان.. . وقس على هذا المثل كل 
الأحاديث التي رويت في كل «الفروع»و «المتغيرات».والسياسية والدنيوية 
بين «السنة التشريعية»وبين «السنة غير التشريعية».وأوضحوا لنا أمر هذا 
التمييز كل! الإيضاح.. وإذا شئنا-زيادة في الإيضاح-أن نضرب الأمثال لما 
قرره فى هذه القضية علماء الأصول الإسلاميون: فإننا نشير إلى علمين 

الأول: هو الإمام القرافيء أبو العباس أحمد بن إدريس*© 684 ه / 
5 ام ».. الذى خصص لهذه القضية كل صفحات كتابه: #الإحكام فى 
تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام».. وفيه يقسم السنة 

ولي تصنوطات الرسمول بالرسالة: الى يكم كوت رسؤلا بيلة وستالةرية 
ويبشر ويندذر بوحي السماء... 

وثانيها: تصرفات الرسول بالفتياء أي تلك التي تتعلق بالفتاوى التي 

وثائثها: تصرفات الرسول بالحكم, أي القضاءء وهي تلك التي تتعلق 
بقضائه بين الناس فى المنازعات.. . 

وتيا تسدركات الوسو ل بالافاة: ا السياطة وه الس تقحل 
على كل أقواله وأفعاله وإقراراته ونواهيه الخاصة بالدولة والسياسة فى 
مختلف الميادين والمجالات.. 

وبحد هذا التتسيم يحدد الأماح القرافى أن التسميق: الأول والكانن: 
من السنة-(أي التصرفات بالرسالة؛ وبالفتيا)-هما تبليغ وشرع:. يدخلان 
في باب الدين: 

أما القسم الثالث-(أي تصرفات الرسول بالحكم: أي القضاء)-فليست 
من «الدين»» اذ هي مغايرة لتصرفاته بالرسالة, وبالفتياء ومن ثم يجب الوقفوف 
بها عند محل ورودهاء لأن أحكام الرسول فيها مترتبة على ما ظهر له. عَلة 
وهق البيناك الح حكم بها وقضى بناء تعليها :. ولبست مينية على الويحن: 
الذي لا ينطق فيه عن الهوى!.. وكذلك الحال مع تصرفاته وسنته. كلد في 


1١006 


شيهات علماء السوء 


الإمامة؛ التي شملت إدارته لشئون السياسة العامة للدولة وفق المصلحة 
يكيم هو معوض إليه. وش هنا القس م كدكل الآكاى وانتستن والاكورات 
التي تتحدث عن: قسمة الغنائم؛ وتجييش الجيوش وتجهيزهاء والتصرفات 
المالية المتعلقة بالآرض والتجارة والحرف والصنائع والإقطاعات. وكذلك 
عقد المعاهدات. والأمور الإدارية المتعلقة بتعين القادة والأمراء والولاة والقضاة 
والعمال». + الخ: 

ضفي هذين القسمين من أقسام السنة النبوية-القضاءء والسياسة-لسنا 
ملزنين والاجاء والتقايو ]نينا تجو مطاف خط بإضاع تبن الى 
اثيمه الرفيول» عليه الصلذة والبتلام! فى مكناكة :وي سياسته الشكون 
الدولة.. فالقاضي المسلم مطالب بأن يقضي بناء عل البينات والأسباب 
كما كان الرسواج يعض يناء على البيقات والأمنافموريدل السيابية السلم 
وطالب يان يسو الآمة وفك نما يحقق مصالحها ومناضعها ويدظع متها 
الظدور والصران كما كان يقعل الريبول في تمبرفاتة بالاماضة والنياسة.. 
.وإذا نحن التزمنا هذه المبادئّ العامة والمعايير الكلية والمقاصد والغايات 
كنا 'مقعين للمننة التبوية: لآن :ذلك هو المحقق لعتكى قول اللةسبحانة 
وتعالى: «واتبعوه لعلكم تهتدون» .(*3) 

فليس الحكم والقضاءء وليست السياسة وشئون الدولة والمجتمع 
السياسية «دينا»وشرعا و بلاغا يجب فيهما التأسي والإحتذاء بما في 
السنة من وقائع وأوامر ونواه وتطبيقات حددتها ألفاظ الأحاديث. لأنها 
أفون قغررت يناء على بيناض كل اثرى الآن شيرهاء وه اتج متمبالع هي 
بالضرورة متطورة ومتغيرة.. وذلك عل عكس ما هو دين وشرع وبلاغ من 
هذه السنة التيؤية الشريفة: مكل ما جاع متها متعلقا بالرسالة: وبالفتيا: 
فإن الإتباع فيه واجبء والتقيد بأحكامه ومضامين ألفاظه شرط لصحة 
إيمان المؤمن بدين الإسلاه0. 

هكذا حسم الإمام القرافي القضية؛ وفصل أقسام السنة النبوية: وأرسى 
القواعد للتمييز بين ما هو «دين»وما هو «دنيا»-(قضاء وسياسة)-من سنة 
الرسول هليه الفبلاة والسباكه:... 

والثاني:-من علماء الأصول الذي نستشهد بفكره في هذه القضية-هو: 
ولي الله الدهلويأ*" -١١1١(‏ 176اه / 1699- 762 37 الذي طرق هذه 


107 


الإسلام وحقوق الانسان 


القضية باستفاضة:؛ في كتابه الفن (حجة الله البالغة).. وفيه قسم السنة 
النبوية إلى قسمين: 

أولهما: ما سبيله تبليغ الرسالة؛ وفيه قوله تعالى: إوما آتاكم الرسول 
فخدوه وما نهاكم عنه فانتهوا74*.. . ويدخل في هذا القسم: علوم الآخرة, 
وعجائب الملكوت. وشرائع وضبط العبادات.. . وبعض هذه العلوم وحي؛ 
وبعضها اجتهاد جاء بناء على ما علمه الله لرسوله من مقاصد الشرع؛ فهو 
بمنزلة الوحي.. . 

وثانيهما: ما ليس من باب تبليغ الرسالة؛ وفيه قوله وَكُ: «إنما أنا بشر, 
إذا أمرتكم بشيء من دينكم فخذوا به؛ وإذا أمرتكم بشيء من رأيي فإنما أنا 
بشر».. وقوله في قصة تأثير النخل: «فإني إنما ظننت ظناء ولا تؤاخذوني 
بالظن؛ ولكن إذا حدثتكم عن الله شيئا فخذوا به؛ فإني لم أكذب على 
الله... ما كان من أمر دينكم فإلي: وما كان من أمر دنيكم فانتم أعلم 
به,*.. وفي هذا القسم تدخل علوم الدنيا كالطبء والزراعة؛ والصنائع 
والحرفء وكل ما كان سنده ومصدره التجربة الإنسانية.. . والأمور المتعلقة 
بالسياسة من كل «ما يأمر به الخليفة»في الحرب والغنائم.. . الخ وكذلك 
أمور القضاءء لآنها مبنية على البينات والأيمان. وليست من باب تبليغ 
الرسالة والوحيء أي الشرع والدين.. 88) 

فكل ما خرج عن القسم الخاص بتبليغ الرسالة الدينية؛ من السنة 
النبوية-ومنها الأحاديث التي يقف عند ظواهر نصوصها هذا النفر من 
«علماء السوء»ءوالتي تنهي المسلمين عن التصديء بالمعارضة:؛ لولاة الجور 
ووضوز) لإبتدادتليين «ديناعواتها هو ودتبالوسياسسةورعلى التقل التتبلم أن 
يتناول موضوعاتها ابتداء بالنظر والإجتهاد, دونما تقيد بما يروي من 
النصوص والمأثورات... فقط عليه أن يلتزم المبادئ الحكمة للنظر في هذه 
لو 

والآن.. . لننظرء بعين «الدراية»إلى الأحاديث النبوية التي يستند إليها 
هذا النفر من «علماء السوء».في ادعائهم وجوب طاعة المحكومين للحكام: 
في العدل والظلمء كليهما. وفي ادعائهم تحريم «المعارضة»على المسلمين 
لحكامهم. وخاصة إذا كانت هذه «المعارضة»جماعية ومسلحة بسلاح 
التنظيم.. ودعواهم أن مذهبهم هذا هو حقيقة الفكر السياسي للاسلام!.. 


شيهات علماء السوء 


لقد آثرنا ألا نكتفي بما قدمنا عن عدم إلزام ما يستندون إليه من 
«أحاديث الآحاد»-عدم إلزامها للمسلمين في تكوين العقيدة السياسية.. 
وألا نكتفي بما قدمنا من عدم إلزامهاء لأنها من مرويات السياسة الخارجة 
عن «ثوابت الدين».وما هو «سنة تشريعية»من أحاديث الرسولء عليه الصلاة 
والسلام.. . ولو اكتفينا بذلك؛ أو ببعضه؛ لكفى في إسقاط حجية هذه 
المأثورات: وفي توهين السند الذي يستند إليه هذا النفر من «علماء السوء»!.. 
لكننا آثرنا كشف زيفهم: عندما فضلنا التدليل على أن هذه المأثورات: التي 
يستندون إليهاء لا تشهد لدعواهم التي يدعون.. . فلننظركما قلناءضي 
نصوص هذه المأثورات.. . 

صحيح أننا إذا نظرنا في عناوين «أبواب «كتاب الإمارة» في (صحيح 
مسلم)-الذي جمعه الإمام مسلم بن الحجاج (204- ١26هج‏ / 820- 875 م)- 
سنجد عنوان «الباب» الثاني عشر هو: «باب في طاعة الأمراء وإن منعوا 
الخشوقهم ء واثنا ستجن ظلواةاالباب التعادى حشر هوهوياب الأمربالضين 
عند ظلم الولاة واستتثارهم»....هذا صحيح... لكننا نتساءل: لماذا يقف 
فقهاء السلاطين وعلماء السوء عند «عناوين» هذين «البابين»5!؛ وعند ظواهر 
يعدن تمموضيينًا الف مرك الهاابغف كليل العدوناذ) لا يدون عفد 
عنوان «الباب» الثامن» في ذات «كتاب الإمارة»» وهو: «باب وجوب طاعة 
الأمر كن قور سيية. و تمر يفها قن امنضييةه لقان 

إنهذا «العنوان» يحرم الطاعة في المعصية.. فلم لا نتأمل «العناوين» 
الأخرى في ضوء هذا «العنوان»؟ !.. . و «ظلم الولاة واستثمارهم» وكذلك 
«منعهم الحقوق» عن أصحابها.. أليست معاصيء تحرم عليهم: كما تحرم 
على الرعية الطاعة فيها 5!.. وإذا جاء من يدعو إلى طاعة من «يمنع 
الحقوق» ألا يجب أن قول له: كيف تستقد إلى كلمات جاءت في «عنوان» 
وناب اصكقه مستف يوه قفاركن أن الله للرنكية زن دزا الأمانات إكن 
أهلها ؟ ! ؤإن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين 
الناس أن تحكموا بالعدلء إن الله نعما يعظكم بد: إن الله كان سميعا 
بصيرا4”*".. فأداء الولاة الأمانات-وهي حقوق المحكومين-فرض واجب.. 
والتخلف عنها ظلم محرم ومعصية صريحة وإثم ى مل الأركان.. . فكيف 
يطلب من الرعية الطاعة في المعصية والظلم والإثم الصريح 5 !.. 


1١09 


الإسلام وحقوق الانسان 


إن التعارض هنا لابد وأن يفسر في ضوء نصوص الوحي القرآني 
المحكمة؛ وروح الشريعة ومقاصدها التي توجب-بالقرآن والسنة-الآمر 
بالمعروف والنهي عن المنكر. والتصدي للظلمة والطغاة !.. وإذا «جاز» الصبر 
على الظلم عند العجز عن مقاومته.. وإذا كانت «الطاعة» واردة للأمراء 
الذين يمنعون الرعية حقوقها. فلذلك ضوابط تمنع الإطلاق: وتجعل الهيمنة 
للنصوص المتسقة مع روح الشريعة.. مثل أن تكون الحقوق الممنوعة خاصة 
بالمطيع وحده؛ وفي حالة ما إذا كانت المقاومة مستحيلة؛ أو مفضية إلى شر 
محقق يفوق الشر المتمثل في منع الحقوق.. . أما الدعوة إلى تربية الأمة 
على خلق «الصبر على الظلم والاستئثار» و «طاعة من يغفتصبون حقوقها» 
فليس من الإسلام: ولا مما يتسق مع روح شريعته الغراء.. . 

فإذا تجاوزنا «عناوين» «المصنفين»؛ التي يتوكاً عليها «حملة المباخر» من 
«فقهاء السلاطين» وذهبنا ننظر في نصوص الأحاديث النبوية الشريفة, 
التي وقفوا ويقفون عند ظواهر نصوص بعضهاء دون «فقه» أو «دراية» بما 
وراء ظواهر النصوصء ودون علم بالملابسات الخاصة التي قيلت لها وفيها 
هذه الأحاديث؛ ودون عرض هذه النصوص على ما يقيدها ويوضحها من 
الأحاديث التي رويت في ذات الموضوع: بل وربما رواها نفس الراوي.. إذا 
نحن ذهبنا هذا المذهب ظهرت لنا قلة بضاعة القوم في «علم الحديث». 
الذي يتمسحون فيه !.. 

أ-فهم يقفون عند الحديث الذي رواه أبو هريرة. رضي الله عنه. عن 
الرسول6ة: «من أطاعني فقد أطاع الله ومن يعصني فقد عصى الله. 
ومن يطع الأمير فقد أطاعني؛ ومن يعصي الأمير فقد عصاني»1""".. . 
يقفون عند ظاهر لفظ هذا الحديثء. ويوهمون الناس أن المراد هو «كل 
أمير»»؛ برا كان أو فاجراء عادلا كان أو ظال ما .. فالطاعة للأمير-مطلق الأمير- 
هي طاعة الرسولء التي هي طاعة الله.. . ثم يتلون قول الله سبحانه: «يا 
أيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم»*".. . 
لكننا إذا تجاوزنا «الرواية» إلى «الدراية».وإذا نظرنا نظرة «مقارنة» إلى 
هذا الحديث فسيتضح لنا: 

-١‏ أن ذات الراوي-أبي هريرة-قد روى عنه نفس الحديث مع فرق في 
بعض الألفاظ يقيد الإطلاق في «الأمير» الذي يطلب الرسول طاعته.. 


شيهات علماء السوء 


يقول الرس وليَككِةٍ -في هذه الرواية-: «من أطاعني فقد أطاع الله. ومن 
عصاني فقد عصى الله؛ ومن أطاع أميري فقد أطاعني. ومن عصى أميري 
فقن عضائي ".د وفاكراد: إذن أميزمحدد» هيقة الرسول: (صلعم)نوليس 
مطلق الأمير. حتى ولو كان ظالما مستأثرا يمنع الرعية حقوقها.. , 

2- (صحيح مسلم)-الذي خرج الحديثين-يورد الأول مرتينء؛ من طريقين: 
عن أبي هريرة.. على حين يورد الثاني خمس مرات. من خمس طرقء. عن 
أبي هريرة.. ومع ذلك يقف فقهاء السلاطين هنك ظاهر الرواية الأولى» 
دون أن يقيدوا لفظ «الأمير» فيها بالرواية الثانية... 

3- إن سياق ورود هذا الحديث. في (صحيح مسلم)ء يرشح اختصاص 
الأمر بأمير للجيشء عينه الرسولككة. قائد الإحدى سرايا الغزو والقتال.. 
آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم» «قد نزلت في عبد 
الله بن حذافة بن قيس بن عدي السهمي. بعثه النبي في سرية»*117.. . 
وطبيعي وبديهي أن تكون لأمير الجيش وقائده طاعة متميزة تماما عن 
طاعة أمراء السلم.. . خصوصا وهذا الأمير هو أمير الرسول؛ الذي اختاره 
ليقود السرية فى القتال: فالأمر؛ إذن» خاص بالحربء وبطاعة القائد أثناء 
القتال.. وهو قائد مختار ومعين من قبل الرسولء؛ عليه الصلاة والسلام. 

ب-وحديث آخر يقفون عند ظاهر ألفاظه. مستدلين به على وجوب 
الصير على الظلم, وحرفة «المعارضة» والمقاومة :لفك روى ابن عياس 
قول الرسولجَكةٌ: «من رأى من أميره شيئًا يكرهه؛ فليصبرء فإنه من فارق 
الجماعة شيراء كما ت: فميتته جاهلية,9*" ونحن ثلفت النظر» هنا: إلئ 
أن المطلوب هو الصبر على أمر «يكرهه» الإنسان, وليس على أمر يخالف 
منطوق الشريعة أو روحها.. فلقد يستدعى الأمر الناس ليقاتلوا في سبيل 
الله. أو لينفقوا في المصالح العامة ما فضل عن حواتجهم.. . ولقد يكره 
البعض هذا الذي يطلبه الأمير.. فالصبر على ما يكره الإنسان: في هذه 
الحال وما ماثلهاء هو المراد في الحديث. لأن الخروج عن الطاعة هناء 
وعدم تحمل المكاره فيه مفارقة «للجماعة». وهى التى ينهى عنها الحديث 
الشريف ويحذر منها.. فالأمير هنا مع الجماعة-التي قد تعني جمهور الأمة 
وجماعتها. وقد تعني سنة الرسول» عليه الصلاة والسلام-فهو مع الحق. 


الإسلام وحقوق الانسان 


وليس الأمير الظالم: الذي يطلب فقهاء السلاطين من الأمة أن تصبر على 
ما تكره من مظالمة التي يرزأ بها عباد الله.. . إن «المكروه». هناء هو من نوع 
ذلك الذي تحدثت عنه الآية القرآنية: #كتب عليكم القتال وهو كره لكم 
وعسى أن تكرهوا شيئا وهو خير لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم,؛ 
والله يعلم وأنتم لا تعلمون4 2"*7.. وليس المكروه دينياء فضلا عن أن يكون 
«الحرام» بمنطوق الشريعة وروحها !.. 

ج-وهم يستدلون على إطلاق السمع والطاعة للأمراء بحديث أبي ذر 
الغفاري. رضى الله عنه؛ الذي يقول: «إن خليلي أوصاني أن أسمع وأطيع: 
وإن كان «أي الأمير4 عبدا مجدع الأطراف»7*'". وهنا نسألهم: لماذا هذا 
الإطلاق: والروايات كثيرة. تكتنف هذا الذي قاله أبو ذرء وتذكر خطبة 
النبيكة. في حجة الوداع؛ وفيها يقول: «لو استعمل عليكم عبد يقودكم 
بكتاب الله فأسمعوا له وأطيعوا»7'' فالسمع والطاعة مقيدان بكون هذا 
الأمير-حتى ولو كان عبدا-يقود الرعية بكتاب الله. ويحكمها بشريعة 
الإسلام.. وليست طاعة للظلمة؛ وسمعا للمستبدين !.. ثم نسألهم: هل 
سمع أبو ذر وأطاع للصحابي العربي القرش معاوية بن أبي سفيان؛ عندما 
رأى منه ما أعتقده خروجا على نهج الإسلام السياسي والإقتصادي؟.. . 
وهل أطاع أبو ذر الخليفة الصالح عثمان بن عفان» وسمع له. عندما رأى 
تأييده لمعاوية في الخلاف الذي نشب بينهما حول فلسفة الإسلام في 
الأموال ؟!.. هل سمع أبو ذر وأطاع.: بإطلاق 5 !.. أم أنه «عارض». بل قاد 
«المعارضة». إلى الحد الذي انتهى به إلى منفاه في «الربذة» إلى أن مات 
وحيدا هناك 5!.. فلم لا نقيد الرواية بالأخرى 15 ولم لا نفسر الحديث 
بمثله 5!.. ولم لا نفقه الكلام عل ضوؤ الموقف العملي لراوية 5! !.. 

د-وبعض من فقهاء السلاطين وعلماء السوء هؤلاء يتعاملون مع بعض 
الأحاديث عل طريقة من يقف في الآية القرآنية عند كلمات: «لا تقربوا 
الصلاة.. . سكتا عن (وأنتم سكارى).. .. فيروي هذا البعضء عن عبد الله 
بن عمرو بن العاصء؛ قول الرسولككةٌ: «من بايع إماما فأعطاه صفقة يد. 
وثمرة قلبه؛ غليطعه إن استطاع»/***".. . يروون هذا الحديث دون أن يتأملوا 
معنى فَولِهيَككةٌ: «وثمرة قلبه». وما تعنيه من أن البيعة لم تكن شكلا فقطء. 
لإكراه أو إعزاء. وإنما صحب «صفقة اليد»» اقتناع قلبي.. ثم إنهم-وهذا 


شيهات علماء السوء 


هام جدا-يتجاهلون بقية الرواية» التي تدل على خطأ توظيف هذا النص 
بهدف دعوة الناس إلى طاعة الحكم., إذا هو خرج عن حدود العدل وروح 
الشريعة. حف ولو كانت قد سبقت له بيعة في أعناق الناس !.. فعندما 
ذكر عبد الله بن عمرو بن العاص هذا الحديثء. على عهد معاوية بن أبي 
سفيان: سأله عبد الرحمن بن عبد رب الكعبة: «أنشدك الله اك هف 
هذا من رسول اللهيَكلِةِ» ؟ ! غأجابه عبد الله: «سمعته أذناي ووعاه قلبي» !.. 
لكو عيب المسيي لم نه عند هذا الع الأند كان ير ونصاة يوظده كن 
مناخ مغاير لمناخه.. كان يرى «كلمة حق يراد بها باطل» !.. فقال لعبد الله 
بن عمرو بن العاص: «-هذا ابن عمك معاوية: يأمرنا أن نأكل أموالنا بيننا 
بالباطل؛ ونقتل أنفسنا. والله يقول: «يا أيها الذين آمنوا لا تأكلوا أموالكم 
بينكم بالباطل إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم ولا تقتلوا أنفسكم إن 
الله كان بكم رحيما».. 05" وعند ذلك-كما يقول عبد الرحمن بن عبد رب 
الكعبة-» سكت عبد الله بن عمرو بن العاص ساعة:؛ ثم قال: «أطعه في 
طاعة الله. وأعصه في معصية الله» !.. 

إن فقهاء السلاطين يتجاهلون بقية الحديث؛ ويقفون عند صدر النص- 
كحال من يقف عند #لا تقريوا الصلاة..4-رغم أن بقية الحديث قد رواها 
مسلم في صحيحه. وفي ذات الموضع الذي ينتزعون منه. فقطء ما يتوهمونه 
شاهدا عل دعوتهم إلى طاعة الولاة كل الولاة.. 

ه-وهم يحسبون أنهم قد تحصنوا ضد النقد»ء باستشهادهم بالحديث 
الذي رواه عبد الله بن عمر أعمر رضي الله عنهماء والذي يقول فيه 
الرسوليقةِ. : «من خلع يدا من طاعة لفي الله يوم القيامة لا حجة له؛ ومن 
مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية».. 02 يحسبون أنفسهم قد 
تحصنوا ضد النقدء لأآن ابن عمر كان يذكر هذا الحديثء. على عهد يزيد 
بن معاوية (25- 64 ه / 645- 683 م) تأييدا لطاعة يزيد ووفاء لبيعته- 
(ويزيد هو من هو ظلما وفسقا وطغيانا وبيعته قد اشتهرت فيها وسائل 
الترغيب والترهب)-!!... بل لقد ذهب ابن عمر إلى عبد الله بن مطيع (73 
ه / 692 م) الذي كان يقود القرشيين ضد جيش يزيد يوم غزوه للمدينة ضفي 
موقعة «الحرة» (63 ه / 682 م).. ذهب إليه ليحدثه بهذا الحديث. حتى 
يسمع ويطيع ليزيد.. 


الإسلام وحقوق الانسان 


اك مولا ونون ويساعلون هن امور ل يلبق باللا إغقاله ابر تلفق 
عنها !.. 

-١‏ فعبدالله بن مطيع قد أدرك أنه أمام حديث شريف.. لكنه يوظف في 
يزيد بن معاوية.. وعندما أضطر إلى الفرار يعد الهزيمة في «الحرة» الفرار 
ذهب إلى مكة فحارب ضد بني أمية مع عبد الله ابن الزبييب -١(‏ 73 ه / 
693-32 م).. وكان ينشد وهو يقاتل جيش الحجاج بن يوسف (40- 95 ه / 


0- 714 م): 
أناالذي فررت يوم الحرة 
والح درلاا اي ل فرلا ميرة 
تنا حصتيحن| الشكحرة تسفحة الحتفحكهره 
لأجزي نفرةبدتكغبرها! 


لقد أدرك أن «الطاعة» و «البيعة» اللتين عناهما الرسول في الحديث, 
ليستا طاعة وبيعة الذين استبدوا بالإمارة. واغتصبوا الحقوق؛ وذهبوا ضي 
سفك الدماء إلى حد قتل الحسين في كريلاء.... 

2- ويتجاهل فقهاء السلاطين الرواية الأخرى للحديثوالمروية هي 
الأخرى عن عبد الله بن عمر:والتي تقيد إطلاق «الطاعة»: فتجعلها «طاعة 
الله». وليست طاعة «الأمين» ومن ثم فهي تغيد «البيعة»: فتجملها «بيعة 
الرسول»#كلك: لا بيعة «الأمر»: لأن بيعة الرسول: وحدهاء هي التي كانت 
تعني الإنتقال من الجاهلية والشرك إلى نور الإسلام وتوحيده.. . أي أنها 
«دين»؛ وليست مجرد «سياسة». خلافها ومخالفتها تعني خلع الإيمان بالدين 
والعودة إلى الضلالة والجاهلية... يتجاهل فقهاء السلاطين هذه الرواية 
التي يقول فيها الرسو لكك «من مات على غير طاعة الله مات ولا حجة له: 
ل مات وقد نزع يده من بيعة كانت ميتته ميتة ضلالة»*21).. .. فالطاعة 
هنا-بصريح النص-طاعة الله سبحانه.. والبيعة هنا بحكم السياق-بيعة 
الرسولء لأنها كانت تعنى البيعة لله؛ فهى المحققة لطاعة الله «إن الذين 
يبايعونك إنما يبايعون الله يد الله فوق أيديهم فمن نكث فإنما ينكث 
على نفسه ومن أوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه أجرا عظيما» ... !0022 
«من يطع الرسول فقد أطاع الله»4 239).. 


1 4 


شيهات علماء السوء 


3- ثم إنهم لو وضعوا هذا الحديثء الذي اجتهد ابن عمرء رضي الله 
عنه؛ ليوظفه لصالح يزيد بن معاوية؛ لو وضعوه مع الأحاديث الأخرىء التي 
رواها ابن عمر نفسه. وفي ذات الموضوع.؛ لأراحوا واستراحوا.. فلقد روى 
ابن عمر قول الرسوليكةٌ: «على المرء المسلم السمع والطاعة؛ قيما أحب 
وكره؛ إلا أن يؤمر بمعصية. فإن أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة,0*0.. 
وروى كذلك حديث الرسوليَككِةٍ: «لا طاعة في معصية الله إنما الطاعة في 
المعروف259,... 

إنهم لم يفعلوا ذلك. كي لا يقيدوا المطلقء أو يفصلوا المجملء أو يستعينوا 
بالملابسات على فهم المراد.. .لا لمجرد القصور والغفلة-فالأحاديث مجتمعة, 
وفي ذات المصدرء وشديدة الوضوح-وإنما ليلجموا الأمة. بالطاعة. عن 
معارضة الإستبداد ومقاومة المستبدين... 

و-والعجبء كل العجب أن فقهاء السلاطين؛ هؤلاء الذين يتخيرون من 
ظواهر نصوص الأحاديث النبوية الشريفة؛ ما يربي الأمة على «السمع 
والظاغة» إن لا يستحقون سمغا ولا طاعة: إذا وحدوا تصيق: التعارض 
بينهما جليء اختاروا ذلك الذي يزرع في الأمة الخضوع للظلم والخنوع 
للظالمين والإستسلام للمستبدين: رغم معارضته للنصوص الكثيرة الداعية 
لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. وسلوك طريق مقاومة الجبارين 
حتى لو أفضى ذلك إلى الإستشهاد. ورغم روح الشريعة التي تنهي عن 
الظلم وترفض الخنوع للظالمين.. 

بل لقد رأينا كتب السنة النبوية الشريفة تنسب إلى الصحابي الجليل 
حذيفة بن اليمان (36 ه / 656 م) رواية حديث يدعو إلى «السمع والطاعة» 
للأمير. حتى ولو ظلم وتعدى حدود الشرع.. . ثم تنسب إليه رواية حديث 
ثان يدعو إلى مقاومة كل شر بالسيف.. وجدنا ذلك في كتب السنة.. 
ووجدنا فقهاء السلاطين يكثرون من ذكر الحديث الأول: وتخرس ألسنتهم 
فلا تذكر الحديث الثاني ولا تشير إليه.. ؛ رغم أن الأول قد جاء في مصدر 
واحد من مصادر كتب السنة» بينما جاء الثاني في مصدرين اثنين.. ورغم 
أن الأول يجافيء بمعناه. روح الشريعة ومنطوق القرآن والأحاديث الكثيرة 
الداعية لإنكار المنكرء ومقاومة الجورء والتصدي للاستبداد.. ففي(صحيح 
مسلم) نقراً: قال حذيفة بن اليمان: 


الإسلام وحقوق الانسان 


«-قلت: يا رسول الله إنا كنا بشرء فجاء الله بخيرء فنحن فيه. فهل من 
وراء هذا الخير شر ؟! 

- قال: نعم. 

- قلت: هل وراء ذلك الشر خير؟ 

- قال: نعم. 

- قفلت: فهل وراء ذلك الخير شر؟ 

- قال: نعم. 

- قلت: كيف ؟ 

- قال: يكون بعدي أئمة لا يهتدون بهدايء ولا يستنون بسني. وسيقوم 
فيهم ربجال قلوبهم قلوب شياطين في جثمان إنمن. 

- قلت: كيف أصنع: يا رسول الله؛ إن أدركت ذلك ؟ 

- قال: تسمع وتطيع للأمير, وإن ضرب ظهركء وأخذ مالك» فاسمع 
وأطع». 

ففى هذا الحديث-الذي اختاره ويختاره فقهاء السلاطين وعلماء السوء- 
دعوة للسمع والطاعة للأئمة الذين لا يهتدون بهدي الرسول ولا يستنون 
بسنته.. ودعوة للخضوع لمن قلوبهم قلوب الشياطين؛ حتى وإن ضربوا ظهور 
الرعية وانتهبوا أموالها.. ذلك هو اختيار فقهاء السلاطين.. أما (سنن أبي 
داود) و(مسند الإمام أحمد بن حنبل) فإننا نقرأ فيهما الرواية المختلفة: بل 
والمناقضة.. يرويها ذات الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان: 

«-قال حذيفة بن اليمان: يا رسول الله؛ أيكون بعد الخير الذي أعطينا 

- قال: نعم. 

- قلت: فبمن نعتصم؟ 

قال «الشيف :0 

وهنا نسأل: ألا تتفق هذه الرواية الثانية مع الأحاديث الكثيرة العدد, 
هبالاسنان» فزن بعجونا هباكر طن القلبي:الثاى يعني الإتكان ويشامى مع 
السمع والطاعة ؟ !.. وألا يشهد حديث الرسولككيِة. الذي روته زوج النبي 
أم سلمة رضي الله عنها. والذي يقول فيه: «أنه يستعمل عليكم أمراء. 


16 


شيهات علماء السوء 


فتعرفون وتنكرون؛ فمن كره فقد بريء؛ ومن أنكر فقد سلمء ولكن من رضي 
وتابع» 0699.. ألا يشهد هذا الحديث الشريف بأن الرضا والمتابعةأي 
السمع والطاعة-منهي عنهما حتى في حالة العجز عن الإنكار الإيجابي.. 
وأنه لا أقل-في حالة العجز هذه-من كراهة الظلم والجور والإستبداد والخروج 
عن روح الشريعة وعدلها ... 

ثم.. ألا يتضح لكل ذي لب ذلك الإتساق بين مضمون الرواية الثانية 
للحديث الذي رواه الصحابي حذيفة بن اليمان وبين إلحاح القرآن الكريم- 
كتاب الدين الأول-على فريضة النهى عن المنكر. .إولتكن منكم أمة يدعون 
إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر74.. . حتى لقد جعل 
القرآن من «النهي عن المنكر» صفة للمؤمنين والمؤمنات....«والمؤمنون 
والمؤمنات بعضهم أولياء بعضء يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويقيمون 
الصلاة ويؤتون الزكاة ويطيعون الله ورسوله؛ أولئك سيرحمهم الله إن 
الله عزيز حكيم2***4.. كما جعلها معيار التخير الله. سبحانه وتعالى؛ لأمة 
محمد.ء عليه الصلاة والسلام؛ دون أمم الرسالات الأخرى...«كنتم خير 
أمةأخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله4 2*0 .. 
وحدثنا عن أن التخلي عن هذه الفريضة كان السبب في غضب الله؛ سبحانه 
وتعالى: على بني إسرائيل؛ الذين «كانوا لا يتناهون عن منكر فعلوه لبئس 
ما كانوا يفعلون»90*4 , 

وأخيرا.. ألم يقرأ هؤلاء النفر من «علماء السوء». الذين يدعون أمة 
محمد إلى «بئس ما فعل بنو إسرائيل» 5!..ألم يقرءوا نص بيعة الصحابة, 
رضوان الله عليهم: للرسولكك-نعم.. نص بيعتهم للرسولء وليس لملك أو 
أمير-والتي يحدثنا عنها عبادة بن الوليد بن عبادة؛ عن أبيه عن جده: الذي 
يقول: «بايعنا رسول الله؛ (صلعم)؛ على السمع والطاعة؛ في العسر واليسرء 
والمنشط والمكره. وعلى أثرة عليناء وعلى ألا ننازع الأمر أهله. وعلى أن 
نقول بالحق أينما كناء ولا نخاف ضفي الله لومة لاثم..!*1©.. 

فلم تكن بيعة الصحابة للرسول على السمع والطاعة بإطلاق: لأن الأمر 
شورىء في شئون الدنيا والدولة والسياسة وقضايا العمران؛ ولذلك تضمنت 
البيعة النص على أن يقولوا بالحق أينما كانواء وعلى ألا يخافوا في الله 
لوج لاقم وى كاك ولك برع سيداب ة تفصوو علنية |الفسالاة والسالاة يكنا 


117 


الإسلام وحقوق الانسان 


بال هؤلاء النفر من «علماء السوء» و «فقهاء السلاطين»؛ يقفون عند ظواهر 
النصوص التي توهم-أو يوهمون بها الآمة-وجوب السمع والطاعة للأئمة 
الذين لا يهتدون بهدى الرسول ولا يستنون بسنته. بل ولمن يحملون في 
صدورهم «قلوب شياطين في جثمان إنس» 5!..محاولينء بالفتاوى التي 
يسودون :بها الصفحات:.صد الأمة عن النهوض بالفراكظن الواجية: 
والضرورات الشرعية؛ بالشبهات التي يختلقونها من ظواهر بعض النصوص 
5.. ما بالهم يصنعون هذا المنكر.. ويقترفون هذا الزور ؟ !.. ألا بئتس ما 
فعل ويفعل هذا النفر من «علماء السوء».. . 

إن انتفاء العصمة عن الأئمة والولاة والحكام والرؤساء. وعامة أولى 
الأمر. يجعل الخطأ ولمجاوز حدود الشريعة أمرا وارداء بل إنه. مع إغراء 
السلطة وإعانتها عل تجاوز الحدود. يصبح هذا الخطأ والتجاوز للحدود 
أشبه ما يكون بالقدر المقدور.. وصدق رسول اللهوَكةٌ. إذ يقول: «كل ابن آدم 
خطاءء. وخير الخطائين التوابون..**").. وأمام هذه الحقيقة تتجاوز 
«المعارضة» السياسية حدود «المشروعية» و «الحق الإنساني».: إلى حيث 
فلغ عرضية «الضرورة اكواسية شرهاء عل مجبوع الآمة: كما هو الحال مع 
سائر «الضرورات الشرعية الواجبة»». التي عدت في الحضارات غير 
الإسلامية مجرد «حقوق».. . وهي عندما تبلغ؛ في الإسلام هذه المرتبة, 
يصح التقصير في أدائهاء أو النكوص عنها إثما مجرماء يلحق وزره وعقابه- 
فضلا عن آثاره الدنيوية-يالأمة جمعاء !.. 


الحواشي 


)١*(‏ حديث الآحاد هو: الذي رواه واحد عن واحد عن واحد .. . وهكذا .. . أما «المتواتر» فهو الذي 
رواه جمع عن جمع عن جمع؛ مع استحالة اجتماع هذا الجمع وتواطتهم على الكذب.. والمتواتر من 
السنة قلة قليلة من الأحاديث. 

(*2) من أشهر فقهاء المذهب المالكي وعلماء الأصول.مصريء من أصل مغربيء ولد ونشأ وتوضي 
بمصر.. تتلمذ على يد العز بن عبد السلام (سلطان العلماء)؛ وكانت له-مثل العز-مواقف شجاعة 
في التصدي للولاة الظلمة والسلاطين الجائرين. بلغت مكانته العلمية إلى الحد الذي جعل بعض 
فقهاء المذهب الحنفي يقتبسون بعض كتبه فتمذهب بها الأحناف. والى جانب الفقه والأصول 
كانت له إسهامات في اللغة. ومن آثاره الفكرية: [الفرو ق] في أربعة أجزاءء و [الإحكام في تمييز 
الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام]؛ و [الذخيرة] في ستة أجزاءء؛ و[اليواقيت في 
أحكام المواقيت]؛ و [شرح تنقيح الفصول]؛ و [مختصر تنقيح الفصول].و[الخصائص]. و[الأجوبة 
الفاخرة على الأسئلة الفاجرة].. وكانت للقرافي: كذلك؛: جهود في «الفن» و «الصناعة» و 
«الإختراع»!... 

(*3) الأعراف: 158 

(*4) القراضي [الإحكام شي تمييز الفتاوى عن الأحكام وتصرفات القاضي والإمام] ص 86- 109. 
تحقيق الشيخ عبد الفتاح أبو غدة.. طبعة حلب سنة 967 ام. 

(*5) أحمد بن عبد الرحيم الفاروقي. فقيه حنفي, ومحدث. من أبرز علماء الهند؛. على يديه 
وبمؤلفاته نهضت علوم الحديث والسنة من كبوتها .. له آثار فكرية عديدة؛ منها : [الفوز الكبير في 
أصول التفسير]. [حجة الله البالغة]؛ في مجلدين: و[إزالة الخفاء عن خلافة الخلفاء]ءو [الإرشاد 
إلى مهما ت الإسناد]؛ و [الإنصاف في اشاب الخلاف]؛ و [عقد الجيد في الإجتهاد والتقليد]. 
وله ترجمة فارسية للقرآن؛ جعلها على نمط النظم العربي للقرآن؛ وسماها [فتح الرحمن في 
ترجمة القرآن]. 

(*6) الحشر#. 

(*7) رواه مسلم وابن ماجة وابن حنبل. 

(*8) ولي الله الدهلوي (حجة الله البالغة) ج | ص 128, 129- طبعة القاهرة سنة 352اه. 
(*9) النساء: 58. 

(*10) رواه مسلم. 

.59 النساء:‎ )١١*( 

(*12) رواه مسلم. 

(*13) رواه مسلم. 

(*14) رواه مسلم. 

(*15) البقرة: 216 


110 


الإسلام وحقوق الانسان 


(*16) رواه مسلم [ومجدع الأطراف. أي مقطوعها]. 
(*17) رواه مسلم. 

(*18) رواه مسلم. 

(*19) النساء: 29. 

(*20) ر واه مسلم. 

(*21) رواه الإمام أحمد. 

(*22) الفتح: 10 , (*23) النساء:80. 
(*24) رواه مسلم. 

(*25) رواه مسلم. 

(*26) رواه مسلمء 

(*27) آل عمران:2104 

(*28) التوبة:ا7, 

(*29) آل عمران:10ااء 

(*30) المائدة: 79. 

(*31) رواه مسلم. 


(*32) رواه الترمذي وابن ماجة والدارمى وابن حثيل. 


0 


فإذا كانت هذه هي مقاصد الشريعة الإسلامية 
في باب «الضرورات الواجبة» والفرائض اللازمة 
لتحقيق جوهر إنسانية الإنسان: عندما تهدت بها 
حد «الحقوق» وبلغت بها مرتبة «الضرورات 
الواجبة».. فإن من الأهمية بمكان أن ننبه إلى أن 
هذه الشريعة. التي فتحت الباب لأحكام جديدة 
كلما طرح التطور الجديد من القضايا والمشكلات.. 
إن هذه الشريعة-التي هذا شأنها مع الجديد 
والتطور والتجديد-لم ولن تقف في «الضرورات 
الواجبة» لحرية الإنسان وإنسانيته عندما أشارت 
إليه النصوص الأولى والمأثورات المروية أو اجتهادات 
الفقهاء القدماء.. فالشريعة مقاصدء وما أشارت 
إليه من تشريعات لا يعدو «النماذج» التي صيغت 
للتمثيل والإحتذاء.. وكما يقول الإمام السلفي ابن 
قيم الجوزية (691- |75 هج / 1292- 350ام): «فإن 
الله أرسل رسله وأنزل كتبه ليعوم الناس بالقسط؛ 
وهو العدل الذي قامت به السماوات والأرضء فإذا 
ظهرت أمارات الحقء. وقامت أدلة العدل وأسفر 
صبحه بأي طريق كانء: فثم شرع الله ودينه ورضاه 
وأمر.. والله تعالى لم يبحصر طرق العدل وأدلته 
وأماراته في نوع واحد وأبطل غيره من الطرق التي 


الإسلام وحقوق الانسان 


هي أقوى منه وأدل وأظهرءبل بين بما شرعه من الطرق أن مقصوده إقامة 
الحق والعدل وقيام الناس بالقسطء فأي طريق استخرج بها الحق ومعرفة 
العدل وجب الحكم بموجبها ومقتضاها. والطرق أسباب ووسائل لا تراد 
لذواتهاء وإنما المراد غاياتهاء التي هي المقاصد.ء ولكن الله نبه بما شرعه 
من الطرق على أسبابها وأمثالها..,!*') 

فمع تطور المجتمعات الإنسانية وتعقدهاء ومع تزايد الإحتياجات 
والضرورات اللازمة لتحرير طاقات الإنسان كي يبدع في هذه الحياة, 
ويبلغ بكوكبه في العمران مرتبة العروس التي أخذت زخرفها وزينتها .. مع 
هذا التطور الجديد تستجد لهذا الإنسان «حقوق».. بل «ضرورات واجبة» 
يفرضها الإسلام فتصبح «ضرورات شرعية واجبة» لتحقيق «الحياة» الحقة 
والإنسانية الحقيقية لهذا الإنسانء. على النحو الذي يليق به كخليفة عن 
الله. سبحانه؛ في هذا الوجود !.. 

وهنا يتساءل المرء: أي جريمة شنعاء تلك التي يقترفها البعض عندما 
يحرمون خليفة الله من «الضرورات الواجبة» لتحقيق مهام خلافته على 
النحو الذي أراده الله ؟ !.. 

لكن.. هل يكفي أن نبعث «فكر» الإسلام؛ الخاص بهذه القضية؛ من 
مرقده؛ ونقدمه إلى الناس فى هذه الصفحات 5 ..١‏ 

لهالا كلوق نعل أ المعره موكف مرك كينو تساف تأنه 
على النهضة والبعث الجديد الذي تحطم به القيود والأصفاد .. وهو المرشد 
الذي ينير للأمة الطرق كي لا تتعثر خطاها فتدمى بعقبات وأشواك «تجارب 
الخطأ والصواب».. إنه «حافز» و «مرشد».. لكن فعاليته مرهونة بالنضال 
الذي يحوله إلى «واقع» تعيشه الأمة؛ وتنعم بثمراته. عندما يخرجه من 
إطار «النظر» إلى حيز «التطبيق».. 

إن هدى الإسلام؛ في هذه القضية؛ مثله كمثل كل هدى جاء به هذا 
الدين الحنيف. سيظل «غيثا» ينتظر «النضال» الذي يحوله؛ بالممارسة 
والتطبيق. إلى ثمر يانع ينعم به الإنسان المسلم من خلال نهضة حضارية 
تغير الواقع البائس الذي أوقع فيه الإستبداد أمة الإسلام.. فلا جدوى من 
«غيث» لا يحيي الآرض الموات.. ولا حياة لآرض لا تحسن الإستفادة من 
«الغيث» الهاطل عليها من السماء !.. وصدق رسول اللدكَالة. عندما يعلمنا 


وبعد 


هذه الحقيقة؛. فيقول: «إن مثل ما بعثني الله. عز وجلء به من الهدى والعلم 
كمثل غيث أصاب أرضاء فكانت منها: طائفة طيبة؛ قبلت الماء. فأنبتت 
الكلاً والعشب الكثير.. وكان منها أجادب. أمسكت الماء. فنفع الله بها 
الناس؛ فشربوا منها وسقوا ورعوا.. وأصاب طائفة منها أخرىء إنما هي 
قيعان لا تمسك ماء ولا تنبت كلأً.. فذلك مثل من فقه في دين الله؛ ونفعه 
الله بما بعثني الله به. فعلم وعلم؛ ومثل من لم يرفع بذلك رأساء ولم يقبل 
هدق الله الذى أرسلت ين ؟(20).. صدق رسول الله 3ب 

هذا هو «هدى الله وعلمه» فى باب «الضرورات الإنسانية الواجبة».. 
فملينا 'آن تكون «الأرض الطيية», الت قبل ن«شيكه» كتمتفع به وتلمع يه 
الإنسان.. وذلك حتى يرفع الإنسان المسلم. بهذا «الهدى والعلم» رأسه, 
محطما قيود الإستبداد وأصفاد المستبدين !.. 

أما الذين يقفون عند حدود «مضغ الأفكار» و«ترديد النصوص 
والمأثورات»»دون توظيفها كأسلحة في معركة تغيير الواقع البائس: الذي 
يقهر بالإستبداد طاقات المسلمين؛ فإن القرآن الكريم يزري بهم» ويسخر 
من «دورهم» في هذه الحياة..«مثل الذين حملوا التوراة ثم لم يحملوها 
كمثل الحمار يحمل أسفاراء بئس مثل القوم الذين كذبوا بآيات الله والله 
لا يهدي القوم الظالمين4 0*7 فحامل «الهدى». الذي لا يذيعه في الناس, 
قريب-في الموقف-من المكذبين به والمنكرين له !.. والمردد «للهدى». دون 
سعي بالفعل-إلى جعله سلاحا لتغيير الواقع كي يتسق مع هذا «الهدى» 
الذي هدانا به الله.. هو «قائل» لغير الذي «يفعل».. وتلك كبيرة يستحقون 
بها مقت الله وبغضه الشديد .. فيا أيها الذي نآمنوا لم تقولون ما لا تفعلون 
9. كبر مقنتا عند الله أن تقولوا مالا تفعلون»!. (**) 

* إن دينا لم يكرم الإنسان كما كرمه دين الإسلام.. 

* وإن شريعة من الشرائع الدينية أو الوضعية لم ترفع «حقوق» الإنسان 
إلى مرتبة «الضرورات الشرعية الواجبة» كما صنعت ذلك شريعة الإسلام.. 

فعلى الذين يعون هذه الحقيقة أن يناضلواء بكل السبل والوسائل 
الإسلامية؛ لرفع عار الإستبداد وقيوده عن «واقع» المسلمين.. ولتنقية «الفكر» 
الإسلامي من التشوهات التي زرعها فيه نفر من «علماء السوء» وفقهاء 
السلاطينء الذين احترفوا التبرير لمظالم المستبدينء و باعوا آخرتهم الباقية 


الإسلام وحقوق الانسان 


بفتات من دنياهم الفانية عندما دعوا المستضعفين والمظلومين إلى الإستكانة- 
التي سموها: صبرا-عل ما تعافه نفوس المؤمنين الأحرار !.. وصدق الله 
العظيم إذ يقول: «ونريد أن نمن على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم 
أئمة ونجعلهم الوارثين» 7"....إنها إرادة الله. الذي أرسل إلى الناس 
رسوله. صلى الله عليه وسلم «يضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت 
عليهم4 ...6*0 فطوبى للسالكين كل سبيل لتحقيق إرادة الله.. والغاية من 
رسالة رسوله؛ عليه الصلاة والسلام !.. 


1 4 


الحواشي 


(*1) ابن القيم [أعلام الموقعين] ج 4 ص 373. طبعة بيروت سنة 1973 م. 
(*2) رواه البخاري ومسلم وابن حنبل. 

(*3) الجمعة:5 

(*4) الصف 3,2. 


(*5) القصص: 5 (*6) الأعراف: 157. 


وخائق 
مادا هده الوخائق ؟ 


لق آكرنا لهذه الدراسة الموجزة؛ عن موقف 
الإسلام من قضية «حقوق» الإنسان-وهو الموقف 
الذي ارتفع بها من «الحقوق» إلى «الضرورات 
الواجبة»آثرنا لهذهالدراسة أن تزدان بهذه 
المجموعة من «الوثائق». كنماذج شاهدة على عدد 
من الحقائق التي نحرص على أن نسلط عليها بعض 
الأضواء.. 

فهذه «الوثائق» ليست مجرد «فكر نظري»», 
أبدعه الأصوليون والفقهاء والمتكلمون.. أو الساسة 
الذين عاشوا في معسكر معارضة الدولة والولاة.. 
إنها ليست مجرد «فكر نظري»., حتى يقلل البعض 
من دلالتها على تأثير موقف الإسلام «الفكري» من 
هذه القضية على «الواقع» الذي عاشه المسلمون!.. 
فأغلب هذه «الوثائق» نصوص جسدت فكر ساسة 
ومفكرين حكموا وقادواء وكانت صياغتهم لأفكارهم 
في هذه «الوثائق» ضبطا وتقنينا لأفكارهم في هذه 
القضية. كي توضع في الممارسة والتطبيق. ولتكون 
الحكم والمعيار الذي يتحكم إليه المجتمع والأمة فيما 
يتعلق بالحقوق والواجبات الإنسانية.. فهي نماذج 


1١27 


الإسلام وحقوق الانسان 


«لفكر» وضع في «التطبيق». وجاهد أصحابه؛ من موقع الممارسة والمسؤولية 
العملية. لضمان استمرارية وضعه في الممارسة والتطبيق.. 

وحتى الذين لم يحكموا ولم يقبضوا على زمام الولاية؛ من أصحاب هذه 
«الوثائق». كانوا ثواراء ولم يكونوا مجرد مفكرين نظريين حالمين.. فهم قد 
صاغوا أفكارهم هذه الصياغة «الوثائقية». ثم جاهدواء !بالفكر والثورة, 
لوضع فكرهم هذا في موضع القيادة للمجتمع؛ حتى يكون المرشد والضابط 
للممارسة والتطبيق.. ومن هناء تأتي هذه «الوثائق» شهادة «للفكر» الإسلامي. 
بقدر ما هي شهادة «لتاريخ» المسلمين.. وهنا يبرز دور نشرنا لها في هذا 
السياق؛ كإسهام نرجو أن يفعل فعله في التبشير بإمكانية أن يكون حاضر 
أمتنا ومستقبلها الإمتداد المشرق والمتطور لخير ما في تراثها من قوة, 
ووحدة, وتقدم؛ وعلى وجه الخصوص: خير ما في تراث هذه الأمة من 
انتصار لكل ما يحقق جوهر إنسانية الإنسان.. 

وإذا كانت «قوة الفكر الإسلامي» و «حسمه» و «وضوحه» في ميدان 
الإنتصار لهذه «الحقوق-الواجبة». قد استطاعت مقاومة «الردة» التى مثلها 
وجسدها «الإستبداد السياسي». عندما ساد مراكز «الدولة» ووالولاية 
لحقب طويلة جدا في تاريخ أمتناء فحالت دون هذا «الاستبداد السياسي» 
ودون اكتساب «الشرعية» و«المشروعية». إلى الحد الذي وجدنا فيه انحياز 
جمهرة مفكرينا ومتكلمينا وفقهائنا إلى «الشورى» و «الإختيار» و «العدل» 
ورفضهم الإعتراف بشرعية «الإستبداد» و «المستبدين». بل وتسميتهم هذا 
الإستبداد ب «ولاية المتغلب» على السلطة.. إذا كانت هذه هي قوة «الفكر» 
في ميدان «الواقع». وهي قوة منعت عموم «بلوى الاستبداد». فإن شمول 
هذه النماذج من «الوثاكق», التي نقدم بين يديهاء لمختلف ميادين «الحقوق 
الإنسانية-الواجبة». هو شهادة ثانية لإسلامناء فكرا وحضارة وتاريها !.. 

إننا نريد-في هذا التقديم لهذه «الوثائق»-أن نسلط الأضواء لنلفت الأنظار 
ونوجه الآفكار إلى حقيقة تاريخية تقول: إن تاريخ أمتنا لم يكن ظلاما كله.. 
وإن التناقض بين «التطبيق». في هذا التاريخ: وبين «الفكر» لم يكن كاملا 
ولا حادا ولا. دائما.. إن البعض منا قد قسا ويقسوء وبالغ ويبالغ في تصوير 
ظالم ذلك التاريخ: لينفر من الظلم والإستبداد؛ وليزكي الدعوة إلى استلهام 
فكرنا الغني؛ ونحن نجاهد له لنهوض بالوافع الذي نعيش فيه.. وهذا 


وثائق 


مقبول ومفهوم.. لكن الكثيرين من أعداء هذه الأمة؛ ومعهم نفر من المنتسبين 
إليها. يسلكون هذا السبيل ليصلوا بواسطته إلى غرض خبيث.. فهم يصورون 
«تاريخنا» ظلما وظلاماء كي ينزعوا سلاح الأمة,المتمثل في هذا التاريخ, 
وهي تواجه ما يفرضونه عليها من تحديات.. وهم يوحون إلى الناظر في 
تراثنا الفكري أن ما بهذا التراث من حديث عن «حقوق الإنسان». هو «فكر 
نظري» لم يوضع يوما ما في «الممارسة والتطبيق». مستهدفين من وراء 
ذلك أيضاء نزع سلاح الأمة المتمثل في هذا «التراث الفكري». كي لا يسعى 
الجيل الحاضر إلى استلهام أصول حضارته وسمات قوميته والجوهري من 
معتقداته وما هو متقدم وفاعل من القيم التي ورثناها عن الأسلاف.. 

فظلم الماضيء والقسوة في تقييم تطبيقات السلف سلاح ماض ذو 
حدين: قد يدفع الأمة إلى عكس ما تريد. وضد ما هو مفيد.. ومن هنا 
تأتى أهمية إشارتنا-غي هذا التقديم-إلى شمول هذه «الوثائق» ميادين عديدة 
كاده ففطلى يدحت والحقوق الوا خية اللؤتسسارنن 

-١‏ ففيها الدستور المدون: والمصاغ صياغة قانونية.. والذي صيغ وطبق 
منن اللحظات الأولىء لتكوين «الدولة» العربية الإسلامية الأولى.. أي منذ 
أكثر من أربعة عشر قرنا !.. 

2- وفيها النصوص التي تحدثت عن «العقد» السياسي والإجتماعي بين 
الحكم [الوالي] وبين المحكومين [الرعية]. والتي قننت «الفكر السياسي» 
الضروري لسياسة الرعية سياسة تحقق للناس «الحقوق الإنسانية-الواجبة».. 

3- وفيها التشريع القانونيء وتقاليد القضاء وآدابه وضروراته اللازمة 
للوفاء بتحقيق المساواة والعدالة بين الفرقاء.. 

4- وفيها التقنين لجهاز الدولة؛ والولايات التنفيذية. على النحو الذي 
يجعلها في خدمة الرعية, لآنها وكيلة عنها ومستتابة في رعاية مصالحها!.. 

5- وفيها التحديد الواضح لفلسفة الإسلام في الأموال؛ كنهر أعظم 
وعام للأمة والناس شربهم!*' فيه سواء.. 

6- وفيها الصياغة «البليغة-الدقيقة» لفكرنا الإجتماعي الإسلامي.. 
ولحدود التمايز الطبقيء والموقف منه.. وللعلاقة المثلى بين «الدولة» ومختلف 
الطبقات الإجتماعية في صفوف الرعية.. 

7د وفيها موق بحضارها من «الاورة», سيل من ميل التعيير المنيفة 


120 


الإسلام وحقوق الانسان 


لتخم القين والظلم والأسكيداده. والموكت مسرو اكالم وإمافة اواو 
لفئات الآمة وطبقاتها عقب الثورات.. 

8- وفيها حديث عن «الشورى» التي هي فلسفة نظام الحكم الإسلامي.. 
وكيف كانت هدف الثائرين على ظلم «التغلب» وولاة الجور والإستبداد.. 

وفيا التاكين على بجح الأئنة «الطابيعي شرفي بل بو انيه ادي 
أن تكون مصدر السلطة والسلطان. 

إنها نماذج من «الوثائق» تنصف «الفكر» و«التاريخ» معا. وتشهد ل «نظر» 
المفكرين: ول «جهاد» الثوار. ول «عدل» كثير من الخلفاء.. فتنفي عن تراثنا 
الحضاري ظلما عظيما ألحقه به باحثون كثيرون.. 


خصوص الوثاذق وأبسرز أفكارها 
محمد رسول اللدئة 


[الصحيفة ا لكتاب] 
اه / 622م 


أبعرز الأفكار : 

المصادر التاريخية تسمى هذا الدستور: «الصحيفة» و«الكتاب» وتسميتها 
هذه مأخوذة من صلب هذا الدستور.. فهو «كتاب من محمد النبي؛ رسول 
الله. بين المؤمنين والمسلمين.. ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم» وبين 
غيرهم من أهل يثربء الذين دخلوا في رعية الدولة الجديدة دون أن 
يدخلوا في الإسلام الدين وفي جماعة المؤمنين والمسلمين.. والرعية 
المحكومون به يوصفون بأنهم: «أهل هذه الصحيفة». 

وإذا كان مصطلح «الدستور» من المصطلحات المعربة؛ التي دخلت العربية 
من اللغات الآأخرىء وإذا كان هذا المصطلح يعني-حديثا-: «مجموعة القواعد 
الأساسية التي تبين شكل الدولة ونظام الحكم فيهاء ومدى سلطتها إزاء 
الأفراد»*©.. فإن هذه «الصحيفة»«الكتاب»-هى «دستور» الدولة العربية 


الإسلامية الأولى» بكل ما يعنيه-حديثا-مصطلح «الدستور» من مضامين.. 


وثائق 


وإذا كانت مصادر التاريخ لا تذكر لنا كيف «وضع وصيغ» هذا الدستور.. 
. فإنناء بحكم القاعدة الإسلامية الشرعية: نميل إلى أن وضعه وصياغته 
هي ثمرة لمشاورة الرسوليكةٍ. لوجوه الرعية؛ الذين يسمون فيه «أهل هذه 
الصحيفة» فهو نص ينظم شؤون الدولة ويقنن العلاقات الدنيوية بين رعيتها 
بالدرجة الآولى؛ ومن ثم فإن موضوعه هو مما تجب فيه الشورى الإسلامية: 
وفق منطوق ومفهوم القرآن الكريم.. 

ولقد صيغ هذا الدستورء لينظم القواعد الأساسية لدولة المدينة ورعيتهاء 
بعد أن نزل الوحي بقسم كبير من القرآن الكريم.. . فكان ذلك دليلا على 
أن «القرآن» بالنسبة لدستور الدولة: هو الإطار؛ فيه «المبادئ». و به «الروح» 
والمقاصد والضوابط والغايات. وليس هو نص الدستور وذات مواده وعين 
قوانينه.. . فوجود القرآن الكريم لا يغني؛ في نظام الدولة. عن الدستور 
الذي يضبط القواعد وينظم الحقوق ويحكم العلاقات ويصوغ جميع ذلك 
صياغة دستورية محكمة الدلالة بينة الحدود .. . 

وإذا كانت الدولة التي صيغ هذا الدستور مع تأسيسها قد قامت في 
السنة الأولى من سني الهجرة [سنة 622 م] فإن حقيقة وجود دستور مكتوب 
لهذه الدولة: عرفته حضارتنا العربية الإسلامية. هي سنة من سنن الإسلام 
السياسيء لا تدعو إلى الفخار فحسب., وإنما تدعو-قبل ذلك وفوقه-إلى 
العض عليها بالنواجن كي لا تغيب هذه السنة من قسمات «الدولة» ومقوماتها 
في دنيا الاسالاع السياسىنوواقع السياشة عدن السلميق».ففيابها شعلا 
أو فعلاء عار لا يليق بخلف عرف أسلافهم هذه السنة الحسنة قبل أربعة 
عشر قرنا من الزمان. 

وفي هذا الدستورء الذي قامت على أساسه دولة متحضرة. فى 
«الحاضرة» «يثرب» التي تحيط بها بيئة تغلب عليها «الدد اراق رودو قذي كان 
ثمرة إسلامية للشريعة التي أخرجت العرب من ظلمات الجاهلية إلى نور 
الإسلام... في هذا الدستور يستطيع المتأمل أن يرصد الكثير من المبادئٌ 
والقواعد, التي مثلت معالم على درب تطور وتقدم وتحضر وتحرر إنسان 
ذلك العصر.. . بل والتى لازالت تحمل الكثير من الخير لإنسان العصر 
الذي نعيش فيه !.. ١‏ 

ففيه تقنين لخروج الإنسان من إطار «القبيلة والقبلية» إلى رحاب الدولة 


الإسلام وحقوق الانسان 


والأمة.. فبعد أن كانت القبيلة هي «الأمة والدولة» غدت لبنة في كيان 
الدولة الجديدة والأمة الوليدة والرعية السياسية التي أقامت بناءها 
الإجتماعي على أساس هذا الدستور.. . 

وقبل هذا الدستور ودولته كانت شخصية الفرد ذائبة في كيان القبيلة... 
شرقة لها... ووزره عليها .. وتبعاته مطلوبة منها.. وعليها عقوبات الجرائم 
التي يفرقها.. فجاء هذا الدستور ليقنن لطور جديد في تطور الإنسان 
العربي.. «ففروض الكفاية»-الإجتماعية-جعلها الإسلام على «الآمة» و«فروض 
العين»-الفردية-أوجبها على الفرد .. . وبدلا من «القبيلة»-التي سعى الإسلام 
إلى تذويبها في الأمة-برزت ذاتية الفرد ومسؤوليته. ووقفت الآثار. في 
أحيان كثيرة» عند «أهل بيته».. ف [من ظلم وأثم فإنه لا يوقع-لا يهلك-إلا 
نفسه وآهل بيته] .. وبعد آن كانت «القبلية» تلحق إثم «الحليف» بحليفه. جاء 
هذا التطور الذي قننه هذا الدستور عندما نص على [أنه لا يأثم امرؤ 
بحليفه] وكذلك الحال مع «الجار».. [وأن الجار كالنفس؛ غير مضار ولا 
آثم].. لقد برزت ذاتية الفردء المسؤول؛ المكلف.. . ونص الدستور على أنه 
[لا يكسب كاسب إلا على نفسه] ١!‏ 

ولقد استن هذا الدستور سنن «التكافل» بين رعية الأمة وجماعتها في 
تعلق الكاذك واد كانت الع اللجادية غادية أو مقورة ني هالأينة متكافل: 
ومتضامنة في «الحق» [وأن النصر للظلوم].. وهي متكافلة ومتضامنة في 
المساواة القانونية...[ذمة الله واحدة.. . والمؤمنون يجير عليهم أدناهم].. 
الأمر الذي يعني رفض «الطبقية» الجاهلية؛. عرقية كانت أو اجتماعية.. 
وهذه الأمة متكافلة متضامنة. كذلكء. في المعاش والأموال.. فهي مع [المفرح]- 
أي المثقل بالدين-حتى يتحرر من الدين الذي يثقل كاهله ! 

ورغم أن «الحاكم» للدولة كان النبي. صلى الله عليه وسلم؛ وعليه ينزل 
وحي السماء بالقرآن الكريم.. . أي أنه قد جمع «الولاية الزمنية» إلى 
«النبوة والرسالة» إلا أن هذه «الدولة» لم تكن «دولة دينية» بالمعنى الذي 
عرفته مجتمعات غير إسلامية؛ وفلسفات غير إسلامية-والتي تسربت بعض 
من مقولاتها إلى بعض فرق الإسلام.. 

فهذا الدستور قد «تميز» عن القرآن: وإن لم يخالف روحه ومبادته... 
و«رعية» هذه الدولة لم تقف عند «الجماعة-الأمة-المؤمنة» بل كانت «رعية 


وثائق 


سياسية» اتخذت من المعيار السياسي والإطار «القومي» ميزانا حددت 
وميزت به الرعية من الأخيار.. . فهي قد شملت: إلى جانب الجماعة 
«المؤمنة» بالإسلام: سكان يثرب ومن حالفهم ووالاهم وتبعهم ولحق بهم.؛ 
بمن فيهم من العرب الذين تهودواء ومن الآعراب الذين «أسلموا-وانخرطوا 
في الرعية السياسية-ولما يدخل «الإيمان» بعد إلى قلوبهم.. . وكذلك الذين 
#تاطقوا الثبى والؤمقين: فاظهروا الإسلام واسسروا كراهة الإيمان بالدين 
الجديد.. . ولقد استخدم هذا الدستور مصطلح «الأمة» أستخدم بمعنى 
الرعية السياسية السياسة وهو يعبر عن هذا البناء «السياسي السياسة 
الإجتماعي» الجديد.. . لقد نص على أن المؤمنين والمسلمين هم [أمة واحدة 
من دون الناس] الناس فهم «أمة الدين» وجماعته المؤمنة به-ثم نص على 
(أن يهود بني عوف إ[ومن ماثئلهم من اليهود العرب]-أمة مع المؤمنين. لليهود 
دينهم وللمسلمين دينهم] !.. فقر ر التسوية في «المواطنة» وحقوقها وواجباتها 
بين هذه «الرعية السياسية» وأقر التمايز الديني القائم في داخل هذا 
الإطار «القومي القوم السياسي»[وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر 
والأسوة].. 

إنها دولة «إسلامية إسلامي قومية».. القيادة فيها للمسلمين.. والإطار 
الحكم و «الجامع المانع» في تحديد «الرعية» وتمييزها عن «الغير:< قومي 
لا يستبعد غير المسلمين الذين ارتضوا الحياة داخل هذه الدولة الواحدة: 
التي يحكمها هذا الدستور.. 

وهذا الدستور الجديد لهذه الدولة الجديدة لم ينسخ-جملة وبإطلاق- 
كل أعراف الجاهلية؛ بل أقر منها ما هو صالح لا يتعارض مع روح الشريعة: 
ولا يتصادم مع التطور الجديد .. . فالقبائل؛ التي دخلت في التنظيم الجديد: 
وغدت لبنات في الرعية «السياسية-القومية» للدولة الجديدة؛ فيما يتعلق 
بالديات.. . [يتعاقلون معاقلهم الأولى].. 

وإذا كان هذا الدستور قد مثل «القانون الأعلى» الذي نظم «الواجبات» 
على الرعية.. . والذي ضمن مالها من «حقوق» فإنه قد استثن «الظلم» 
و«الإثم» وقرر أن لا حماية لظالم أو آثم حتى ولو كان من الرعية التي 
ارتضت الحكم بهذا الدستور! فنص على أنه لا يحول هذا الكتاب دون 
ظالم أو اخذ]ب. 


الإاسلام وحقوق الانسان 


وإذا كانت «يثرب» [المدينة] قد مثلت وطن الدولة التي حكمها هذا 
الدستور فلقد قرر هذا الدستور أن هذا الوطن حرم آمن لرعية هذه الدولة... 
وقرر في ذات الوقت؛ وفي نفس النص. أن لا حصانة لظالم أو آثم. حتى لو 
كان معتصما «بيثرب» عضوا برعية دولة هذا الدستور...[وأنه من خرج 
آمن ومن قعد آمن بالمدينة؛ إلا من ظلم وأثم].. 

وإذا كان تطور المجتمعات. وتعقد شؤون الحياة السياسية والإجتماعية 
والإقتصادية؛ قد فرض ويفرض التطور في الآغاق وفي الصياغات اللازمة 
للدساتير المعاصرة.. . فإن قراءة هذا الدستور الأول للدولة العربية الإسلامية 
الأولى من الضرورات النافعة للأمة. رغم تجاوز واقعنا للملابسات التي 
قننها ذلك الدستور.. . 

لقد حدد لنا-إقتداء بالقرآن الكريم-أن المرجع عند الإختلاف هو كتاب 
الله وسنة رسوله.. . غفيهما «المبادئ» و«الفلسفات» و«الأطر» الحاكمة للواقع 
المتغير دائما والمتطور باستمرار.. . [وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء. فإن 
مرده إلى الله وإلى محمد] .. كذلك تعلمنا منه-ويجب أن نتعلم-أن أمة اقترن 
تأسيس دولتها الإسلامية الأولى بالدستور المكتوب, لا يليق بها أن تنكص 
على أعقابها. فيحكمها الإستبداد متحللا من ضوابط الدستورء «شكلا» 
و«فعلا»-كما يحدث حينا-و«فعلا»-رغم وجود «الشكل»-كما يحدث في كثير 
من الأحايين..- 


النص 

]١[‏ هذا كتاب من محمد النبي[رسول الله]ء بين المؤّمنين والمسلمين من 
قريش و [أهل] يثربء ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم. 

[2] أنهم أمة واحدة من دون الناس. 

[3] المهاجرون من قريش على ربعتهم!*"): يتعاقلون بينهم”'؛ وهم يفدون 
عانيهه9" بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 

[4] وبنو عوف على ربعتهم, يتعاقلون معاقلهم الأولى؛ وكل طائفة تفدي 
عانيها بالمعروف والقسط بين المؤّمنين. 

[5] وبنو الحارث [بن الخزرج] على ربعتهم: يتعاقلون معاقلهم الأولى؛ 
وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 


14 


وثائق 


[6] وبنو ساعدة على ربعتم: يتعاقلون معاقلهم الأولى: وكل طائفة تفدي 
عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 

[7]» وبنو جشم على ربعتم, يتعاقلون معاقلهم الأولى؛ وكل طائفة تفدي 
عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 

[8] وبنو النجار على ربعتهم, يتعاقلون معاقلهم الأولى. وكل طائفة تفدي 
عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 

[9] وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم: يتعاقلون معاقلهم الأولى: وكل 
طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 

[10] وبنو النبيت على ربعتهم: يتعاقلون معاقلهم الأولى وكل طائفة 
تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 

]1١1[‏ وبنو الأوس على ربعتمء يتعاقلون معاقلهم الأولى: وكل طائفة تفدي 
عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين. 

[12] وأن المؤمنين لا يتركون مفرحا7* بينهم أن يعطوه بالمعروف في 
فداء أو عقل 79., 

[13] وألا يحالف مؤمن مولى مؤمن من دونه. 

[14] وأن المؤمنين المتقين [أيديهم] على اكل] من بغى منهم, أو ابتغى 
دسيعة”* ظلم: أو إثماء أو عدواناء أو فسادا بين المؤمنينء وأن أيديهم عليه 
جميعاء ولو كان ولد أحدهم. 

[15] ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافرء ولا ينصر كافرا على مؤمن. 

[16] وأن ذمة الله واحدة؛. يجير عليهم أدناهم. وأن المؤّمنين بعضهم 
مواان يكن دون الناس. 

[17] وأنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة؛ غير مظلومين ولا 
متناصر عليهم. 

[18] وأن سلم المؤمنين واحدة؛ لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في 
سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم. 

[19] وأن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا. 

[20] وأن المؤمنين يبيىء بعضهم عن بعض بما نال دماءهم في سبيل 
الله. 

[21] وأن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه. 


الإسلام وحقوق الانسان 


[22] وأنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفساء ولا يحول دونه على 
مؤمن: 

[23] وأنه من اعتبط*' مؤّمنا قتلا عن بينة فإنه قود99' به؛ إلا أن 
يعرض ولي المقتول [بالعقل]؛ وأن المؤمنين عليه كافة؛ ولا يحل لهم إلا القيام 
عليه. 

[24] وأنه لا يحل لمؤمن أقر بما فى هده الصحيفة:؛ وآمن بالله واليوم 
الآخرأن ينصر محدثا 01 أو يؤويه؛ وأن من نصره. أو آواه, فإن عليه لعنة 
الله وغضبه يوم القيامة. ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل. 

[25] وأنكم مهما اختلفتم فيه من شيء؛ فإن مرده إلى الله وإلى محمد. 

[26] وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين. 

[27] وأن يهود بني عوف أمة مع المؤّمنين. لليهود دينهم وللمسلمين 

1|2*(٠ 5-58 5 71 5 5‏ 3 ع 
دينهم» مواليهم وانفسهم إلا من ظلم وآثم, فانه لا يتوخا( ا( إلا نفسه وأهل 
[29] وأن ليهود بني الحارث مثل مال يهود بني عوف. 
[30] وأن ليهود بنى ساعدة مثل ما ليهود بيلنى عوف. 
الإقإران لدووو حي متقم مكن ها لبور طن عرف 
[12] وأن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف. 
[33] وأن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف, إلا من ظلم وأثم, فانه 
لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته. 

[34] وأن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم. 

[35] وأن لبني الشطيبة*13) مثل ما ليهود بني عوفء وأن البر دون 
الإثم. 

[36] وأن موالي ثعلبة كأنفسهم. 

[37] وأن بطانة يهود كأنفسهم. 

[39] وأنه لا ينحجز على ثآر جرح: وأنه من فتك فبنفسه وأهل بيته, إلا 
من ظلم: وأن الله على أبر هذا. 

[40] وأن على اليهود نفقتهم,» وعلى المسلمين نفقتهم,» وأن بينهم النصر 


36 


وثائق 


على من حارب أهل هذه الصحيفة:؛ وأن بينهم النصح والنصيحة والبر دون 
الإثم. 

]١‏ وأنه لا يآثم امرؤٌ بحليفه وأن النصر للمظلوم. 

42] وأن اليهود ينفقون مع المؤمنين ماداموا محاربين. 

3 وأن يشرب حرام 1*9) جوفها لأهل هذه الصحيفة. 

4] وأن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم. 

5 أو أنه لاتجار حرمة إلا بإذن أهلها. 

6] وأنه ما كان من أهل هذه الصحيفة من حدث. أو اشتجار يخاف 
فساده؛ فإن مرده إلى الله وإلى محمد رسول اللديَللةِ وأن الله على أتقى ما 
في هذه الصحيفة وأبره. 

[47] وأنه لاتجار قريش ولا من نصرها. 

[48] وأن بينهم النصر على من دهم يثرب. 

[49] وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه؛ 
وأنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك؛ فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في 
الدين. 

[50] على كل أناس حصتهم من جانيهم الذي قبلهم. 

[51] وأن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة 
مع البر المحصن من أهل هذه الصحيفة؛ وأن البر دون الإثم, لا يكسب 
كاسب إلا على نفسه؛ وأن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره. 


]41[ 
]421 
]43[ 
]44] 
]45[ 
]46[ 


[52] وأنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم أو آثم: وأنه من خرج آمن ومن 
قعد آمن بالمدينة: إلا من ظلم وأثم وأن الله جار لمن بر واتقى؛ ومحمد 
رسول اللمكةا"215. 

محمد رسول اللدولة 
بد لون 
خطبة حجة الوداع 
[10ه / 63 م] 
أسرز الأفكار 

في السنة العاشرة من الهجرة[632 م] حج النبي: صلى الله عليه وسلم؛ 

حجته الوحيدة وفيها خطب الناس «خطبة الوداع» 


17 


الإسلام وحقوق الانسان 


كان الدين قد اكتمل.. . وبلغ النبي ما أنزل إليه من ربه.. فلما أكمل 
الرسالة؛ أحس بدنو الأجل؛ فخاطب الأمة بالكلمات الجامعة التي ضمنها 
هذه الخطبة؛ والتى شملت الكثير من العبارات التى قننت الحقوق المدنية 
والإجتماغية لآمة الإسللام.. ا 

كنيها تحزن هو كران القترطة الأشااضه اكرة اتسين رإهنا الوستون 
أخوة] وبالمساواة الإسلامية التي شرعت «الأممية» الإسلامية. منذ ذلك 
التاريخ البعيد [إن ربكم واحدء وإن أباكم واحدء كلكم لأدم؛ وآدم من تراب؛ 
أكروكم عند الله اتشاكى ولوس تدرو على امن شيل تايا لقو 

وقيها الغان الروة التي سكت كل ونا هو حاهلي من اغراف اللجاهلية: 
وجميع ماهو ظالم من الشرائع التي سبقت ظهور الإسلام [إن ربا الجاهلية 
درطو عه وا تماء الساملية موهوهة ...وان ماكر الكاهلية موضوكة » 
بواتها النسيء زيادة في الكفر:.] 

وفوق ذلك؛ علمناء صلى الله عليه وسلمء معنى وأهمية «القدوة» فالإمام 
إمام في الريادة. وتحمل التبعات؛ يبدأ بنفسه ليصلح بصلاحه الحال 
العام...[وإن أول ربا أبدأً به ربا عمي العباس.. . وإن أول دم نبدأً به دم 
عامر بن ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب] ... فإذا كانت هناك إستثناءات.من 
مآثر الجاهلية؛ فلا يصح أن تكون من نصيب الإمام؛ ولا من نصب رهص 
الإمام.. .. ف دسدانة» الكعيةوفيها-غير الشرف-مغنم لم تعط لأحد من 
بني هاشم.. . أما «سقاية» الحجيج-وفيها-مع الشرف-مغرم-فلقد بقيت كما 
كانت في الهاشميين د 

وفي هذه الخطبة أكد الرسول؛ صلى الله عليه وسلم؛ على مساواة 
النساء للرجال في الحقوق والواجبات.. . وأوصى بهن خيراء بل وبدأ بذكر 
حفهن على الرجال: ا كن عليه من.ضغف بالقياس غلى الريجال:. +فكانت 
فبارانة الكي اتجوكه عن عق السام طل اثركا لوق الرجال ها الشياء: 
«الحكد الأنساتية لاسي التظه والحاكم لدادقات الجتسية إحداهما 
بالآتخر» + [إن لساتكم عليكم حفاء ولكم فلييق بق +]]: 

وفيها حدد أن المعيار الذي تتحاكم إليه الأمة. دائما وأبداء هو «فكر» ذو 
طابع كلي؛ يقف عند المبادئ والفلسفات والمقاصد والغايات.. . ومن هنا 
تأتي صلاحياته لكل زمان ومكان.. . فخلود الشريعة الحكمة هو خلود 


وثائق 


«الثوابت» الذي يعني «المرحلية» و«التفير» و«التطور» للنظم 
والإجتهادات....[إني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: كتاب 
الله وسنة نبيه]. 

لقد صاغ الرسولجكة. في الكلمات الجامعة لخطبة حجة الوداع: الكثير 
من «الحقوق-الواجبة» للإنسان.. ثم طلب من شهود خطبته تبليغ الغائبين 
«غرب مبلغ أوعى من سامع» فكانت كلماتهاء لا تزال هداية للانسان رغم 
تعاقب القرون واختلاف البيئات وتمايز الأجناس والقوميات.. 


النص 

أما بعدء أيها الناس.. . إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم حرام عليكم 
إلى أن تلقوا ربكم: كحرمة يومكم هذاء في شهركم. هذاء في بلدكم هذا . ألا 
هل بلغت 5... اللهم فاشهد . فمن كانت عنده أمانة فليؤدها إلى من ائتمنه 
عليها. وإن ربا الجاهلية موضوع؛ ولكن لكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا 
تظلمون؛ قضى الله أنه لا ربا. وإن أول ربا أبدا به. ربا عمي العباس بن؛ 
عبد المطلب. وإن دماء الجاهلية موضوعة. وإن أول دم نبدأ به. دم عامر بن 
ربيعة بن الحارث بن عبد المطلب 7؟"2. وإن مآثر الجاهلية موضوعة غير 
السدانة والسقاية”7". والعمد قود . وشبه العمد ما قتل بالعصا والحجن؛ 
وفيه مائة بعيرء فمن زاد فهو من أهل الجاهلية. ألا هل بلغت 5. اللهم 
فاشهد. 

أما بعدء أيها الناس: 

إن الشيطان قد يئس أن يعبد في أرضكم هذه ولكنه قد رضى أن يطاع 
فيما سوى ذلك: مما تحقرون من أعمالكم: فاحذروه على دينكم. 

أيها الناس: إنما النسىء9 2" زيادة فى الكفرء يضل به الذين كفروا 
لوقه هابا مون هاما ق طتوا هرت ما حرم الله فيحلوا ما حرم 
الله. ويحرموا ما أحل الله. 

وإن الزمان قد استدار كهيئته يوم خلق الله السماوات والأرض. وإن 
عدة الشهود عند الله إثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السماوات 
والأرضء منها أربعة حرم: ثلاثة متواليات وواحد فردء ذو القعدة وذو الحجة 
والمحرم ورجب مضرء الذي بين جمادي وشعبان. ألا هل بلغت ! اللهم 


36 


الإسلام وحقوق الانسان 


فاشهد. 

أما بعدء أيها الناس: 

إن لنسائكم عليكم حقا : ولكم عليهن حقء؛ لكم. عليهن أن لا يوطئن 
فرشكم غيركم, ولا يدخلن أحدا تكرهونه بيوتكم إلا بإذنكم, ولا يأتين 
بفاحشة؛ فإن فعلن؛ فإن الله قد أذن لكم أن. تعضلوهن 7" وتهجروهن في 
المضاجع؛ وتضربوهن ضربا غير مبرح؛ فإن انتهين» وأطعنكم: فعليكم رزقهن 
وكسوتهن-بالمعروف. واستوصوا بالنساء خيراء فإنهم عندكم عوان؛ (208 لا 
يملكن لأنفسهن شيئًاء وإنكم إنما أخذ تموهن بأمانة الله. واستحللتم فروجهن 
بكلمة الله فاتقوا الله في النساء. واستوصوا بهن خيراء ألا هل بلغت اللهم 
فاشهد . 

أيها الناس: إنما المؤمنون أخوة, ولا يحل لامرئّ مال أخيه إلا عن طيب 
نفس منه؛ ألا هل بلغت 5 اللهم فاشهد. قلا ترجعن بعدي كفارا يضرب 
بعضكم رقاب بعضء فإني قد تركت فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعده: 
كتاب الله وسنة نبيه. ألا هل بلغت اللهم فاشهد. 

أيها الناس: إن ربكم واحدء وإن أباكم واحدء كلكم لآدم: وآدم من تراب» 
أكرمكم عند الله أتقاكم» وليس لعربي على عجمي فضل إلا بالتقوى. ألا 
هل بلغت ! اللهم فاشهد [قالوا : نعم]-[قال]: فليبلغ الشاهد الغائب [فإنه رب 
قيلة اسعك مو ساف ]لكا 

أيها الناس: إن الله قد قسم لكل وارث نصيبه من الميراث. ولا يجوز 
لوارث وصية. ولا يجوز وصية في أكثر من الثلث. 

والولد للفراش وللعاهر الحجر 2*7. من ادعى إلى غير أبيه أو تولى 
غير مواليه: فعليه لعنة الله والملاككة والناس أجمعين: لا يقبل منه صرف 
ولا عدل. 

[أيها الناس]: إن الله تعالى حبس عن مكة الفيل وسلط عليها رسوله 
والمؤمنينء وإنها لم تحل لأحد كان قبلي وإنما أحلت لي ساعة من نهار, 
وإنها لا تحل لأحد كان بعديء لا ينفر صيدهاء ولا يختلي شوكها 240, ولا 
تحل ساقطتها إل منشن 630 

ومن قتل له قتيل فهو بخير النظرين: إما أن يفتدي وإما أن يقتل والسلام 
ا 


1] 0 


أبو بكر الصديق: 
2 
خطبته بعد البيعة 
[ااه / 632 م] 

أسرز الأفكار 

عقب منافسة شديدة بين المهاجرين والأنصار على الظفر «بالخلافة: 
عقب وفاة الرسوليكة -ظفر المهاجرون بالخلافة؛ وتمت البيعة لأول الخلفاء 
الراشدين أبي بكر الصديق 5١[‏ ق. هج-3اهج /573- 634 م].. 

وعقب البيعة وقف أبو بكر-الخليفة الآول-في الناس خطيباء يلقي خطابه 
الآول.. . وجدير بناء ونحن ننظر في هذا الخطاب أن نعي ما فيه من 
لالت 

غفي مقام يبيح الزهو بالإنتصار.. جاء الخطاب مليئًا بالمواعظ التي 
ترفق القلوب.. وبعبارات التواضع؛ التي تستبعد الزهو وتنبىئّ عن استشعار 
خطر المسئولية العظمىء التي يحملها الخليفة: أمام الله وأمام الناس ! 

ولأن أبا بكر قد ولي الخلافة عقب المرحلة التي جمع فيها الرسول؛ 
صلى الله عليه وسلم, بين «الولاية الزمنية» و«ولاية النبوة الدينية».. كان 
حرص أبي بكرء في هذا الموقف التاريخيء على أن ينفي عن «سلطته 
وسلطانه» الطابع الديني الذي امتزج بالطابع السياسي في ولاية الرسول؛ 
عليه الصلاة والسلام.. وذلك حتى لا يضل الناس؛ حكاما ومحكومين: إن 
هم زعموا إمكانية وراثة سلطان النبي الديني ووظيفته الدينية, بينما مثلت 
وفاته. بعد اكتمال الدين. ختام طور النبوة بانتقال خاتم الأنبياء إلى الرفيق 
الأعلى.. لقد كان محمد خير الأمة وأفضلها.. معصوما في التبليغ عن ربه 
أمور الدين.. يأتي الوحي ليسدد خطاه إذا هو اجتهد فأخطأ في شئون 
الدنيا.. وتلك خصوصيات له؛ غير قابلة للميراث.. ومن ثم فإن شورى 
الآمة. ومعارضتها للخليفة؛ وسعيها لتقويمه إن هو حاد عن الصوابء تغدو 
آكد وأوجب مما كانت قبل هذا التاريخ...ومن هنا تأتي أهمية كلمات أبي 
بكرء الخليفة الأول: في خطابه الأول عقب مبايعة الناس إياه...[إني قد 
وليت عليكم؛ ولست بخيركم, فإن أحسنت فأعينوني: وإن أسأت فقوموني.. 
.إن الله اصطفى محمدا وعصمه].. فلقد كان يوحى إليه [وإنما أنا متبع. 


لملا 


الإسلام وحقوق الانسان 


ولست بمبتدع.. . وإنما لي شيطان يعتريني... فإن استقمت فاتبعونيء وإن 
زغت فقوموني].. 

أما ماله على الناس من طاعة فمشروطة بأن تكون أوامره ومناهجه 
طاعة لله.. فهي رهن بالتزامه شريعة الله وقانون الأمة.. [أطيعوني ما 
أطعت الله ورسوله. فإن عصيت الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم] . 

ومن وظيفة «الولاية»-الدولة-السلطة-: تقوية الضعيف وإيمانه على أن 
ينتصر فيأخذ حقه؛ وإضعاف المعتدي-القوي-على حقوق الضعفاء... 
[الضعيف فيكم قوي عندي حتى أريح عليه حقه.. والقوي منكم الضعيف 
عندي حتى آخذ الحق منه].. 

ومن وظائف هذه الدولة «الجهاد» لكسر شوكة أعداء الدين-الذي جسد 
الثورة التحريرية للانسان من استبداد الطواغيت بمقدراته المادية وقواه 
الروحية-وحتى تظل السبل ممهدة والطرق معبدة أمام حرية الدعوة 
والدعاة....[لا يدع قوم الجهاد .. فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل] ... 
. وليت المسلمين لم يهملوا هذه الكلمات التي قالها الصديق.. 

كذلك حذر أبو بكر الأمة من شيوع الفاحشة.. فالخطأً وارد من الإنسان.. 
وكل بني آدم خطاءون.. لكن التوبة والتصحيح هما السبيلان الواجبان 
لترشيد السلوك الإنساني.. أما التمادي في الأخطاء. فإنه يؤدي إلى اجتراء 
الناس عليها. حتى تصبح عادة معتادة.. فإذا شاعت «عمت البلوى»» وتعذر 
على السبل المألوفة أن تفضي إلى الصلاح والإصلاح.. [ولا تشيع الفاحشة 
في قوم إلا عمهم الله بالبلاء]. 

هكذا تكلم الصديق.. وواصل السير على نهج الرسول؛ عليه الصلاة 
والسلام. 


النص 

أما بعدء أيها الناس؛ فإني قد وليت عليكم؛ ولست بخيركم؛ فإن أحسنت 
فأعينونيء وإن أسأت فقوموني. الصدق أمانة؛ والكذب خيانة. والضعيف 
فيكم قوي عندي حتى أريح 7*") عليه حقه إن شاء الله؛ والقوي منكم 
الضعيف عنديء حتى آخذ الحق منه إن شاء الله. لا يدع قوم الجهاد في 
سبيل الله؛ فإنه لا يدعه قوم إلا ضربهم الله بالذل؛ ولا تشيع الفاحشة في 


1 2 


وثائق 


قوم إلا عمهم الله بالبلاء. أطيعوني ما أطعت الله ورسوله؛ فإذا عصيت 
الله ورسوله فلا طاعة لي عليكم 0 

أيها الناسء إنما أنا مثلكم: وإني لا أدري لعلكم ستكلفونني ما كان رسول 
اللديَكلل. يطيق؛ إن الله اصطفى محمدا على العالمين. وعصمه من الآفات: 
فإنما أنا متبع ولست بمبتدع: فإن استقمت فاتبعوني: وإن زغت فقوموني. 
وإن رسول اللهيَّةٌ قبضء وليس أحد من هذه الآمة يطلبه بمظلمة؛. ضربة 
سوط فما دونهاء ألا وإنما لي شيطان يعريني, فإذا أتاني فاجتنبوني, لا 
أؤثر في أشعاركم وآباركم 7”. وإنكم تغدون وتروحون في أجل قد غيب 
عنكم علمه؛ فإن استطعتم ألا يمضي هذا الأجل إلا وأنتم في عمل صالح 
فافعلواء ولن تستطيعوا ذلك إلا بالله. فسابقوا في مهل آجالكم من قبل أن 
تسلمكم آجالكم إلى انقطاع الأعمال؛ فإن قوما نسوا آجالهم: وجعلوا أعمالهم 
لغيرهم: فأنها كم أن تكونوا أمثالهم: الجد الجدء والوحي الوحيأ”*". والنجاة 
النجاةء وإن وراءكم طالبا حثيثاء أجلا مره سريع. وتحذروا الموت. واعتبروا 
بالآباء والأبناء والإخوان: ولا تغبطوا الأحياء إلا بما تغبط به الأموات. 

إن الله لا يقبل من الأعمال إلا ما أريد به وجهه؛ فأريدوا الله بأعمالكم, 
واعلموا أن ما أخلصتم لله من أعمالكم. خطاعة أتيتموهاء وحظ ظفرتم به 
وضرائب أديتموهاء وسلف قدمتموه من أيام فانية لأخرى باقية؛ لحين 
فقركم وحاجتكمء واعتبروا يا عباد الله بمن مات منكمء؛ وفكروا فيمن كان 
قبلكم. 

أين كانوا أمس ؟ وأين هم اليوم ؟ ! أين الجبارون الذين كان لهم ذكر 
القتال والغلبة ومواطن الحروب ؟ قد تضعضع بهم الدهر وصار رميماء قد 
تركت عليهم المقالات: الخبيثات للخبيثين: والخبيثان للخبيثات. وأين الملوك 
الذين أثاروا الأرض وعمروهاء قد بعدواء ونسي ذكرهم.؛ وصار كلا شيء. 
ألا إن الله قد أبقى عليهم التبعات. وقطع عنهم الشهوات. ومضوا والأعمال 
أعمالهم, والدنيا دنيا غيرهم, وبقينا خطفا بعدهم, فإن نحن اعتبرنا بهم 
نجونا. أين الوضاء الحسنة وجوههم, المعجبون بشبابهم 5 صاروا تراباء 
وصار ما فرطوا فيه حسرة عليهم. 

أين الذين بنوا المدائن» وحصنوها بالحوائطء وجعلوا فيها الأعاجيب 
وقد تركوها لمن خلفهم: فتلك مساكنهم خاوية وهم في ظلمات القبور. هل 


|0215 


الإسلام وحقوق الانسان 


تحس منهم من أحدء أو تسمع لهم ركز (*29) 5.أين من تعرفون من أبنائكم 
وإخواتكم وقد انتهت بهم آجالهم,» فوردوا على ما قدموا. فحلوا عليه 
وأقاموا للشقوة أو السعادة فيما بعد الموت. ألا إن الله لا شريك له؛ ليس 
بينه وبين أحد من خلقه سب يعطيه به خيراء ولا يصرف به عنه شرا إلا 
بطاعته وإتباع أمره. واعلموا أنكم عبيد مدنيون» وأن ما عنده لا يدرك إلا 
بطاعته. 


عمر بن الخطاب: 
-4- 
كتابه إلى أبي موسى الأشعري 
في سياسة القضاء والحكم 

أسرز الأفكار 

شهادة أخرى لشريعة الإسلام:. وعدله. أن نجد في «محفوظات الدولة 
الإسلامية» وثائق اختصت وتخصصت في التقنين والتشريع لآداة العدل: 
مرفق القضاء بين الناس فيما يتنازعون فيه ويتخاصمون عليه.. وأن يوغل 
تاريخ هذه الوثائق إلى عهد عمر ابن الخطاب [40 ق.ه / 23 ه / 584- 
4م... فعندما ولي عبد الله بن قيس (أبو موسى الأشعري) [21 ق ه-44 ه 
/ 652- 665 م] القضاءء في خلافة عمر بن الخطاب.. كتب إليه عمر كتابا 
خصصه للقضاءء. كفن؛ وكمرفق تسعى تشريعاته وينهض رجاله لتحقيق 
العدل بين الناس.. 

وفي هذا الكتاب يتحدث عمر عن «القضاء» كضرورة واجبة؛ لأنه السبيل 
لوضع الحق موضع التطبيق [... إنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له].. 
فالتشريعات العادلة لا تكفي.. بل إنها تصبح مجرد لفغو إذا لم توضع. 
بالقضاء. موضع التنفيذ. 

وإذا كان «الحق» هو غاية الشريعة وهدف القضاءء. فلا حرمة للباطل» 
حتى وإن جاء ثمرة لاجتهاد خاطىّ.. ولا شرعية لهذا الباطل حتى وإن نطق 
به القاضيء ومضت عليه أزمنة: ووضع موضع التطبيق.. فالتقادم الزمني.. 


184 


وثائق 


والإجتهاد الخاطيٌ لا يحيل الباطل عدلا... [ولا يمنعك قضاء قضيته بالأمس. 
فراجعت فيه نفسك؛ وهديت لرشدكء أن ترجع إلى الحقء؛ فإن الحق لا 
يبطله شيء ! واعلم أن مراجعة الحق خير من التمادي في الباطل].. فهنا 
تشريع «للإستئناف» و «النقض» وتعدد درجات التقاضي.. 

و«الحق» هو المعيار و «وحدة القياس». عند «الصلح». كما هو عند 
«التؤاع»...[والصلح جاكزبين التاسء إلا صلخا آحل حراما أو حرم حلالا] 

والمساواة بين المتخاصمين واجبة في مجلس القضاء.. بل وفي «وجه 
القاضي». فلا يحل له أن يعبس لطرف ويبش لطرف آخر ١....[آس‏ بين 
الناس في مجلسك ووجهك] . 

والمؤمنون سواسية؛ في العدالة, كشهود .. ما لم يثبت ما يقدح في عدالة 
المؤمن الشاهد أو يسقط شهادته...[والمسلمون عدول في الشهادة: إلا مجلودا 
في حدء أو مجربا عليه شهادة زور أو ظنينا في ولاء أو قرابة].. 

وما لم ترد فيه نصوص. بالقرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة؛ فالسبيل 
إلى سن تشريعاته والفصل في معضلاته: «الفهم», أي إعمال العقل..[الفهم, 
الفهم فيما ليس فيه قرآن ولا سنة].. 

والإعتماد على «القياس». كسبيل من سبل التشريع والقضاء؛ هو درب 
من دروب «الفهم» في هذا الميدان.... [واعرف الأشباه والأمثال؛ ثم قس 
الأمور بعد ذلك].. إن أمة لها مثل هذا التشريع والتقنين في «فن العدل» 
وفي «صنعة القضاء» لجدير بها أن تعشق العدل عشقاء وأن تعض عليه 
بالنواجنء وأن تقاتل دونه كل رموز الباطل والإستبداد ! 


النص 

ال إلى عبد الله بن قيس 

سلام عليك . أما بعد. فإن القضاء فريضة محكمة وسنة متبعة: فافهم 
إذا أدلي إليك؛ فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له. 

آَ سن 219 بين النا س في مجلسك ووجهك, حتى لا يطمع شريف في 
عوك 159 ولانيقين طديف من هدلقا البيقة عل بن إدمن واليمين 
على من انكر والسدك ماكريين الشاس: إلاصلها حل خراما أو شرع 


,30«( 


1 75 


الإسلام وحقوق الانسان 


حلالا. ولا يمنعنك قضاء قضيته بالأمس فراجعت فيه نفسك وهديت 
لوشدك تزجع إتج الحو إن الحق الا بيطلة شتية: واقلم أذ متا جانة 
الحق خير من التمادي في الباطل. الفهم الفهم فيما يتلجلج في صدرك 
مما ليس فيه قرآن ولا سنة. واعرف الأشباه والأمثال؛ ثم قس الأمور بعد 
ذلك. ثم اعتمد لأحبها إلى الله وأشبهها بالحق فيما ترى. 

إجعل لمن ادعى حقا غاتبا أمدا ينتهي إليه؛ فإن أحضر بينة أخذ بحقه. 
وإلا استحلات عليه القضاء. والمسلمون عدول في الشهادة, إلا مجلودا في 
حدء أو مجربا عليه شهادة زورء أو ظنينا في ولاء أو قرابة. إن الله تولى 
منكم السرائرء ودرأ عنكم بالبينات. 

وإياك والقلق والضجر والتأذي بالخصوم في مواطن الحق التي يوجب 
الله بها الآجر ويحسن الذخرء فإنه من صلحت سريرته فيما بينه وبين الله 
أضلع اللةاما بينه وبين الثايس: ومن كزين للدخيا يفيوها يعلم الله هته 
شناوا**7 الهو الساك 539 


علي بن أبى طالب: 
ده 
من عهده إلى الأشتر النخعي 
عندما ولاه على مصر 


أسرز الأفكار 

كان الأشتر النخعي [37 ه-657 م] من أبرز قادة جيش أمير المؤمنين علي 
بن أبي طالب [23 ق ه-0 4 ه / 661-600 م] إبان قتاله مع خصومه 
السياسيين.. . وعندما بعث الإمام علي بالآشتر واليا على مصر-وقد مات 
مسموما وهو في الطريق إليها-كتب له «عهد الولاية» فجاء أطول وأشمل 
وأهم وأغنى الوثائق «السياسية-الإجتماعية-الإدارية» في عهد الخلافة 
الراشدة؛ على الإطلاق.. . بل لا نغالي إذا قلنا إنه من عيون الفكر السياسي؛ 
الشاهد على نضج الفكر الإسلامي في هذا الميدانء منذ ذلك التاريخ !.. . 

وفي هذا «العهد» من الفكر العبقريء في السياسة والإدارة» ما يشهد 
لموهبة الإمام علي في هذا الفن.. . ومن ثم ينفي عنه زعم الذين يقولون: 


1! 06 


وثائق 


إنه لم يكن أكثر من عبد صالح !.. . وأن بضاعته في ميدان «الولاية» و«فن 
الحكم» هي أقل من القليل.. إن كل عبارة وكل فكرة في نص هذا «العهد» 
جديرة بالتأملء الذي يلقي عليها الأضواء.. ولكننا سنقف عند ضرب 
الأمثال... 

غفي «العهد» حديث عن أن اختلاف الرعية في المعتقد الديني لا يصح 
أن يكون ذريعة للتمييز بينهم في الحقوق أو الواجبات السياسية والإجتماعية 
والإنسانية....[فإنهم صنفان: إما أخ لك في الدين, أو نظير لك في الخلق] ... 

والمساواة بين الرعية لا تعنى «حياد» الدولة والوالى بين الطبقات والفرقاء 
غير الأكفاء.. قبا الفاوقة واسيما لتذانكلة والكد كل لعفل القراؤرة: يو أسملة 
العدل؛ وغير متصور منهاء مثلا. أن تقف على «الحياد» بين «الخاصة» 
المسلحين بالثروة والجاه. وبين «العامة» المنزوعي السلاح «العهد» يعلن ويوصى 
بضرورة «انحياز» الدولة إلى «العامة»[وليكن أحب الأمور إليك: أوساطها 
في الحق؛ وأعمها في العدل؛ وأجمعها لرضا الرعية؛ فإن سخط العامة 
يجحف برضا الخاصة؛ وإن سخط الخاصة يغتفر مع رضا العامة.. . 
وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء. وأقل معونة له 
في البلاء؛ وأكره للانصاف. وأسال بالإلحاف. وأقل شكرا عند العطاى 
وأبطأ عذرا عند المنع. وأضعف صبرا عند ملمات الدهرء من أهل الخاصة:» 
وإنما عماد الدين» وجماع المسلمين والعدة للأعداء: العامة من الأمة. فليكن 
صغوك إليهم, وميلك معهم] . 

وهذه الدعوة إلى «الإنحياز» إلى «العامة» لأنهم «عماد الدين وجماع 
المسلمين: والعدة للأعداء» هي ثمرة للاعتراف والتسليم بانقسام الناس»؛ 
اجتماعياء إلى طبقات.. لكنها لا تعنى الدعوة إلى «إلغاء» هذه الطبقات 
ولكنها دعوة إلى «الموازنة والتوازن» 3 هذه الطبقاتء. بواسطة «العدل» 
الذي يجب أن يعطي «العامة» بمقدار ما يعطون !...[واعلم أن الرعية 
طبقات: لا يصلح بعضها إلا ببعضء ولا غنى ببعضها عن بعض]!.. 

وهذا «العدل» الذي هو سبيل «التوازن والموازنة» بين طبقات الأمة؛ ينبه 
الإمام علي الأشتر إلى «ثقله» على الولاة.. فالذين يملكون السلطان يغريهم 
هذا السلطان ويحث نفوسهم على تجاوز العدل إلى الظلم !... [والحق كله 
ثقيل وقد يخففه الله على أقوام طلبوا العاقبة فصبروا أنفسهم ووثقوا 


17 


الإسلام وحقوق الانسان 


بصدق موعود الله لهم] 

والعهد يؤكد على تحذير الوالي من «الخاصة» لا لقلة غناهم للدولة 
عند الملمات فقطء بل ولأن قربهم من الواليء. بما لديهم من إمكانيات, 
يجعلهم أقدر على الإستئثار بما لا يستحقون-(إن للوالي خاصة وبطانة 
فيهم إستئثار وتطاول؛ وقلة إنصاف في معاملة. فاحسم مادة أولئك بقطع 
أسباب تلك الأحوال]... 

وإذا كان «العامة» هم الأولى بأن تنحاز الدولة إليهم. لقاء ما يعطون 
ويقدمون في السراء والضراء.. . فإن «القوى المنتجة» من هؤلاء «العامة». 
هم عماد عمران البلاد وصلاح أمر العباد.. . [وتفقد أمر الخراج]أي 
الأرض الزراعية؛ بما يصلح أهله [أي الفلاحين:-فإن في صلاحه وصلاحهم 
صلاحا لمن سواهم.: ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم؛ لآن الناس كلم عيال على 
الخراج وأهله؛ وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب 
الخراج لآن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة. ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب 
البلاد. وأهلك العباد .. . وإنما يؤتي خراب الأرض من إعواز أهلهاء وإنما 
يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع؛ وسوء ظنهم بالبقاءء؛ وقلة 
انتفاعهم بالعبر !.. . واستوصى بالتجار وذوي الصناعات.. . فإنهم مواد 
المنافع... واعلم-مع ذلك-إن في كثير منهم ضيقا فاحشاء وشحا قبيحاء 
واحتكارا للمنافع. وتحكما في البياعات.. . فامنع من الإحتكار] !.. 

وعلى الرغم من أن إمارة علي بن أبي طالب للمؤمنين كانت «ثورة» على 
«التغيرات» التي سادت في أواخر عهد عثمان بن عفان [47 ق هج-35 ه / 
7- 656 م] إلا أنه يوصي الأشتر النخعي بألا يلغي كل ما صنعه من 
تقدمه... فالاستمرارية والتواصل ضروريان: شريطة ألا يصادما شرعه 
العدل ومصلحة الأمة.. . [ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه 
الأمة. واجتمعت بها الألفة. وصلحت عليها الرعية] ... 

وعند التجديد والتغير. وخاصة في اختيار الرجال وتكوين جهاز الدولة؛ 
يوصي «العهد» باعتماد «التجربة» معيارا للاختيار...[وانظر في أمور عمالك, 
فاستعلم اختبارا... ولا يكن اختيارك لهم على فراستك.. . ولكن اختبرهم 
بما ولوا للصالحين قبلك. فاعمد لأحسنهم كان في العامة أثراء وأعرفهم 
بالأمانة وجها.. .]. 


1 8 


وثائق 


أما ذات الوالي؛ فإنه لا يحل لها ما يحرم على غيرهاء فللحقوق أصحاب 
يجب ألا تتعداهم إلى سواهم....[وإياك والإستتثار بما الناس فيه أسوة] 
فالعدل هو جماع مقاصد الشريعة.. إنه قوام الملك واسم من أسماء الله 
الحسنىء يتعبد بذكره. وبتطبيقه عباده المؤمنون!. 

النص:»: 

إعلم: يا مالك؛ أني قد وجهتك إلى بلاد قد جرت عليها دول قبلك؛ من 
عدل وجورء وأن الناس ينظرون في أمورك في مثل ما كنت تنظر فيه من 
أمور الولاة قبلك, ويقولون فيك ما كنت 5 تقوله فيهم, وإنما يستدل على 
الصالحين بما يجري الله لهم على ألسن عباده. 

يا واللطف بهمء ولا تكونن عليهم 
سيعا ضاريا تغتنم أكلهم» ٠‏ فإنهم صنفان: : إما أخ لك في الدين؛ وإما نظير 
لك فى الخلق.. 

أنصف الناس من نفسك ومن خاصة أهلكء. ومن لك فيه هوى من 
رعيتك. فإنك إلا تفعل تظلم.. . وليس شيء أدعى إلى تغيير نعمة الله 
وتعجيل نقمته من إفقامة على ظلمء؛ فإن الله يسمع دعوة المضطهدين: وهو 
للظالمين بالمرصاد. 
لرضا الرعية قإن سخط العامة يجحف برضا الشاهيةة وان سخطة 

وليس أحد من الرعية أثقل على الوالي مؤونة في الرخاء-وأقل معونة له 
فى البلاء وأكره للانصافء وأسال بالإلحاف *6©, وأقل شكرا عند العطاء. 
وأبطأ عذرا عند المنع. وأضعف صبرا عند ملما ت الدهر-من أهل الخاصة:» 
وإنما عماد الدين-وجماع المسلمين والعدة للأعداء-العامة من الأمة؛ فليكن 

. 37# 
صيغفوك *”0 لهم: وميلك معهم. 
في الناس عيوباء الوالي أحق من سترهاء فلا تكشفن عما غاب عنك منهاء 
فانما عليك ظهير ما ظهر لكء والله يحكم على ما غاب عنتك 55 هط 

إن شر وزرائك من كان للأشرار قبلك وزيراء ومن شركهم في الآثام غلا 
يكونن لك بطانة؛ فإنهم أعوان الأثمة؛ وإخوان الظلمة؛ وأنت واجد منهه(08 


1] 9 


الإسلام وحقوق الانسان 


خير الخلف. ممن له مثل آرائهم ونفاذهم: وليس عليه مثل آصارهم 
وأوزارهم/”*””. ممن لم يعاون ظالما على ظلمه ولا آثما على إثمه. أولئتك 
أخف عليك مؤونة؛ وأحسن لك معونة؛ وأحنى عليك عطفاء وأقل لغيرك 
لا ٠.‏ 

ولا تنقض سنة صالحة عمل بها صدور هذه الأمة. واجتمعت بها الألفة. 
وصلحت عليها الرعية؛ ولا تحدثن سنة تضر بشيء من ماضي تلك السنن 
فيكون الأجرلمن سنهاء والوزر عليك بما نقضت منها. وأكثر مدارسة العلماء. 
ومناقشة الحكماء في تثبيت ما صلح عليه أمر بلادك؛ وإقامة ما استقام به 
الناس قبلك. 

واعلم أن الرعية طبقات لا يصلح بعضها إلا ببعض. ولا غنى ببعضها 
عن بعضن» متها حتود. اللة»ومتها كتات العامة والخاصة؛ ومنها قضياة 
العدل ومنها عما ل الإنصاف والرفق, ومنها أهل الجزية والخراج؛ من أهل 
الذمة ومسلمة الناس:ومتها التجارواهل الضتاعات: ومنها الطرغة السفلى 
من ذوي الحاجة والمسكنة, وكل قد سمى الله له سهمه؛ ووضع على حده 
وفريضته فى كتايه أو ستة نبية صلى الله عليه وآلة: غهدا مثه عندتا 
وا ” 

فالجنودء بإذن الله حصون الرعية؛ وزين الولاة وعز الدين؛ وسبل الآأمن؛ 
وليس تقوم الرعية إلا بهم. ثم لا قوام للجنود إلا بما يخرج الله لهم من 
الخراج. الذي يقوون به على جهاد عدوهم., ويعتمدون عليه فيما يصلحهم, 
ويكون من وراء حاجتهم. 

ثم لا قوام لهذين الصنفين إلا بالصنف الثالث من القضاة والعمال*!*) 
والكتاب؛ لما يحكمون من المعاقد!*2). ويجمعون من المنافع: ويؤتمنون عليه 
من خواص الأمور وعوامها . ولا قوام لهم جميعا إلا بالتجار وذوي الصناعات 
فيما يجتمعون عليه من مرافقهم: ويقيمونه من أسواقهم: ويكفونهم من 
الترفق بأيديهم مالا يبلغه رفق غيرهم 

ثم الطبقة السفلى من أهل الحاجة والمسكنة الذين يحق رفده»43*0) 
ومعونتهم وفي الله لكل سعة؛ ولكل على الوالي حق بقدر ما يصلحه.. . 

فول من جنودك أنصحهم في نفسك لله ولرسوله ولإمامك.. .. 

واردد إلى الله ورسوله ما يضلعك من الخطوب. ويشتبه عليك من 


وثائق 


الأمورء فد قال الله تعالى لقوم أحب إرشادهم: [ياأيها الذين آمنوا أطيعوا 
الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم. فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى 
الله والرسول] فالرد إلى الله: الأخذ بمحكم كتابه؛ والرد إلى الرسول: 
الأخن بسنته الجامعة غير المفرقة. 

ثم اختر للحكم بين الناس أفضل رعيتك في نفسك.. .. . ثم أكثر تعاهد 
قضاته.. 

ثم أنظر في أمور عمالك, فاستعملهم اختباراء ولا تولهم محاباة وأثره.. 

.. ثم أسبغ عليهم الأرزاقء فإن ذلك قوة لهم على استصلاح أنفسهم: وغنى 
لهم عن تناول ما تحت أيديهم,» وحجة عليهم إن خالفوا أمرك أو ثلموا 
أمانتك 049 ,, 

وتفقد فو الخراع بمنا يست الطلهء ؛ فإن في صلاحه وصلاحهم صلاحا 
لمن سواهم, ولا صلاح لمن سواهم إلا بهم لآن الناس كلهم عيال على 
الخراج وأهله.. وليكن نظرك في عمارة الأرض أبلغ من نظرك في استجلاب 
الخراج. لأن ذلك لا يدرك إلا بالعمارة. ومن طلب الخراج بغير عمارة أخرب 
البلاد: وأهلك العياد, ولم يستقم أمره إلا قليلا . فإن شكوا تقلا أو علة أو 
انقطاع شرب 5*9 أو بالة 4*7 أو إحالة7””* أرض إغتمرها غرقء أو أجحف 
بها عطشء. خفف عنهم بما ترجو أن يصلح به أمرهم. 

ولا يثقلن عليك شيء خففت به المؤونة عنهم, فإنه ذخر يعودون به عليك 
في عمارة بلادك. وتزين ولايتك. مع استجلاب حسن ثنائهم. وتبجحك|*45) 
باستفاضة العدل فيهم: معتمدا فضل قوتهم بما ذخرت عندهم من إجمامك 
لهم, والثقة منهم بما عودتهم من عدلك عليهم في رفقك بهم, فربما حدث 
من الأمور ما إذا عولت فيه عليهم من بعد احتملوه طيبة أنفسهم به؛ فإن 
العمران محتمل ما حملته؛ وإنما يؤتى خراب الأرض من إعواز أهلهاء وإنما 
يعوز أهلها لإشراف أنفس الولاة على الجمع.: وسؤ ظنهم بالبقاء. وقلة 
انتفاعهم بالعير! 

ثم انظر في حال كتابك فول على أمورك خيرهم.. .. .. ثم لا يكون 
اختيارك إياهم على فراستك واستنامتك9”*) وحسن الظن منكء فإن الرجال 
يتعرفون لفراسات الولاة بتصنعهم وحسن حديثهم وليس وراء ذلك من 
النصيحة والأمانة شيء؛ ولكن اختبرهم بما ولوا للصالحين قبلك؛: فاعمد 


الإسلام وحقوق الانسان 


ثم استوص بالتجار وذوي الصناعات» وأوص بهم خيراء المقيم منهم 
والمضطرب بماله9*©: والمترفق ببدنه 9 فإنهم مواد المنافع: وأسباب 
المرافق وجلابها من المباعد والمطارح؛ في برك وبحركء وسهلك وجبلك, 
رحبي لا رانم الثاين الواضعها ولا جكر تون ليها مإتهع سل لا تخاف 
بأقته 7 وصلح لا تخشى عائلته. وتفقد أمورهم بحضرتك؛ وضي حواشي 
بلادك. واعلم-مع ذلك_-أن في كثير منهم ضيقا فاحشا. وشحا قبيحاء. 
واحتكارا للمنافع, وتحكما فى البياعات. وذلك باب مضرة للعامة وعيب 
على الولاة, ع 6 فإن رسول اللهوكة.. منع منه. وليكن البيع 
فمن قا رف**8) كرة”*") بعد عد قويك إناد سكن يمر وصاقية عن ير إسبواف. 
ثم الله في الطبقة السفلى من الذين لا حيلة لهم من المساكين والمحتاجين 
وأهل البؤس والزمني **, فإن في هذه الطبقة قانعا ومعترا(42*). واحفظ 
لله ما أتحفظك من حقه فيهم: واجعل لهم قسما من بيت مالك. وقسما من 
غلات صواضي|””* الإسلام في كل بلدء فإن للأقصى منهم مثل الذي للأدنى: 
نا رصي مها وسنت : علوم بكار 7" اجإيك لانساس يتكبييعك 
التافه لإحكامك الكثير المهم» فلا تشخص همك عنهم., ولا تصعر خدك 
يي + وتفقد تفقد أمور من لا يصل إليك منهم,» ممن تقتحمه العيون» وتحقره 
الرجال» حر ارد ل ل ال اميه والتواضع. فليرفع إليك 
أمورهم.. 
وتعهد أهل اليتم وذوي الرقة في السن ممن لا حيلة له. ولا ينصب 
للمسألة نفسه. وذلك على الولاة ثقيل. والحق كله ثقيل ! وقد يخففه الله 
0 تفرغ لهم فيه شخصك. وتجلس لهم 
ع 5 89 5 5 ع 6150 اه 
و ا ور ا ل 
رسول اللهوَلكِة. يقول في غير موطن: «لن تقدس أمة لا يؤخذ للضعيف فيها 
- 5 . . . (*62 
إن للوالى خاصة وبطانة؛ فيهم استثثار وتطاولء وقلة إنصاف فى معاملة: 


وثائق 


فاحسم مادة أولئك بقطع أسباب تلك الأحوال. ولا تقطعن لأحد من حاشيتك 
وتحاعتك قطيئة* 227 ولا يظمعن هنك قن اغتقاد عقدة تصدر نمق نليها عن 
الناس في شرب أو عمل مشتركء يحملون مؤونته على غيرهم فيكون 
مهنا" ذلك لهم دونك وعيبه عليك في الدنيا والآخرة.. 

وإياك والإستثثار بما الناس فيه أسوة, والتغابى عما تعنى به مما قد 
وضح للعيون؛ فإنه مأخوذ منك لغيركء وعما قليل تنكشف عنك أغطية 
الأمور. وينتصف منك للمظلوم.. . 

والواجب عليك أن تتذكر لمن تقدمك من حكومة عادلة؛ أو سنة فاضلة. 
أو أثر عن نبيناء (صلعم) وآله» أو فريضة في كتاب الله فتقتدي بما شاهدت 
مما عملنا به فيهاء وتجتهد لنفسك في إتباع ما عهدت إليك في عهدي 
هذا ممؤوانا أسال الله نيو فقت وإناك مافيه وضاف اا 


علي بن أبي طالب: 
6 
من خطبه 

أبسرز الأفكار: 

كانت خلافة علي بن أبي طالب منذ بويع إلى أن استشهدء صراعا 
عنيفا ومتصلا.. وكان على إماما فى البلاغة والحكمة لا يجاريه فيهما 
الكثيرون: حتى لقد در الالإناق عمد عبده [1266- 1323 هج/ 1849- 
5 م] عندما قال: «وليس في أهل هذه اللغة إلا قائل بأن كلام الإمام علي 
بن أبي طالب هو أشرف الكلام وأبلغه بعد كلام الله تعالى وكلام نبيه. 
وأغزره مادة؛ وأرفعه أسلوباء وأجمعه لجلائل المعاني» ! 468) 

ولقد كان هذا الصراع العنيف والمتصل عاملا استدعى فيضا من خطب 
الإمام علي وكتبه التي حوت من المضامين السياسية والاجتماعية ما جعلها 
«وثائق» على جانب كبير من الأهمية في هذا الميدان.. ثم جاءت الصراعات 
المذهبية بين تيارات الإسلام السياسية والفكرية». فحفزت الشيعة إلى جمع 
الكثير من خطب الإمام علي وكتبه وكلماته في الكتاب الذي عرف ب [نهج 
البلاغة]. فضمن تراثه من الخلود ما لم يتيسر لغيره من كلام الأكمة 
والخلفاء.. 


الإسلام وحقوق الانسان 


وفي النصوص التي اخترناها من خطب الأمام علي نجد الكثير من 
الأفكار الكبرى التي تنتصر «للحقوق الإنسانية-الواجبة» والتي تستحق التأمل, 
وتستدعي من الباحثين أن يسلطوا عليها مزيد الأضواء.. 

فهو يتحدث عن العلاقة بين «الوالي» [الحكم] وبين «الرعية» فيصورها 
في صورة «العقد الحقيقي». بل وفي صورة «العقد المتكافيّ الأطراف»...[لقد 
جعل الله لي عليكم حقا بولاية أمركم: ولكم علي من الحق مثل الذي لي 
عليكم.. لقد جعلء سبحانه؛ من حقوفه حقوفا افترضها لبعض الناس على 
بعضء فجعلها تتكافاً في وجودهاء ويوجب بعضها بعضاء ولا يستوجب 
بعضها إلا ببعض.. فجعلها نظاما لألفتهم» وعزا لدينهم؛ فليست تصلح 
الرعية إلا بصلاح الولاة: ولا يصلح الولاة إلا باستقامة الرعية].. 

والمال: مال الله. والناس مستخلفون فيه. وثم في الانتفاع به سواء [لو 
كان المالي لي لسويت بينهم: فكيف وإنما المال مال الله 5 !. أشم عباد الله 
والمال مال الله. يقسم بينكم بالسوية: لا فضل فيه لأحد على أحد]. 

ذلك أن نهج الإسلام؛ في الأموال؛ إنما يستهدف تحقيق «تكافل الأمة 
المالي والاجتماعي»...[إن الله فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراء: فما 
جاع فقير إلا بما متع به غنيء والله سائلهم عن ذلك].. وهذا «التكافل 
الاجتماعي» ضروري لتحقيق المضمون الحقيقي «للمواطنة». ولنفي خطر 
«الاغتراب-والغربة» الذي يصيب به الفقر أهله إذا هم عاشوا في «وطنهم» 
فقراء محرومين.. [إن الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة.. 
والفقر يخرس الفطن عن حجته. والمقل غريب في بلدته]!.. 

والحاكم العادل» عندما يواجه ميرات المظالم: المتخلف عن حكم الذين 
سبقوه. لا بد أن يكون «ثوريا»» يرد المظالم إلى أهلهاء دونما اعتبار لتقادم 
العهد على التصرفات الظاللمة؛ فالزمن لا يكسب الظلم شرعية...[والله لو 
وجدت المال قد تزوج به النساء. وملك به الإماء لرددته؛ فان في العدل 
سعة؛ ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق !].. 

وليس هناك مقام بين العبادات؛ الفردية والجماعية-فروض العين أو 
غروض الكفاية-يداني مقام الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. فهذه «الضرورة 
الواجبة» هي أشرف العبادات. وألزمها لصلاح أمور الدين والدنيا على 
السواء....[وما أعمال البر كلهاء والجهاد في سبيل الله عند الأمر بالمعروف 


54 


وثائق 


والنهي عن المنكر إلا كنفثة*؟' في بحر لجي. وإن الأمر بالمعروف والنهي 
عن المنكر لا يقر بأن من أجلء ولا ينقصان من رزقء: وأفضل من ذلك كله 
كلمة عدل عند إمام جائر !].. 

النضن 

أما بعد.. فقد جعل الله. سبحانه؛ لي عليكم حقا بولاية أمركم: ولكم 
علي من الحق مثل الذي لي عليكم.. جعل. سبحانه؛ من حقوقه حقوقا 
افترضها لبعض الناس على بعضء فجعلها تتكافاً في وجوهها. ويوجب 
بعضها بعضاء ولا يستوجب بعضها إلا ببعض. 

وأعظم ما افترضء سبحانه؛ من تلك الحقوق: حق الوالي على الرعية, 
وحق الرعية على الوالي: فريضة فرضها الله. سبحانه؛ لكل على كل. فجعلها 
نظاما لألفتهم؛ وعزا لدينهم: فليست تصلح الرعية إلا بصلاح الولاة, ولا 
يصلح الولاة إلا باستقامة الرعية. فإذا أدت الرعية إلى الوالي حقه. وأدى 
الوالي إليها حقهاء عز الحق بينهم: وقامت مناهج الدين؛ واعتدلت معالم 
العدل؛ وجرت على إذلالها السنن, 48 فصلح بذلك الزمان؛ وطمع في بقاء 
الدولة: ويئست مطامع الأعداء. 

وإذا غلبت الرعية؛ وإليهاء أو أجحف الوالي برعيته. اختلفت هنالك 
الكلمة. وظهرت معالم الجورء وكثر الأدغال في الدين؛ ”4 وتركت محاج 
السنن؛ فعمل بالهوى: وعطلت الأحكام؛ وكثرت علل النفوسء فلا يستوحش 
لعظيم حق عطل؛ ولا لعظيم باطل فعل. فهنالك تذل الأبرارء وتعز الأشرار, 
وتعظم تبعات الله عند العباد ا 

.: أتأمروتى أن أظلب النصر بالجور فيمن وليت عليه5ة:. واثئلة كا 
أظورا""" ينها سمر يبييع ١77‏ ونا آم تجو ف النهاء اجناء 

لوكان امال لي لسويت بيتهم: فكيف وإنما المال منال ائله.. آلا وإ 
إعطاء المال في غير حقه تبذير وإسراف. وهو يرفع صاحبه في الدنيا 
ويضعه في الآخرة؛ ويكرمه في الناسء ويهينه عند الله؛ ولم يضع امروؤ ماله 
في غير حقه وعند غير أهله إلا حرمه الله شكرهم: وكان لغيره ودهم. فإن 
زلت به النعل يوما فاحتاج إلى معونتهم فشر خليل والأم خدين 738... 740 

والله لو وجدت المال قد تزوج به النساء؛ وملك به الإماء لرددته؛ فإن في 
العذل سعة؛. ومن ضاق غلية العدل فالحور عليه أضية . 59 


الإسلام وحقوق الانسان 


إن الله. سبحانه. فرض في أموال الأغنياء أقوات الفقراءء فما جاع 
فقير إلا بما متع به غني؛ والله تعالى سائلهم عن ذلك.. 768) 

إن الغنى في الغربة وطن والفقر في الوطن غربة.. والفقر يخرس 
الفطن عن حجته: والمضل غريب في بلدته !..77*0) 

أنتم عباد الله؛ والمال مال الله. يقسم بينكم بالسوية؛ لا فضل فيه لأحد 
على أحد .. 29 ما أحسن تواضع الأغنياء للفقراء طلبا لما عند الله؛ وأحسن 
منه تيه الفقراء على الأغنياء اتكالا على الله ..١‏ 799) 

أيها المؤمنون: إنه من رأى عدوانا يعمل به. ومنكرا يدعى إليه؛ فأنكره 
بقلبه. فقد سلم وبريء؛ ومن أنكره بلسانه فقد أجر وهو أفضل من صاحبه. 
ومن أنكره بالسيف لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الظالمين هي السفلى. 
فذلك الذي أصاب سبيل الهدىء وقام على الطريق ونور في قلبه اليقين.. 

[فالناس] منهم المنكر للمنكر بيده ولسانه وقلبه؛ فذلك المستكمل لخصال 
الخير. ومنهم المنكر بلسانه وقلبه والتارك بيده. فذلك متمسك بخصلتين 
من خصال الخير. ومضيع خصلة. ومنهم المنكر بقلبه. والتارك بيده ولسانه, 
فذلك الذي ضيع أشرف الخصلتين من الثلاث وتمسك بواحدة. ومنهم 
تارك لإنكار المنكر بلسانه وقلبه ويده. فذلك ميت الأحياء !.. 

وما أعمال البر كلهاء والجهاد في سبيل الله عنف الأمر بالمعروف والنهي 
عو لكو لوطه ف بجر رجي !1" وإن الأنويا هورف والتهن هن اللنكر 
لا يقربان من أجلء ولا ينقصان من رزقء: وأفضل من ذلك كله كلمة عدل 
علن إعام لاقن 819 


علي بن أبي طالب: 
7ك 
من كتابه إلى عمال الخراج 

أبسرز الأفكار: 

في هذه «الوثيقة» يحدد علي بن أبي طالب علاقة «جهاز الدولة» ب 
«الأمة».. فعامل الخراج: وكيل الأمة. وخازنها .. [فأنصفوا الناس من أنفسكم.: 
واصبروا لحوائجهم. فإنكم خزان الرعية؛ ووكلاء الأمة. وسفراء الأئمة].. 

وإذا كان هذا «الجهاز» هو وكيل الأمة. وخازنها على أموالها. فهو 


56 


وثائق 


«خادمها».ومن ثم فإن «خيانته» هي خيانة لهاء وتلك أعظم الخيانات!...[إن 
أعظم الخيانة خيانة الأمة. وأفظع الغش غش الأئمة...]. 

وليس لعمال الخراج أن يمسوا مالا فيما يتجاوز الحدود المقررة؛ طال ما 
أن أصحاب الأموال لا ينصبون الحرب لدولة الإسلام.. أما من ينصب 
الحرب لدولة الإسلام ودينه فلا ينبغي ترك ماله تتقوى به جبهة 
الأعداء....[ولا تمسن مال أحد من الناسء. مصل ولا معاهد., إلا أن تجدوا 
فرسا أو سلاحا يعدى به على أهل الإسلام..].. 


النصس 

«آمنا بعد مظان هن لم يعذوما فوصائكر إلية لم يقد م لنفسهه ما بحرزها. 

واعلموا أن ما كلفتم يسيرء وأن ثوابه كثير. ولو لم يكن فيما نهى الله 
نه من المكى والسدواة عفان يحاقه لكان في كراب الكطابه مالا سد ورف 
ترك طلبه. 

تاتصيفوا الثائننمن الشسيكي اصسيروا لحر هيم فاتك خراق الرعية: 
ووكلاء الآمة: وسفراء الأئمة. 

ولا تحسموا أحدا عن حاجته (*82) ني تحبيسوه عن طلبته: ولا تبيعن 
النامى هن اللخراج كندوة شكاء ولا صني وله داية يلوق عليهاء ولا عيذاء 
ولا تضربن أحدا سوطا لمكان درهم, ولا تمسن مال أحد من الناس. مصل 
لا ينبغي للمسلم أن يدع ذلك في أيدي أعداء الإسلام فيكون شوكة عليه. 
ولا تدخروا أنفسكم نصيحة: ولا الجند حسن سيرة ولا الرعية معونة. ولا 
دين الله قو وإبزيا0" فى سميل اللهما التنتوحب فليكمئ فرن اللة: 
سبحانه؛ قد اصطنع عندنا وعندكم أن نشكره بجهدناء وأن ننصره بما 
بلغت قوتنا. ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.!**8) 

.. إن لك فى هذه الصدقة نصيبا مفروضاء وحقا معلوماء وشركاء أهل 
الفقزاء::والمساكين» والتساكلون؛ والمدضوهوق: 259 .والعاوعون: 059 واين 
السعيل. 


]57 


الإسلام وحقوق الانسان 


ومن استهان بالأمانة ورخ فى الخيانة, ولم ينزه نفسه ودينه عنها. فقد 
أحل بنفسه الذل والخزي في الدنياء وهو في الآخرة أذل وأخزى.. وإن 
أعظم الخيانة خيانة الأمة. وأفظع الغش غش الأتمة.. والسلام,.8”0) 


عمر بن عبد العزيز: 
-8- 
فلسفة الإسلام في الأموال 


أبسرز الأفكار: 

قرابة الستين عاما فصلت بين انقضاء دولة الخلافة الراشدة وبين 
ولاية الراشد الخامس عمر بن عبد العزيز [|6- 101 ه / ا68- 720 م].. 
وفي هذه السنوات الستين تم الانقلاب شبه الشامل وحدثت الردة شبه 
العامتة ذن ظلبيعة الحم القتورية وف قسية الفدالة الاجتماعية الإسلامية, 
التي قررت تكافل الأمة الاجتماعيء باعتبار خلافتها ونيابتها. كأمة. عن 
الله؛ المالك الحقيقي للرقبة في هذه الأموال.. فلما ولي عمر بن عبد 
العزيز أمر الأمة سلك سبيل «الثورة» لرد «مظالم الأموال».. وحاز رضا 
الأمة عن ولايته بالعدل الذي جسده.. وكاد يعيد الأمر شورى بين الناس 
لولا أن عاجله أمراء السوء من بني مروان.. 

لقد أمضى مدة ولايته القصيرة يرد «مظائم الأموال» إلى الأمة. بعد أن 
احتجزها الظالمون.. وأعلن أن المال للأمة [نهر أعظم. والناس شريهم فيه 
سواء.. ولن يروى أصحاب النهر الأعظم إلا إذا عاد هذا النهر الأعظم إلى 
ما كان عليه] يوم تركه لهم رسول اللدوقة.. 


النص 

[دخلت فاطمة بنت مروان-عمة عمر بن عبد العزيز-دخلت عليه. تريد 
جداله باسم أمراء بني أمية الذين اجتمعواء واتفقوا على إرسالها إليه. كي 
تجادله. وتطلب إليه العدول عن مصادرة أموال هؤّلاء الأمراء.. وهي الأموال 
التي ورثوهاء والتي اعتبرها عمر بن عبد العزيز «مظالم» مغتصبة من بيت 
مال المسلمين وثروة الأمة العامة ولذلك صادرها وأعادها إلى بيت مال 


وثائق 


السلمين:.وناادخلتك. فاظمة بنك مروان على عون دان بينها وبيتة هذا 
الحوار: الذي بدأته]:- 

- «إنه قد عناني أمر لا بد من لقائك فيه.. 

- تكلمي. يا عمة. فأنت أولى بالكلام: لآن الحاجة لك.. 

- لقد أردت لقاءك؛ لأنه قد عناني أمر لا بد من لقائك فيه.. إن قرابتك 
يشكونك؛ ويزعمونء ويذكرون أنك أخذت منهم خير غيرك !.. 

ديا عمة:ما متعتهم حقا أوشيكا كان لهم ولا اخدت متهم حقا أوشيكا 
كان لهم.. 

- إني رأيتهم يتكلمون ! وإني أخاف أن يهيجوا عليك يوما عصيبا.. 

- يا عمة؛ كل يوم أخافه دون يوم القيامة فلا وقاني الله شره !..» 

- آثم أراد عمر بن عبد العزيز-عند هذا الموطن في الحوار-أن يضع 
عمته فاطمة أمام منطق «المؤمن الثائر»» الذي يرى في هذه الأموال التي 
صادرها من أمراء بني أمية «مظالم» و«فضولا» [زيادات] عن الحاجات 
اللازمة للكفاية. ومن ثم فهي «كنز» للمال يحرمه الإسلام.. يخشىل مكانه 
من المسئولية عن الأمة-إن هو تركه «كنزا». لدى مكتنزين: أن يكوى به يوم 
القيامة «والذين يكنزون الذهب والفضة ولا ينفقونها في سبيل الله 
فبشرهم بعذاب آليم. يوم يحمى عليها في نار جهنم فتكوى بها جباههم 
وجنوبها وظهورهم؛ هذا ما كنزتم لأنفسكم فذوقوا ما كنتم تكنزون»-!*87) 
أراد عمر أن يضع عمته أمام هذا المنطقء علها تتأثر فتقتنع به. فتنحاز له 
وتتخلى عن أمراء بني أمية المخاصمين له.. فطلب «دينارا»» و «مجمرة» 
موقدة بالنار. وقطعة من الجلد. وألقى بالدينار في النار حتى حمى واحمر.. 
ثم ألقاه على الجلد فسمع له صوت وصعد منه الدخان !.. وعندئذ توجه 
إلى عمته بالحديث:]- 

- «أي عمة ! أما تأوين-[ترقين وترحمين]-لابن أخيك من مثل هذا 15..- 
[فلما لم ترق !.. واصل حوارهاء قائلا:]- 

- «يا عمة؛ إن الله. تبارك وتعالى» بعث محمداء صلى الله عليه وسلم؛ 
رحمة-لم يبعثه عذابا يا عنده فقبضه إليه, 
وترك لهم نهرا شربهم”*** فيه سواء!.. ثم قام أبو بكر فترك النهر على 
لكر ا عبر سو اا يا اام . فلما ولي عثمان اشتق من ذلك 


56 


الإسلام وحقوق الانسان 


النهر نهرا.. ثم ولي معاوية فشق منه الأنهار.. ثم لم يزل ذلك النهر يشق 
وقد يبس النهر الأعظم.: ولن يروى أصحاب النهر حتى يعود إليهم النهر 

]-وعند ذلكء. قالت فاطمة بنت مروان:]-«قد أردت كلامك ومذاكرتك., 
فأما إذ كانت هذه مقالتك. فلست بذاكرة لك شيئًا أبدا .»ثم غنادت إلى 
الأمراء المجتمعين.. وقالت لهم :]-«ذوقوا مغبة أمركم في تزويجكم آل عمر 
بن الخطاب 2*9 ..١‏ تزوجون آل عمر بن الخطابء فإذا نزعوا الشبه 


جرعتم.. اصيروا له!.... 000 


زيد بن علي: 
ب وات 
[122 ه / 740 م] 

أسرز الأ فكار: 

كان الإمام زيد بن علي [79- ١22‏ ه / 698- 740 م] في طليعة فتيان آل 
البيت. زهداء وعلماء ونسكاء وسموا في الأخلاق. وسخاء في الكرم والجود.. 
وكان اضطهاد بني أمية لآل البيت قد حول الشيعة؛ بقيادة الإمام جعفر 
الصادق [148-80 ه / 699- 765 م] إلى «فرقة دينية». تجر أحزانهاء وتبكى 
شهداءهاء وتأسى للحرمان السياسي المفروض عليها.. وتحجم عن طريق 
الثورة مخافة الفشل الذي تكررء والذي جلب ويجلب عليا المزيد من الاضطهاد 
ا 

ولكن زيد بن عليء وكوكبة من فتيان آل البيت؛ رفضوا هذا النهج السائد: 
وانخرطوا في تيار المعتزلة: بقيادة واصل بن عطاء [31-80ا ه / 748-700 
م]-رغم معارضة جعفر الصادق-وسلكوا سبيل الثورة في مقاومة جور بني 
أمية واستثمارهم بالسلطة التي جعلوها ملكا وراثيا.... 

وفي الكوفة ١22[‏ ه / 740 م] كانت ثورة زيد بن علي. ضد حكم الخليفة 
الأموي هشام بن عبد الملك [71- ١25‏ هج / 743-690 م]. وكان القسم الذي 
بايعه عليه الثوار.. وفيه نجد فكر هذه الثروة؛ التي تدعو: 


600 


وثائق 


في الفكر: إلى الاحتكام إلى كتاب الله؛ وسنة نبيه؛ عليه الصلاة والسلام. 

وفي الدولة: تدعو إلى جهاد الظالمين» وردهم.. وإلى نصرة أهل البيت 
على من عاداهم وجهل حقهم. 

وفي الاقتصاد: تدعو إلى إعطاء المحرومين.. وقسم الفيء بين أهله 
الستحقين :له بالسواء::: 

وفي الحقوق الإنسانية: تدعو إلى الدفاع عن المستضعفين.. 

وفي الجندية: تدعو إلى إقفال «المجمر»-[والمجمرات هي المعسكرات 
التي كانت تقام في الثفور]-وذلك لمنع اتخاذ «الغزو» والمرابطة في الثغور 
سبيلا لتغريب الرجال عن ديارهم وأهليهم: فتنة لهم ولآهليهم.. 

فكانت هذه الثورة-التي لم تنجح_بداية سلسلة من الثورات «المعتزلية- 
الزيدية» التي تفجرت. طلبا للحرية والشورى والعدلء في أنحاء متعددة من 
بلاد الإسلام.. 


النص 

«إنا ندعوكم إلى: كتاب الله. وسنة نبيه. صلى الله عليه وسلم. وجهاد 
الظالمين. والدفاع عن المستضعفين. وإعطاء المحرومين. وقسم هذا الفيء 
بين أهله بالسواء. ورد الظالمين. وإقفال المجمر.'” ونصرة أهل البيت 
على من نصب لهم: وجهل حقهم.!*02) 


يزيد بن الوليد: 
10- 
خطبته عندما نجحت ثورته 

[26 ه/744م] 

أسرز الأفكار: 
خمس وعشرون عاما مرت بين وفاة عمر بن عبد العزيز [|6- ١0ا١ه‏ / 

-68١‏ 720 م] وبين ثورة يزيد بن الوليد [86- 126| ه / 705- 744 م] وفيها 
سادت الردة الكاملة عن ومضة العدل التي تمثلت في حكم عمر بن عبد 
العزيز.. . ولقد بلغت هذه الردة ذروتها في حكم الخليفة الماجن الفاسق 
الوليد بن يزيد |88- ١26‏ هر 707- 744 م].. 


6١‏ ا 


الإسلام وحقوق الانسان 


وكان يزيد بن الوليد على مذهب المعتزلة. فلما انتتصرت الثورة التي 
قادهاء أعاد الشورى لتكون فلسفة نظام الحكم الإسلامي؛ مرة أخرى, 
وأعلن منهاج العدل؛ من جديد. بين الناسء؛ فزاد في عطاء الناس؛ ونقص 
من أعطيات أمراء بني أمية. فسموه: «الناقص» !.. وكان عمر بن عبد 
العزيز يسمى: «الأشج»-لجرح في جبهته أحدثه حافر فرس وهو صغير- 
ولأنهما-يزيد. وعمر-قد تفردا بنهج العدل من بين خلفاء بني مروان» شاع 
ذلك عنهماء حتى لقد استقر في كتب النحو ذلك المثال الذي يقول: «الناقص 
والأشج: أعد لابني مروان» !.. وفي الخطبة التي خطبها يزيد بن الوليد. 
عقب مقتل الوليد بن يزيد؛ ونجاح الثورة» نرى الحديث عن مبادئىّ وقضايا .. 
من مثل: 

أن سبب الثورة هو: الغضب لله ورسوله ودينه.. والدعوة للكتاب والسنة.. 
وإزالة آثار الجبار الفاسق-رأيا وسلوكا-الوليد بن يزيد .. 

وأن في مقدمة أهداف الثورة: العودة بالثروة. لتكون موظفة في سد 
حاجات الأمة. لا مسخرة لترف الحاكم... [إن لكم علي] ألا أضع حجرا 
على حجر ولا لبنة على لبنة, ولا أكرى نهراء ولا أكثر مالا؛ ولا أعطى زوجة 
ولا ولداء ولا أنقل مالا من بلدة حتى أسد ثغر ذلك البلد وخصاصة أهله] .. 

ومن أهدافها: إنهاء اتخاذ معسكرات الثغور-[المجامر]-وسائل للفتنة.. 
لاوإن لكم عين ألا أتجركم في ثغور كم فآفتنكم وأفتن أهليكم] .. 

وإزالة الحجاب بين الرعية والحاكم,» ليستعينوا به على الانتصاف من 
ظالميهم... [إن لكم علي ألا أغلق بابي دونكم فيأكل قويكم ضعيفكم] .. 

وعدم تكليف أهل الجزية مالا يطيقون: كي لا يهجروا بلادهم: وينقطع 

والتسوية بين الناس في احتياجات المعاش..[حتى تستدر المعيشة بين 
المسلمين فيكون أقصاهم كأدناهم] .. 

وإعادة الحق في السلطة والسلطان إلى الأمة؛ بالشورى. بعد أن ساد 
النظام الملكي الوراثي.. وجعل معيار بقاء التفويض للحاكم هو الوفاء بشروط 
التفويض كأحسن ما يكون الوفاء....[فإن وفيت لكم بما قلت فعليكم السمع 
والطاعة وحسن المؤازرة» وإن أنا لم أف فلكم أن تخلعونيء إلا أن تستتيبوني: 
فإن تبت قبلتم مني. فان علمتم أحدا ممن يعرف بالصلاح يعطيكم من 


162 


وثائق 


ابه مالي العط يتك كاريهم أن تاسوه كإنه اول دن ماف ودب لوكين 
طاعته].. ! 

وأنه لا طاعة لمن يدعو إلى معصية.. وإنما يجب أن يعصى.. بل وأن 
يقل رب ل طلاعة مخلوق ف سهيية الشالق ولا وضاء له يتتشن عيد: 
وما الشاعة منافة الله كا تيعو لاض اللد ها هنا ركاذا عضي الله 
ودعا إلى المعصية فهو أهل أن يعصى ويقتل] !.. 


النص 

أيها الناس: 

إني: والله. ما خرجت أشرا ولا بطراء ولا حرصا على الدنياء ولا رغبة 
في الملك؛ وما بي إطراء نفسي ولا تزكية عملي إني لظلوم نفس إن لم 
يرحمني ربي. 

ولكني خرجت غضبا لله بي رسوله ودينه بدينه داعيا إلى الله وكتابه 
وسنة نبيه بنبيه صلى الله عليه وسلم أتسلم لما هدمت معالم الهدي أتهدي 
وأطفي نور أهل التقوى. وظهر الجبار العنيد المستحل لكل حرمة؛ والراكب 
لكل بدعة والمغير السنة مع أنه؛ والله. ما كان يصدق بالكتابء ولا يؤمن بيوم 
الحساب.. وإنه لابن عمي في النسب وكفي في الحسبء فلما رأيت ذلك 
استخرت الله في أمره؛ وسألته ألا يكلني إلى نفسيء ودعوت إلى ذلك من 
أجابني من أهل ولايتي. وسعيت فيه حتى أراح الله منه العباد والبلاد بحول 
الله وقوته. لا بحولي وقوتي. 

أيها الناس: 

إن لكم علي ألا أضع حجرا على حجر ولا لبنة على لبنة؛ ولا أكرى 
نهراء”*" ولا كثر مالاء ولا أعطيه زوجة ولا ولداء ولا أنقل مالا من بلدة 
حتى أسد ثفر ذلك البلد وخصاصة أهله بما يفنيهم: فإن فضل فضلة 
نقلتها إلى البلد الذي يليه ممن هو أحوج إليه؛ ولا أجمركم في ثغوركه!**”) 
فآفتنكم وأفتن أهليكم, ولا أغلق بابي دونكم فيآكل قويكم ضعيفكم. ولا 
أحمل على أهل جزيتكم ما يجليهم عن بلادهم: ويقطع نسلهم. وإن لكم 
أعطيتكم عندي في كل سنة؛ وأرزافقكم في كل شهرء حتى تستدر المعيشة 
بين المسلمين فيكون أقصاهم كأدناهم؛ فإن وفيت لكم بما قلت فعليكم 


065 


الإسلام وحقوق الانسان 


السمع والطاعة وحسن المؤازرة» وإن أنا لم أف فلكم أن تخلعوني إلا أن 
تستتيبونيء فان تبت قبلتم مني. فإن علمتم أحدا ممن يعرف بالصلاح 
يعطيكم من نفسه مثل ما أعطيكم فأردتم أن تبايعوه فأنا أول من يبايعه 

أيها الناس: 

أن لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق؛ ولا وفاء له بنقض عهد. إنما 
الطلزمة ظافة الله كاطرسوة 7" بطاعة الله ما أطاع؛ فإذا عصى الله ودعا 
إلى المعصية فهو أهل أن يعصى ويقتل. 

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكه 62*) 


أبو حمزة الشاري: 
2 ]لات 
خطبته بالمدينة 
[130-ه/ 747 م] 
أبعرز الأفكار: 
كان أبو حمزة الشاري-المختار بن عوف بن سليمان بن مالك [130 ه / 
8 م] الجسر من أبطال الخوارج وخطبائهم وثوارهم ضد مروان بن 
محمد[72- 132 ه / 2 69- 0 75 م] آخر الخلفاء الآمويين.. وعندما انتصر 
على أهل المدينة. في معركة «قديد» سنة [130 ه / 747 م] صعد منبر 
الرسولء. صلى الله عليه وسلم؛. وخطب الناس واحدة من خطبه الشهيرة 
التي يتعلم الناظر فيها . 
أن فرسان الحرب هم, في ذات الوقت؛ الوعاظ الذين يرققون القلوب 
بالواعظ الرفيقة ...ا وصيكم بتعوى الله وظاعته:والغمل بكتاية وسنة نبية: 
وصلة الرحم] ... أما في القتال فإنهم الفرسان..[فالتقينا الرماح بصدورناء 
والسيوف بوجوهنا !].. 
والتركيز على مخالفة نهج «الجبابرة»-[المستبدين]-.. [أوصيكم بتعظيم 
ما صغرت الجبابرة من حق الله؛ وتصغير ما عظمت من الباطلء؛ وإقامة ما 
لحيوا سن العوي و هيا ما اغافوا ين الحكوق ]ا 
والدعوة للعدل...[ندعوكم إلى القسم بالسوية؛ والعدل في الرعية؛ ووضع 


1 4 


وثائق 


الأخماس””” في مواضعها التي أمر الله بها]. والإدانة للظلمة؛ ومن تبعهم 
أو رضي بعملهم.....[الناس منا ونحن منهم إلا ثلاثة: حاكما جاء بغير ما 
أنزل الله أو متبعا له أو راضيا بعمله].. 

والغوزة تلحق والعدل ...والقوة باللة والوحدة...+[إناء واللة: ما تخرجنا 
أشرا ولا بطرا ولا لهوا ولا لعباء ولا لدولة ملك نريد أن نخوض فيه؛ ولا 
لثأر قد نيل منا . ولكن لما رأينا الأرض قد أظلمت. ومعالم الجور قد ظهرت, 
وكثر الإدعاء في الدين: وعمل بالهوىء وعطلت الأحكام: وقتل القائم بالقسط. 
وعنف القائل بالحق, وسمعنا مناديا ينادي إلى الحق وإلى طريق مستقيم: 
فأجبنا داعي الله [ومن لا يجب داعي الله فليس بمعجز في الأرض]!*08) 
فأقبلنا من قبائل شتى؛ قليلين مستضعفين في الأرضء فآوانا الله وأيدنا 
نتضرةء مأضحنا تتفمكه إخواناء وغلى الدين أغؤانا] .. 


النص 

فيا اهل المدينة: 

مصبيكم يتقرى شوك ته بو العمل كاب وبيقة قيوط نيلي الك قلية 
وسلمء وصلة الرحم, وتعظيم ما صغرت الجبابرة من حق الله وتصغير ما 
عظمة مخ الناظل: وإماثة مأ أحيوا هن التجون: وإحياع ها أماقوا مخ الحقوف: 
وأن يطاع الله ويعصى العباد في طاعته؛ فالطاعة لله ولأهل طاعة الله؛ ولا 
طاعة لمخلوق في معصية الخالق.. 

ندعوكم إلى: كتاب الله وسنة نبيه؛ والقسم بالسوية؛ والعدل في الرعية, 
ووضع الأخماس في مواضعها التي أمر الله بها. 

وإناء والله. ما خرجنا أشرال”*" ولا بطرا”"" ولا لهوا ولا لعباء ولا 
لدولة ملك نريد أن نخوض فيهء ولا لثأر قد نيل مناءولكن لما رأينا الأرض 
قد أظلمت: ومعالم الجور قد ظهرت, وكثر الإدعاء في الدين؛ وعمل بالهوى, 
وفظلت الأجكاء كل العاكم بلسي وختضه الشاكل بالسق ء ويسمسا متاديا 
تانق إلى الحق وإلن طريق مستقيم: جين داعي الله زوين لا يجب ذاضي 
الله فليس بمعجز في الأرض],!*" فأقبلنا من قبائكل شتىء؛ قليلين 
مستضعفين في الأرضء فآوانا الله وأيدنا بنصرهء فأصبحنا بنعمته إخواناء 
وى اندي أعوانا: 


65 


الإسلام وحقوق الانسان 


يا أهل المدينة: 

أولكم خير أولء وأخركم شر آخر.. .. .. سألنكم عن ولاتكما هؤلاء, 
فقلتم: والله ما فيهم الذي يعدل؛ أخذوا المال من غير حله فوضعوه في غير 
حقه؛ وجاروا في الحكم فحكموا بغير ما أنزل الله؛ واستأثروا بفيئنا فجعلوه 
دولة 2" بين الأغنياء منهم: وجعلوا مقاسمنا وحقوقنا في مهور النساء. 
وفروج الإماء. 

وقلنا لكم: تعالوا إلى هؤّلاء الذين ظلمونا وظلموكم وجاروا في الحكم 
فحكموا بغير ما أنزل الله؛ فقلتم: لا نقوى على ذلك؛ ووددنا أنا أصبنا من 
يكفيناء فقلنا: نحن نكفيكم. ثم الله راع علينا وعليكم: إن ظفرنا لنعطين كل 
ذي حق حقه. فجمّنا فاتقينا الرماح بصدورناء والسيوف بوجوهناء فعرضتم 
لنا دونهم: فقاتلتموناء فأبعدكم الله !.. غوالله لو قلتم: لا نعرف الذي تقول 
ولا نعلمه لكان أعذرء مع أنه لا عذر للجاهلء ولكن أبى الله إلا أن ينطق 
بالحق على ألسنتكم ويأخذكم به في الآخرة. 

... . الناس منا ونحن منهم إلا ثلاثة: حاكما بغير ما أنزل الله؛ أو متبعا 
لف أو اواضيا معو 1031 


مجلس الشرع: 
2- وثيقة الحقوق: [220اه / 805ام] 
3- الأمة مصدر السلطات: 


أبعرز الأفكار: 

فى الرققة إلقى الطلق منرا الؤريخوؤ» زوكظة السشدوق] ذ, وك قوفي 
قرارات «مجلس الشرعءوأفكاره. المعبرة عن مبداً : «الآمة مصدر السلطات»- 
زهمافة الوقافق: الت مظاكل الشكر الذي مكل مه ضير شه بتظلقه] 
الحويفكبيما سرام ريما فلم 

اهار لهمي إلى التعدى تسرك عفن اليشقة وا تقرين الذي كارت 
أمتها إليه-قد كان تحت قيادة «مجلس الشرع» المكون من كبار علماء الإسلام.. 

أن حدابيق السكم والجكية لكر و المازبية كن كانه بقريعة اللد 
ولس فكو لقو الفرنسية: الت اسفك بها مؤلاء العلماء زياع الخد الفريية 


| 6 


على مصر.. 

وأن الشريعة الإسلامية كانت قى سند القيادة الشعبية فى تقرير أن 
الأمة هي مصدر السلطات, سات ” الحق في عزل الولاة والساقطية 
والخلفاء. [لقد جرت العادة. من قديم الزمان: أن أهل البلد يعزلون الولاة, 
بل وحتى الخلفاء والسلاطينء ويخلعونهم إذا ساروا فيها بالجور.. بل 
ويحاصرونهم ويقاتلونهم لأنهم عصاة لأمر أهل البلد].. . 

وأن الحاكم لا يكون وليا للآمر؛ شرعا وحقاء إلا إذا كان عادلا.. فالعدل 
هو السبيل إلى دخول الحاكم في زمرة أولياء الأمر؛ المستحقين للطاعة من 
قبل المحكومين !.. 


النصان 
28 لاست 
وثيقة الحقوق 

[في سنة220١‏ س / 1805 م بلغت مظالم الجند العثماني وفوضاهم 
بمصر الذروة.. وأمام ضعف الوالي العثماني خورشيد باشاء ومظالمه هو 
الآخر. تصاعدت الثورة «الشعبية-الدستورية»», التى قادها العلماء. وبمعايير 
الأشاكم السياسى ساكينا الطلية: ' 

لقد أضرب علماء الأزهر وطلبته عن حلقات الدرس.. 

وماجت القاهرة بالمظاهرات التي قصدت منازل العلماء.. 

وكان «مجلس الشرع» هو القيادة الشعبية للأمة منن الحملة الفرنسية. 
وأبرز علماته: السيد / عمر مكرم ١237 -١168[‏ ه /1755- 1822 م] والشيخ 
محمد السادات ١228[‏ هج/ 18/2 م] والشيخ عبد الله الشرقاوي[155١-‏ 
7||ه/737 ١81 2-١‏ م] والشيخ محمد المهدي -١١55[‏ 0اهج / 1742- 
١5‏ م] والشيخ محمد الأمير ١232 -١١54[‏ ه / 1741- 7ا81ام] والشيخ 
مصطفى الصاوي ١216[‏ ه / 1802م] والشيخ سليمان الفيومي ١224[‏ ه / 
9 10 م]. 

وفي صبيحة يوم الأحد ١2‏ صفر سنة ١220‏ و/ ١2‏ مايو سنة 1805 م 
انعقد «مجلس الشرع» في «بيت القاضي»دار الحكمة الكبرى-وسط جماهير 
الشعب الثائرة؛ والتي بلغ عددها أربعين ألفاء يمثلون طبقات الأمة وأجيالها .. 


167 


الإسلام وحقوق الانسان 


وكان هتاف الجماهير وصراخها: 

«شرع الله بيننا وبين هذا الباشا الظالم»! 

«يا رب يا متجلي. أهلك العثملي»! 

نا لخم "5 ا 

«حسبنا الله ونعم الوكيل» ! 

وطلب «مجلس الشرع» من «القاضي» استدعاء وكلاء الوالي العثماني.. 
فحضر «سعيد أغا الوكيل!, و «بشير آغا». و «عثمان آغا قبي كتخدا». 
و«الدفتر دار» و«الشمعدانجي».. 

وأصدر «مجلس الشرع» الوثيقة الثورية التي أسماها المؤرخون «وثيقة 
الحقوق».. والتي التزم بها أركان الدولة ووكلاء الوالي خور شيد باشا.. 

والجبرتي[1!67- 1237 هج/ 1754- 2 82ام] يجمل مضمون هذه الوثيقة- 
التي افتتحت بها مصر ثورات المسلمين الدستورية في العصر الحديث- 
فيقول: 

إن أعضاء «مجلس الشرع.. اتفقوا على كتابة عر ضحال بالمطلوبات, 
ففعلوا ذلك؛ وذكروا فيه 

تعدى طوائف العسكرء والإيذاء منهم للناس: وإخراجهم من مساكنهم.. 

والمظالم: والفرد-[الإتاوات]-.وقبض مال الميري المعجل.. 

وحق طرق المباشرين.. 

ومصادرة الناس بالدعاوى الكاذبة.. وغير ذلك» 

وكان رد الوالي صريحا في إجابة هذه المطالب.. وبعبارة الجبري: فلقد 
جاء وذه ويظلين: الابرم ني 1040 

أما المؤرخ الفرنسي المسيو «فولابل»-صاحب كتاب [مصر الحديثة] وواضع 
الجزء التاسع والجزء العاشر من كتاب [وصف مصر]-الذي يسمى هذا 
«العرضحال»: «وثيقة الحقوق»فإنه يحدد مطالبهاء فإذا هي: 

ألا تفرضء من اليوم. ضريبة على المدينة-[القاهرة]-إلا إذا أقرها العلماء 
وكبار الأعيان.. 

أن تُجلو الحتود عن القاهرةوقتفل حامية الكديتة إلى“ الجيزة:: 

ألا يسمح بدخول أي جندي إلى المدينة-[القاهرة]-حاملا سلاحه.. 

أن تعاد المواصلات في الحال بين القاهرة والوجه القبلي..(*95') 


168 


3- الأمة مصدر السلطان: 

[مع مطلع القرن التاسع عشر الميلادي-وأمام ضعف السلطنة العثمانية. 
واستبداد جندها. وفوض إدارتها . وخراب ذمم ولاتها-تكونت للشعبء في 
مصرء قيادة من علماء الإسلام. سرعان ما استردت للشعب حقه «الطبيعي- 
الإسلامى» فى أن يكون هو المصدر الأصيل فى السلطة والسلطان. ولقد 
سميت 5-7 القوافة| للدم ةم سنن الشرع» 0 

وفي يوم الإثنين ١3‏ صفر سنة 1220 ه / مايو سنة1805 م اجتمع «مجلس 
الشرع» في «بيت القاضي»دار المحكمة العليا-واستنادا إلى حق الشعب- 
الذي يمثلونه-في أن تكون له السلطة في عزل الولاة وتوليهم-قرروا عزل 
الوالي أحمد خور شيد باشا [غرة ذي الحجة سنة 1218- ١5‏ صفر سنة 
0 ه 3ا| مارس سنة 1804- ١5‏ مايو سنة805ام]ء وهو المعين من قبل 
الخليفة العثماني.. كما قرروا محاصرته وأعوانه في «القلعة»» بل وقتالهم: 
وأسفا ريدم عحما «المظطة الا ان 1 

كذلك قرر «مجلس الشرع» تعيين والي جديد لمصرء هو محمد علي 
باشا [1184- 1265 ه / 1770- 1849 م] بإرادة الأمة. وعلى شروطهاء وتحت 
رقابتها !.. وبذلك استعاد «مجلس الشرع» للأمة حقها «الطبيعي-الشرعي» 
في أن تكون مصدر السلطة والسلطان...]. 

والجبرتي يسجل إعلان «مجلس الشرع»-على لسان أبرز قادته: السيد 
عمر مكرم-لهذا القرار. عندما ذهبوا إلى محمد علي باشا.. 

وأعلن السيد/ عمر مكرم: «إننا لا نريد هذا الباشا-اخور شيد]-واليا 
علينا. ولا بد من عزله من الولاية.. إننا خلعناه من الولاية». فقال محمد 
علي: ومن تريدونه واليا ؟! فقالوا: لا نرض إلا بك. وتكون واليا علينا 
بشروطناء لما نتوسمه فيك من العدالة والخير.. فامتنع محمد علي أولا؛ ثم 
رضي .. 

وأحضروا له «كركا,'*"' وعليه قفطان: وقام إليه السيد عمر مكرم 
والشيخ الشرقاوي؛ فألبساه له. وذلك وقت العصر.. ونادوا بذلك في تلك 
الليلة. في المدينة. وأرسلوا إلى-[الوالي المعزول]-أ حمد باشا خور شيد الخبر 
بذلك؛ فقال: «إني مولى من طرف السلطان: فلا أعزل بأمر الفلاحين.. ولا 
أنزل من القلعة إل بأمر السلطنة!...» 


69 


الإسلام وحقوق الانسان 


لكن «مجلس الشرع». ومن خلفه الآمة. حاصروا خور شيد باشا وأعوانه 
في «القلعة». وقاتلوهم. حتى اضطر إلى الخضوع لسلطة الشعب.. كما 
خضعت السلطنة العثمانية وخليفتها لسلطة الأمة؛ فأقرت ما أبرمه «مجلس 
الشرع». وأصدرت به فرمانا.. 

وكانت تولية «مجلس الشرع» لمحمد علي باشا «على شروط الأمة».. 
وبعبارة الجبري: «فلقد تم الأمر بعد المعاهدة والمعاقدة: على: سيره بالعدل.. 
وإقامة الأحكام والشرائع.. والإقلاع عن المظالم.. وألا يفعل أمرا إلا بمشورته 
ومكنؤوة العلماء:» وآنه مق خالت الشزوظ تفؤلوه»: 

وعندما التقى أعضاء من «مجلس الشرع» بمندوب الوالي المعزول-العامي 
خور شيد باشا-في منزل «حسن بك-أخي طاهر باشا»-في يوم السبت 24 
صفر سنة ١220‏ ه / 24 مايو سنة 1805 م-واستنكر مندوب الوالي قرار 
«مجلس الشرع» بالعزل والحصار والقتال.. أكد السيد عمر مكرم-مرة أخرى- 
حق الأمة في ممارسة حقها «الطبيعي-الشرعي». الذي يجعلها مصدر 
السلطة والسلطان.. وسجل الجبري ذلك الحوارء الذي بدأه مندوب الوالي 
الممزول الكايظ الأرتكودي عمر يقت ْ 

«-عمر بك: كيف تعزلون من ولاه السلطان عليكم. وقد قال الله تعالى: 
[أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم] .(1968) 

- السيد عمر مكرم: أولو الأمر: العلماء وحملة الشريعة, والسلطان 
العادل. وهذا-[خور شيد باشا]-رجل ظالم. وجرت العادة؛ من قديم الزمان 
أن أهل البلد يعزلون الولاة. وهذا شيء من زمان حتى الخليفة والسلطان؛ 
إذا ساروا فيها بالجور ؟ فإنهم-[أي أهل البلد] !-يعزلونه ويخلعونه ! 

- عمر بك: وكيف تحاصرونناء وتمنعون عنا الماء والأكلء وتقاتلوننا 5!.. 
تحن كفرة: حتى تفعلوا معنا ذلك 9! 

- السيد عمر مكرم: نعم ! لقد أفتى العلماء والقاضي بجواز قتالكم 
ومحارتكم: لأنكم عصاة لل 01079 

هكذا قدر وقرر «مجلس الشرع» أن «أهل البلد» هم مصدر السلطات.. 
وأعلن أن هذا الفكر عريق في تراث الآمة عراقة الإسلام: فهو ليس وافدا 
على واقعهاء وإنما هو «شيء من زمان»!.. 

كذلك قدر «مجلس الشرع» وقرر وضع هذا الفكر الإسلامي في الممارسة 


]70 


وثائق 
والتطبيق.. وأعلن-يلسان السيد عمر مكرم والشيخ السادات-: أن «العصيان»- 


بنظر الشرع-هو عصيان الأمة. مصدر السلطات؛ وليس عصيان الخلفاء 
والسلاطين المستبدين.. 


17 


الحجواشي 


(*1) الشرب - بكسر الشين وسكون الراء - الماء.. والحق.. والنصيب.. 

(*2) [ المعجم الوسيط] وضع مجمع اللغة العربية. القاهرة. 

(*3) أي على أمرهم الذي كانوا عليه. 

(*4) العاقلة: الديّة ؛ التي تجب على العاقلة - أي عصبة القاتل - والمراد ديّة القتل الخطأ. 
(:5) العاني: الأسير. | 

(*6) المفرح:-بضم الميم وسكون الفاء وفتح الراء - المثقل بالدين , والكثير العيال. 

(*7) العقل: الديّة. 

(*8) الدسيعة: العطية؛ أي طلب أن يدفعوا له عطية على سبيل الظلم. 

(*9) يبيء :-من البواء - أي المساواة. 

(*10) اعتبط مؤمنا: أي قتله بلا جناية جناهاء ولا ذنب يوجب قتله. 

)1١1(‏ القود :-بفتح القاف والواو - القصاص. 

(*12) المحدث: مرتكب الحدث ...الجناية..الذنب. 

(*13) يوتغ: يهلك. 

(14)في نهاية الأرب - للنويري-: «الشطنة»-بضم الشين مشددة وضم الطاء. 

(*15) أي حرم. 

(*16)] مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة[ 

ص 2١ -١5‏ جمعها الدكتور محمد حميد الله الحيدر آبادي. طبعة القاهرة سنة 956ام. 
(*17) كان مسترضعا في بني ليث. فقتله هذيل. 

(*18) سدانة الكعبة: القيام على شؤونها والسقاية: سقاية الحجيج. 

(*19) التأخير ...وكانوا يؤخرون الأشهر الحرم كي لا تعوق حروب جاهليتهم. 

(*20) تمنعوهن. 

(*21) عوان: جمع عانية: وهي الأسيرة. 

(*22) ما بين القوسين عند مسند الإمام أحمد بن حنبل. 

(*23) أي الزاني يرجم. 

(24) عند هذا الموضع؛ قال العباس بن عبد المطلب: «إلا الإذخر. يا رسول الله فإنا نجعله في 
قبورنا وبيوتنا» غفقال صلى الله عليه وسلم: «إلا الإذخر»] ولا يختلي شوكها: أي لا يجز ويقطع [. 
(*25) أي إلا لطالب ضالة. 

(*26)] مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة [ص (28 -283 ؛ 384, 385. 
(*27) أي أرد عليه حقه. 

(*28) الأبشار. مفردها بشرء وهي الجلد ..والأشعار: الشعر الذي ينبت من مسام البشرة. 
(*29) الوحى: الإسراع. 

(*30) الركز: الصوت الخفي. 


172 


(*31) النويري] نهاية الأرب في فنون الأدب[ج 19 ص 42- 45 طبعة القاهرة. 

(*32) أي أبو موسى الأشعري. (*33) أي سو. 

(34) الحيف: الظلم. 

(*35) أي كرهه وعاداه. 

(*36)]مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي والخلافة الراشدة[ص 316, 317. 

(*37) أي يذهب برضا الخاصة ويضيعه. 

(*38) أي بالإلحاح والشدة في السؤال. 

(*39) أي استماعك واستشارتك (*40) أي واجد بدله 

(41) الآصار-مفردها: إصر-بكسر الهمزة-والأوزار-مفردها : وزر-بكسر الواو-معناهما :الذنوب والآثام. 
(*42) أي ألفة ومحبة. 

(*43) العمال: هم ولاة الأقاليم. 

(*44) ما به تنعقد الشئون المختلفة؛ فتترابط؛ وتسير كجسد حي متمثل في الحياة العامة للمجتمع. 
(*45) أي مساعدتهم. 

(*46) النساء: 59 

(*47) أي نقصوا في أدائها أو خانوها. 

(*48) الشرب-بكسر الشين-: ماء الريء فيما يروى بالأنهار. 

(*49) البالة: ما يبل الأرض من مطرء فيما يروي بالأمطار. 

(*«50) أي تغيرها من الصلاح إلى الفساد. 

(*51) أي سرورك بما ترى من حسن عدلك فيهم. 

(*52) الإستنامة: السكون والثقة. 

(*53) المتجول بين البلاد 

(*54) أي المكتسب بيديه من ذوي الصناعات.. وهو من نسميه «الحرفي». 

(*55) البائقة: الداهية. 

(*56) فارق: خالط. 

(*57) الحكرة-بضم الحاء-: الإحتكار. 

(*58) البؤس: شدة الفقر والزمني: أصحاب الأمراض المزمنة (العاهات). 

(*59) القانع: السائل. والمعتر: المنعرض للعطاء بلا سؤال. 

(:60) صواضي الإسلام: الأرض التي استصفاها المسلمون؛ عند الفتح لبيت المال؛ وكانت-في 
الغالب-قبل الفتح مملوكة للملوك أو كبار القادة الذين بادوا أو هريوا ولم يدخلوا شي السلم.- 
(-61) البيطن + الطعيان:بالتهمة (9) تشحمن :تضرف :وصعر خدة: أماله إعتجابا وكبرا: 

(*64) غير متردد. بسبب الخوف, الذي يجعله عاجزا كالعيي. 

(*65) هذا الحديث أخرجه ابن ماجة في سننه. 

(*66) الحامة: الخاصة والقرابة. والقطيعة: المنحة الممنوحة من الأرض: إقطاعا. 

(*67) المهناً :المنفعة الهنيئة. 

(*68)[نهج البلاغة] ض 333- 348. 

(*69) [الأعمال الكاملة للامام محمد عبده] ج 2 ص 420. دراسة وتحقيق: د . محمد عمارة طبعة 


|] 


الإسلام وحقوق الانسان 


بيروت سنة 1972ام. 

(*70) النفثة: البصقة. 

(*71) الأذلال: مفردها: ذل-بكسر الذال-وهو الطريق.. أي جرت الطرق والأمور على سننهاء أي 
على وجوهها. 

(*72) أي كثر إدخال ما يفسده فيه. 

(*73) [نهج البلاغة]|ص 263. طبعة دار الشعب. القاهرة. 

(*74) أي ما آمر به ولا أقربه.. 

(*75) أي مدى الدهر.. 

(*76) الحدين: الصديق. 

(*77) [نهج البلاغة] ص 015١‏ 

(*78) المصدر السابق. ص !41, (*79) المصدر السابق ص 408. 

(*80) المصدر السابق. ص 373, 366, (*/8) [شرح نهج البلاغة]لابن أبي الحديد. ج 7 ص 37. 
طبعة القاهرة سنة 1959 م. 

(*82) [نهج البلاغة] ص 418. 

(*83) النفثة: البصقة. 

(*84) [نهج البلاغة] ص 414, 415. 

(*85) أي لا تقطعوا أحدا عن حاجته وطلبته. 

(*86) أي آدوا. 

(*1)87نهج البلاغة] ص 332. 

(*88) أي فقراء الغزاة.. المقصودون بقول الله في آية مصارف الصدقات: [وضي سبيل الله]. 
(*89) المدينون ممن لا يملكون نصاب الزكاة. (1)90نهج البلاغة] ص 300. 

(*91) التوبة: 34, 35. 

(*92) الشرب-بكسر الشين-: الماء 

(*93) تشير إلى تأثير عدل عمر بن الخطاب؛ الذي سرى إلى عمر بن عبد العزيزء عبر المصاهرة.. 
فلقد كانت أم عمر بن عبد العزيز هي أم عاصم بنت عاصم بن عمر بن الخطاب... 
(94)[طبقات ابن سعد] ج5 ص 275. و[الأغاني] ج 9 ص 3375, 3376. طبعة دار الشعب.القاهرة. 
859 الللجمرة الواحد .هن مشكرات الشعري» التي كاخ بحسن فيها الرعال .دون اهلنهم: #يفضون 
ويفتن أهلهم !.. 

(*96) [تاريخ الطبري] ج 7ص 172. 

(*«97) أي لا أبني القصور ولا أحقر الأنهار. 

(*98) جمر الجشر: حبسه في أرض العدو. 

(*99) أي المخلوق.. والمراد صاحب الولاية.. 

(*100) [تاريخ الطبري]ج7 ص 268, 269. طبعة دار المعارف. القاهرة. و [العقد الفريد] 4 ص 96 
طبعة لجنة التأليف والترجمة والنشر القاهرة سنة 1962 م. 

(*101) الآأخماسء مفردها: الخمس.. وهو حق بيت المال من الغنائم. (*102) الأحقاف: 32. 
(*103) أي تسرعا وحدة. 

(*104) أي زهوا مجاوزا للحد. 


174 


(*105) الأحقاف: 32. 

(*106) أي حكرا يداوله الأغنياء خاصة من دون غيرهم. 

(*107) [العقد الفريد ج 4 ص 144- 146, ١‏ ولقد سمع مالك بن أنس هذه الخطبة.. وقال عنها: 
«إنها شككت المستبصر وردت المرتاب»...] 

(*108) [عجاتب الآثار في التراجم والأخبار] ج 6 ص 2/8, 219. طبعة القاهرة سنة 1966 م. 
(*109) عبد الرحمن الرافعي [تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم في مصر] ج 2 ص 334: 
5. طبعة القاهرة سنة 1958 م. 

(*110) حلة من حلل «تشريفة» ذلك العصر. 

.59 النساء:‎ )١١١1*( 

.337 ,336 [عجائب الآثار] ج 4 ص 219- 223. والرافعي[تاريخ الحركة القومية] ج 2 ص‎ )1١١2*( 


]715 


المصادو 


القرآن الكريم: 

كتب السنة: 

[صحيح البخاري] طبعة دار الشعب.القاهرة 

صحيح مسلم] طبعة القاهرة سنة1955 م 

سنن الترمذي] طبعة القاهرة سنة ١937‏ م 

سنن النسائي] طبعة القاهرة سنة 1964 م 

سنن أبي داود] طبعة القاهرة سنة 1952 م 

سنن إبن ماجة] طبعة القاهرة سنة 1972 م 

سنن الدارمي] طبعة القاهرة سنة 1966 م 

مسند الإمام أحمد] طبعة القاهرة سنة 1313 ه 

موطأ الإمام مالك] طبعة دار الشعب القاهرة 
إبن أبي الحديد [شرح نهج البلاغة] طبعة القاهرة سنة 1967 م 
إبن الأثير [أسد الغابة فى معرفة الصحابة] طبعة دار الشعب القاهرة 
إبن سعد [كتاب الطبقات الكبير] طبعة دار التحرير القاهرة 
إبن سلام (أبو عبيد) [الأموال] طبعة القاهرة سنة 1353 ه 
إبن عبد البر [الدرر في اختصار المغازي والسير] طبعة القاهرة سنة 

6م 
إبن عبد ريه [العقد الفريد]طبعة القاهرة سنة 1962 م 
إبن قتيبة [الإمامة والسياسة] طبعة القاهرة سنة 331١‏ ه 
إبن القيم [أعلام الموقعين] طبعة بيروت سنة 1973 م 
إبن منظور [لسان العرب] طبعة دار المعارف. القاهرة 
الأصفهاني (أبو الفرج) اكتاب الأغاني] طبعة دار الشعب. القاهرة 
أمين سامي (باشا) [تقويم النيل] طبعة القاهرة سنة ١928‏ م 
الباقلاني (أبو بكر) [التمهيد] طبعة بيروت-ضمن مجموعة 

آنصوص الفكر السياسي الإسلامي [سنة 1966. 


1 
1 
1 
1 
1 
1 
1 
1 


177 


الإسلام وحقوق الانسان 


البيضاوي [التفسير] طبعة القاهرة سنة 1926 م 
الجاحظ اكتاب الحيوان] تحقيق الأستاذ عبد السلام 
هارون طبعة القاهرة 
الجبرتي [عجائب الآثار في التراجم والأخبار] طبعة 
القاهرة سنة 1966 م 
الدهلوي (ولي الله) [حجة الله البالغة] طبعة القاهرة سنة 352اه 
سارتون (جورج) تاريخ العلم] طبعة القاهرة سنة 1957 م 
صفي الدين البغدادي [مراصد الإطلاع] طبعة القاهرة سنة ١954‏ م 
الطبري (إبن جرير) [التاريخ] طبعة القاهرة-الأولى-وطبعة 
دار المعارف 
الطهطاوي (رفاعة) [الأعمال الكاملة] دراسة وتحقيق د. محمد 
عمارة. طبعة بيروت سنة 1977 م 
عبد الجبار بن أحمد [تثبيت دلائل النبوة] طبعة بيروت سنة 1966 م 
(قاضي القضاة) 
علي بن أبي طالب [نهج البلاغة] طبعة دار الشعب القاهرة 
علي فهمي خشيم [الجبائيان: أبو علي وأبو هاشم] طبعة 
طرابلس-ليبيا-سنة 1968 م 
الغزالي (أبو حامد) [الإقتصاد في الإعتقاد] طبعة صبيح-ضمن 
مجموعة-القاهرة بدون تاريخ 
فان فلوتن [السيادة العربية والشيعة والإسرائيليات في عهد 
بني أمية [. طبعة القاهرة سنة1965 م ا 
القرافي [الأحكام في التمييز بين الفتاوى والأحكام 
وتصرفات القاضي والإمام] طبعة حلب 
سنة 1967 م 
القرطبي [الجامع لأحكام القرآن] طبعة دار الكتب 
المصرية 
مجمع اللغة العربية [معجم ألفاظ القرآن الكريم] طبعة القاهرة 


سنة.970ا م 


178 


المصادر 


[المعجم الوسيط] طبعة القاهرة 
محمد حميد الله [مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوي 
الحيدر آبادي والخلافة الراشدة] طبعة القاهرة سنة 1956 م 
محمد عبده (الإمام) [الأعمال الكاملة] دراسة وتحقيق: د. محمد 
عمارة. طبعة بيروت سنة 1972 م 
محمد عمارة (دكتور) [تيارات الفكر الإسلامي] طبعة القاهرة 
سنة 1983 م ا 
[الإسلام وفلسفة الحكم] طبعة بيروت 
سنة 1979 م 
[المعتزلة وأصول الحكم] طبعة القاهرة 
سنة 1984 م 
[الإسلام والثورة] طبعة بيروت سنة 1980 م 
محمد فوّاد عبد الباقي [المعجم المفهرس لألفاظ القرآن الكريم] طبعة 
دار الشعب. القاهرة. 
النسفى [مدارك التنزيل وحقائق التأويل] طبعة القاهرة 
سنة 1344 ه 
وينسنك (1.ي) [المعجم المفهرس لألفاظ الحديث النبوي 
الشريف] طبعة ليدن سنة 1936- 1969 م 


170 


المؤلف في سطور 


د. محمد عمارة 


من مواليد جمهورية مصر العربية في عام ا93ام. 
تخرج في كلية دار العلوم. ومنها نال إجازتي الماجستير والدكتوراه. 
قدم للمكتبة العربية أكثر من ستين كتاباء بين تأليف. ودراسة وتحقيق 


منها: 
- فجر اليقظة القومية. 


+العزوية ف العضس الحدية: 
«الافة العربية وظشية القريديك: 
«“إنبراقي» هل سي سافية ؟ 

- الخلافة ونشاة الأحزاب الإسلامية. 
« الوه واضمول السك 


- نظرة جديدة للتراث. 

- عندما أصبحت مصر 
عربية. 

- معارك العرب ضد 
الغزاة. 

- الإسلام والسلطة 
الدينية. 

- العرب والتحدي [من 
إصدارات المجلس ضمن هذه 
المتلشئلة] 

- دراسة وتحقيق الأعمال 
الكاملة للأفغاني ومحمد 
ده وعلي مبارك 
والطهطاوي وقاسم أمين 
والكواكبي. 

ترجم عدد من أعماله إلى 





تحولات الفكر والسياسة 
في الشرق العربي 
بين ١930‏ - 970| 


تأليف: د. محمد جاير الانصارى 








اللغات الإنجليزية والأسبانية والروسية. 

في عام ١972‏ حصل على جائزة جمعية أصدقاء الكتاب؛ يلبنان» عن 
كتابه «دراسة للأعمال الكاملة لمحمد عبده» وفي عام 1976 حصل عل 
جائزة الدولة التشجيعية بمصر عن كتابه «دراسة الأعمال الكاملة لرفاعة 
الطهطاوي».